قانونيون: نقيب المحامين يخالف روح الدستور في تعامله مع المادة 62

قانونيون: نقيب المحامين يخالف روح الدستور في تعامله مع المادة 62

نقابة المحامين الأردن-1

عمّان – البوصلة

في الوقت الذي ينبغي أن تكون فيه نقابة المحامين الأردنيين خط الدفاع الأول عن حقوق الأردنيين باعتبار القضاء الأردني والمحاكم الملاذ الآمن لكل ظمآنٍ للعدالة، إلا أنّ قانونيين وحقوقيين يرون في “تعسف” نقيب المحامين في استخدام المادة (62) من قانون النقابة مخالفة لروح القانون والدستور عبر منح مجلس النقابة وبعض المحامين الحصانة أمام القضاء حين يرتكبون المخالفات الصريحة.

ويرى قانونيون تحدثت إليهم “البوصلة” أن نقيب المحامين “يتعسف” في استخدام المادة “62” بشكلٍ يسيء للنقابة والمحامين في آنٍ واحد، وهي المادة التي منحت نقيب المحامين فقط الحق بمنح الإذن للمحامي لمخاصمة مجلس النقابة أو زملائه المحامين في القضايا الجزائية بهدف تحقيق العدالة والمساهمة في الصلح، وإن تعذر ذلك وكان هناك أساسٌ للشكوى فالأصل أن يمنح هذا الإذن.

وشددوا على أن نهج النقيب الحالي الدائم بمنع منح الإذن في القضايا الجزائية، يؤثر سلبًا على حقوق الآخرين في التقاضي، وقد يضيّع حقوقهم بسبب تقادم القضايا خاصة تلك التي تكون مددها قصيرة وتصل إلى 3 أشهر فقط، مطالبين في الوقت ذاته بأن يتم تطبيق روح المادة (62) من قانون النقابة عبر التحقيق في الشكاوى سواء الحقوقية أو الجزائية بكل شفافية ومنح إذن الخصومة حل التأكد من سلامة القضية كجزءٍ من مهمّة النقابة في تحقيق العدالة.

المادة (62) وفلسفتها التشريعية

أكد المحامي بسام فريحات في تصريحاته إلى “البوصلة” أن الدستور نظم العلاقة ما بين كل المواطنين على حدٍ سواء وجعل باب المحاكم مفتوحًا ورتب حق التقاضي كحق مقدس ومصون لكل شخص يرغب باللجوء للمحاكم دون أي قيودٍ أو شروط.

وقال فريحات: إن المادة (62) من قانون نقابة المحامين جاءت بهدف وغايات الحفاظ على العلاقة ما بين المحامين أنفسهم، وما بين المحامين ونقابتهم ووضع قيدًا لغاية تقديم الدعوى أو الشكوى خلال مواجهة أي محامٍ مع زميل آخر له، أو في مواجهة النقابة، أن لا يتم ذلك إلا بعد أن يحصل المحامي على إذن خصومة من نقيب المحامين.

ونوه إلى أن الفلسفة التشريعية في هذا الموضوع تقوم على أنه إذا حدث أي خلاف أو خطأ أو خلل من أي محامٍ أو من النقابة فإن الأمر يكون مرده إلى النقيب والنقابة، بحيث يرد الأمر لنقيب المحامين الذي يجب عليه أن يبذل مساعيه لغايات حل الموضوع.

وأشار فريحات إلى أن “كثيرًا من النقباء السابقين كانوا يتعاملون مع هذا النص بما أشرنا إليه من فهمٍ صحيح وكانت كثير من القضايا التي تحوّل لهم لأخذ الإذن بالمخاصمة تحل داخل بيت النقابة مهما بلغت من أموال كبيرة جدًا أو خصومات مستعصية، وكان النقيب يمارس هذه الصلاحية سابقًا ويُسمع له من كل المحامين”.

واستدرك بالقول: لكن في الفترة الأخيرة كان هناك سوء لاستخدام هذه المادة، يتمثل في أن كل قضية جزائية المعروف بين المحامين أن أي قضية جزائية تقام ضد محامي يرفض النقيب منح إذن الخصومة فيها، بينما كل قضية حقوقية تقام ضد المحامين يمنح الإذن فيها.

