جميل أبو بكر
Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on email
Email
Share on telegram
Telegram

رابط مختصر للمادة:

قيم الأداء السياسي: الأمانة والكفاءة العملية (16)

جميل أبو بكر
Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

إعداد وعرض: جميل أبوبكر  

6- الأمانة أو الأهلية الأخلاقية:

من الأسئلة المحورية في الفلسفة السياسية سؤال عن طبيعة المنصب العام: أهو هبة الهيئة أم أمانة مشروطة أم ملكية شخصية؟ وقد كان من اهم معالم ثورة القيم التي أحدثها الإسلام في مجال السياسة توصيف المنصب العام أخلاقيا وقانونيا بأنه أمانة من المحكومين عند الحاكم، وليس ملكية شخصية يتم توارثها أو الاستيلاء عليها بالقوة، والمحافظة عليها بالقهر. كما ان المنصب العام في الإسلام ليس هبة الهيئة، إلا ما كان من توليه الله سبحانه بعض أنبيائه قادة للناس، بحيث يستمدون شرعيتهم السياسية من الخالق لا من الخلق. ومع ذلك كانت للإسلام خصوصية في هذا المضمار أيضا، كما سيتضح في الحديث عن الشورى والمشاورة.

وللأمانة في الاصطلاح السياسي الإسلامي معنيان: فهي تستعمل توصيفا أخلاقيا وقانونيا للمنصب العام، كما تستعمل صفة لمتقلد المنصب، وشرطا من شروط الكفاءة القيادية. فالأمانة بالمدلول الأول تعني ان المنصب العام وديعة بيد متقلده ،لا ملكية شخصية له. والأمانة بالمدلول الثاني تعني ان متقلد المنصب يجب ان يكون أمينا في نفسه، فهي تشمل الصفات الأخلاقية التي تكبح جماح الحاكم، فتكون وازعا له يمنعه من إساءة استعمال السلطة.

وقد ورد مفهوم الأمانة  بالمعنى الأول في قوله تعالى: “إن الله يأمركم ان تؤدوا الأمانات إلى أهلها واذا حكمتم بين الناس ان تحكموا بالعدل”. واعتبر ابن تيمية الأمانة والعدل الواردين في الآية هما لباب العلاقة السياسية بين الراعي والرعية من المنظور الإسلامي، فقال:” واذا كانت الآية قد أوجبت أداء الأمانات إلى أهلها والحكم بالعدل، فهذان جماع السياسة العادلة والولاية الصالحة “.وقد ورد في الحديث النبوي عن أبي ذر، قال: قلت: يا رسول الله، ألا تستعملني؟ قال: فضرب بيده على منكبي ثم قال: يا أبا ذر، إنك ضعيف، وإنها أمانة، وانها يوم القيامة خزي وندامة، إلا من أخذها بحقها، وادى الذي عليه فيها”. فيقتضي أداء الأمانة- بمعناها السياسي – بذل الحاكم غاية الجهد في خدمة المحكومين.

ومما يترتب بداهة على كون المنصب العام أمانة ان للامة استرجاع تلك الأمانة من يد الحاكم متى شاءت، فهي صاحبة الحق الأصيل في ذلك، وذلك حسب صيغة التعاقد بينها وبين الحاكم ،وان لم تكن هناك صيغة تعاقدية منصوصة، فإن الاسترجاع يبقى خاضعا لإرادة الأمة ورغبتها، ولا يسأل صاحب الأمانة عن تعليل لاسترجاع أمانته.

وقد توصل الفكر الدستوري الغربي- منذ أيام جون لوك – إلى هذا المبدأ الإسلامي العظيم تأذي يجعل المنصب العام أمانة، فتحدث لوك عن ان المنصب العام “سلطة ائتمانية”، وان من حق المستأمن ان يستردها متى شاء من المستأمن عليها، أو طبقا لشروط متفق عليها بينهما وخصوصا اذا تبين ان المستأمن (عليها) غير جدير بحمل الأمانة.

أما المعنى الثاني للأمانة، أي باعتبارها شرطا من شروط الأهلية القيادية، فقد ورد في القران الكريم على لسان يوسف عليه السلام لما طلب من ملك مصر ان يوليه امر الخزائن فقال: “اجعلني على خزائن الأرض اني حفيظ عليم. “قال النيسابوري: “حفيظ  للأمانات وأموال الخزائن ،عليم بوجوه التصرف فيها على وجه الغبطة والمصلحة”.

وجاء هذا المعنى للأمانة في حديث عندما طلب نصارى نجران من النبي صلى الله عليه وسلم – بعد المعاهدة معهم – ان يبعث معهم رجلا مسلما يتولى إدارة شؤونهم، فقالوا: “يا رسول الله ابعث الينا رجلا أمينا، فقال: لأبعثن إليكم رجلا أمينا، حق أمين، حق أمين”. ووقع اختياره صلى الله عليه وسلم على أبي عبيدة بن الجراح، ولقبه بأمين الأمة.

ويقتضي أداء الأمانة من الأمة ان لا تسلم المنصب العام الا لمن هو اهل له، ولا تسكت على من يستلمه دون اهلية له.

ويترتب على كون المنصب العام امانة، ان متولي المنصب العام أجير لدى رعيته، فهو مستأمن مقابل اجر. فالعلاقة بين الأمة وحكامها علاقة أجير برب العمل.

7 – القوة أو الكفاءة العملية:

ورد مصطلح القوة في النصوص الشرعية مرادفا لمصطلحي الكفاءة والخبرة في لغتنا المعاصرة. وكثيرا ما اقترنت القوة بالأمانة في النصوص الإسلامية، على نحو ما ورد في القران الكريم من قول ابنة الرجل الصالح من مدين لأبيها: “ان خير من استأجرت القوي الأمين”. وقول النبي صلى الله عليه وسلم عندما سألوه عمن يؤمروا بعده:” ان تؤمروا عمر تجدوه قويا أمينا لا يخاف في الله لومة لائم.” فالقوة تشمل كل الصفات الفطرية والمكتسبة التي تمكن متقلد المنصب العام من الاضطلاع بمهمته على الوجه الأكمل والأصلح للامة بما في ذلك الخبرة السياسية والعسكرية والدبلوماسية. وتشمل هذه الصفات العلم والأهلية الجسدية، وقد وردت إشارة إلى هاتين الصفتين في قول يوسف عليه السلام: “آني حفيظ عليم “، وفي وصف ملك بني إسرائيل من بعد موسى:” ان الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم.”

وعد الماوردي من شروط الإمام” العدالة على شروطها الجامعة” و”العلم المؤدي إلى الاجتهاد “و” سلامة الحواس من السمع والبصر واللسان ليصح معها مباشرة ما يدرك بها” و “سلامة الأعضاء من نقص يمنع عن استيفاء الحركة وسرعة النهوض” و” الراي المفضي إلى سياسة الرعية وتدبير المصالح” و”الشجاعة والنجدة المؤدية إلى حماية البيضة وجهاد العدو.”

على ان العلم النظري لا يعني بالضرورة الجدارة السياسية، وربما كان ذلك ما قصده هارون الرشيد اذ قال للأصمعي:”يا عبد الملك، انت اعلم منا ونحن اعقل منك.”

اما عن الأهلية الجسدية، فلا بد من التنبيه هنا إلى ان الحديث النبوي لا يمنع من لديهم علة جسدية ان يتولوا المناصب العامة، سواء كانت تلك العلة خلقية او طارئة، ما لم تتعارض علتهم مع طبيعة ذلك المنصب بخصوصه. ففي الحديث “عن أبي ذر قال: ان خليلي أوصاني ان اسمع وأطيع وان كان عبدا مجدع الأطراف”. ومعنى” مجدع الأطراف” مبتور اليدين والرجلين.

ويختلف مفهوم القوة(بمعنى الكفاءة العملية) بحسب طبيعة المنصب، فهي في المناصب العسكرية الشجاعة والخبرة والتجربة العسكرية، وفي المناصب العلمية سعة الباع العلمي، وفي السفارات تكون الكفاءة في الخبرة بالبلاد وأهلها، وحسن المظهر ولطف الحديث…الخ. فالقوة مفهوم سياقي نسبي.

وقد ادرك ابن تيمية نسبية القوة وتناسب نوعها مع نوع المنصب السياسي، فكتب:” القوة في كل ولاية بحسبها، فالقوة في إمارة الحرب ترجع إلى شجاعة القلب، والى الخبرة بالحروب والخديعة فيها ، فان الحرب خدعة ،والى القدرة على أنواع القتال…..والقوة في الحكم بين الناس ترجع إلى العلم بالعدل الذي دل عليه الكتاب والسنة، والى القدرة على تنفيذ الأحكام “.

ويقول في موقع آخر “الواجب في كل ولاية الأصلح بحسبها. فاذا تعين رجلان، احدهما اعظم أمانة، والآخر أعظم قوة، قدم انفعهما لتلك الولاية، واقلهما ضررا فيها”. وعندما سئل الإمام احمد:عن الرجلين يكونان أميرين في الغزو، واحدهما قوي فاجر، والآخر صالح ضعيف، مع أيهما يغزى؟ فقال: أما الفاجر القوي فقوته للمسلمين وفجوره على نفسه، وأما الصالح الضعيف فصلاحه لنفسه وضعفه على المسلمين، فيغزى مع القوي الفاجر.

وان الأمانة والقوة صفتان هما حاصل شروط الكفاءة القيادية في الإسلام ،كما لاحظ ابن تيمية بحق فقال: “الولاية لها ركنان: القوة والأمانة”.

(البوصلة)

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

Related Posts