وتابع، “ليست هذه فلسفة المادة(62) من قانون النقابة؛ ولكن فلسفتها تتمثل في أنه حال ارتكاب المحامي لأي خطأ فإن النقابة تتطلع عليه لأنها الجهة التي يقع على عاتقها محاسبة المحامي وتأديبه داخل النقابة، وهنا يجب على النقيب إذا تبين له أن المحامي ارتكب خطأ فادحًا وواضحًا، أن يمنح المحامي الآخر الذي يرغب برفع الدعوى ضده إذن المخاصمة”.

وأشار إلى أنه “في المقابل، فإن القضايا الحقوقية إذا كان هناك رغبة في إقامة دعوة كيدية غير محقة للمطالبة بمبالغ مالية غير مستحقة، فالأصل في النقيب أن يطلب جميع الأطراف وينهي الموضوع لا أن يعطي إذن المخاصمة على إطلاقه”.

مخالفة للفهم التشريعي وللدستور

وأوضح فريحات أن السياسة الحالية في منح أذون المخاصمة أو عدم منحها مخالفة للفهم التشريعي ومخالفة للدستور، فكثير من الأشخاص يرغبون في توكيل المحامين من أجل إقامة دعاوى في وجه النقابة التي قد تخطئ مثلها مثل أي جهة تصيب وتخطئ.

وقال: أحيانا قد تكون قضايا بسيطة مثل القضايا العمالية، وبعض التطبيقات العملية في هذا الجانب حين تم إنهاء خدمات بعض العاملين في نقابة المحامين، ويرون أن هذا الإنهاء “فصل تعسفي” وبالتالي يرغبون في المطالبة بحقوقهم العمالية.

وتساءل: كيف يستوي أن نكون نقابة للمحامين تدافع عن حقوق الناس ومنها الحقوق العمالية، ثم نجعل لأنفسنا حصانة كنقابة ونمنع أي شخص يتقدم للنقابة بالمطالبة بحقوقه في الوقت الذي من حقه اللجوء للقضاء فهو الفيصل وهو الملاذ الآمن لكل ظمآن للعدالة، منوها في الوقت ذاته إلى أنه “إن كان هناك خطأ فيجب أن تقر لهذا المشتكي حقوقه العمالية وعلى النقابة أن تلتزم وتؤديها وتدفعها، وإن كان خلاف ذلك ترد الدعوى عن النقابة، لكن لا يجوز للنقابة أن تمنع الشخص من أين يلجأ للمحكمة”.

وتابع فريحات حديثه بالقول: كذلك هناك بعض الإجراءات التي تتم بحق الأشخاص الراغبين بالانتساب للنقابة ويتم رفض انتسابهم، ويرغبون بالطعن في هذه القرارات الإدارية أمام المحكمة الإدارية التي لا تقبل أن يمثل أمامها سوى محامي مضى على خدمته خمس سنوات.

ونوه بالقول: “هنا لا يستطيع الشخص اللجوء إلى القضاء، وتكون النقابة ارتكبت مخالفة دستورية لأنها حالت دون المواطنين وباب القضاء المفتوح خلافًا لما هو النص الدستوري بأن هذا الحق مفتوحٌ للجميع والتقاضي حق لجميع الأردنيين”.

وأشار فريحات إلى أن هناك الكثير من المتضررين الذين يطالبون بإلغاء المادة (62) من النظام الداخلي للنقابة، يرغبون بتوكيل محامين وتمضي عليهم المدد وتتقادم دعاويهم بسبب عدم منح الإذن والمحامي يرغب أن تكون علاقته طيبة مع النقابة فلا يغامر برفع الدعوى، وبالتالي تضيع حقوق المواطنين، وهذا الأمر يزيد من حجم المطالبات لنقيب المحامين بحسن التعامل مع هذا النص وعدم التعسف فيه.

وشدد على أن كثيرًا من القضايا والشكاوى قدمت بحق نقيب المحامين والطعن في قراراته برفض إذن المخاصمة أمام المحكمة الإدارية حول هذا الموضوع، مؤكدًا في الوقت ذاته على أن الحل لا يكون بإلغاء هذه المادة، بل يجب أن يكون النقيب مرنًا وأن يتعامل مع النص بروحه، وأن لا يكون عنده منعٌ مطلق لإذن الخصومة ولا منحٌ مطلق؛ بل تدرس كل حالة بحالتها.

وأكد فريحات على أن فكرة المادة (62) إن أحسن التعامل معها فهي فكرة جيدة، ولكن سوء استخدامها وإهمالها أو التعسف فيها هو المشكلة بحد ذاتها.

محامون متضررون

بدورها قالت المحامية ليلى عطا، إنّ المحامون يواجهون مشكلة تعسف نقيب المحامين في استخدام المادة (62) من قانون النقابة منذ فترة طويلة، الأمر الذي تسبب بخسائر مشتكين لقضايا بمبالغ مالية كبيرة بقضايا احتيال وراءها سلوك خاطئ لمحامي.

وروت عطا في حديثها لـ “البوصلة” كيف تضرر موكلٌ لها بأحد القضايا نتيجة تواجده خارج البلاد في الوقت الذي رفض فيه نقيب المحامين منحها إذن الخصومة لزميل لها في القضية ذاتها.

وأشارت إلى أنه حين تكون القضية داخل البلد فإن بإمكان المحامي توجيه المشتكي لكيفية رفع الدعوى القضائية أمام المدعي العام والسير في مراحلها حتى تصبح منظورة أمام محكمة الصلح، لكن حين يكون المشتكي خارج البلاد فإن المحامي لا يستطيع تحريك الشكوى ضد المشتكى عليه.

وأوضح أن هذا الأمر يقود مشكلة كبيرة خاصة في بعض القضايا الجزائية التي تتقادم خلال مدد قصيرة تصل إلى 3 أشهر فقط، ومنها ما يتقادم خلال سنة أو ثلاث سنوات، فيخسر بذلك الشخص دعواه لمجرد أنه تأخر في رفع الدعوى بسبب رفض النقيب لمنح إذن المخاصمة.

ونوهت عطا إلى أنها في إحدى القضايا اضطررت إلى استثناء المحامي من القضية ومخاصمة باقي الأطراف، بسبب المادة (62)، ولكن المحامي في القضية ذاتها جاء كشاهد مع الأطراف الأخرى، في الوقت الذي يفترض أنه جزء من الجريمة، وبذلك استفادت الأطراف الأخرى من هذه الجزئية، الأمر الذي تسبب بخسارة المشتكي للقضية.

واستدركت بالقول: هذا مثالٌ فقط على ما تسببه المادة (62) من إشكالات قانونية في القضايا المنظورة أمام المحاكم.

ماذا عن حقوق الآخرين؟

وعبرت عطا عن استهجانها لعدم اكتراث نقابة المحامين وعدم جديتها مؤخرًا في التعامل مع تجاوزات بعض الزملاء الذين يسيئون للمهنة والنقابة بشكلٍ واضح، ملقية باللوم على ما أسمته “المحسوبيات والعلاقات الشخصية التي يمارسها مجلس النقابة بهذا الخصوص”.

وحذرت من أن المحامي الذي يسيء للناس ولا تتم محاسبته من قبل مجلس النقابة فإن باقي المحامين سيدفعون ضريبة هذه الإساءة، في ظل استمرار عدم إبداء النقابة لأي جدية حيال هذه التجاوزات.

أرى النقابة متهاونة في هذ الفترة مع تجاوزات المحامين وسلوكياتهم الخاطئة وهذا يشوه شكل النقابة ويسيء لها.

مطالبات بتفعيل المجلس التأديبي للنقابة

بدورها طالبت المحامية نور الإمام في تصريحاتٍ لـ “البوصلة” بضرورة تفعيل المجلس التأديبي في النقابة لمنع أي شكلٍ من أشكال الشكاوى الكيدية بين المحامين، وفي الوقت ذاته محاسبة كل محامٍ يمارس أي سلوكٍ خاطئ فلا حصانة لأحد أمام القانون.

وحذرت من أنّ استمرار منع إذن المخاصمة في القضايا الجزائية قد يضر بسمعة النقابة والمحامين لا سيما وأن الدستور كفل حق التقاضي للأردنيين على حدٍ سواء أمام القضاء الأردني.

وطالبت الإمام مجلس النقابة بضرورة دراسة كل شكوى تقدم ومنح إذن المخاصمة حال ثبوت أحقيتها وسلامتها حتى يستطيع المحامون القيام بدورهم على أكمل وجه في الدفاع عن العدالة، وعدم التخلف عن هذا الدور خوفًا من تعرضهم لإجراءات عقابية تصل إلى حد وقفهم عن العمل بسبب مخالفتهم للمادة (62) من قانون النقابة التي تمنعهم من الخصومة مع محامين آخرين دون إجازة من نقيب المحامين.

(البوصلة)

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: