كأس العرب فكرة لبنانية.. قصة البطولة “الحائرة” تاريخياً

كأس العرب فكرة لبنانية.. قصة البطولة “الحائرة” تاريخياً

البوصلة – بطولة كأس العرب لكرة القدم عمرها 58 عاماً، وصاحب فكرتها صحفي لبناني، لكنها بطولة تشبه كثيراً الواقع العربي في شتى مجالاته. ويقدم هذا التقرير القصة الكاملة لكأس العرب وصولاً إلى نسختها “الاستثنائية” في قطر.

وتنطلق النسخة الحالية من كأس العرب في العاصمة القطرية الدوحة الثلاثاء 30 نوفمبر/تشرين الثاني بمشاركة 16 منتخباً عربياً، وهي المرة الأولى التي يشارك فيها هذا العدد الكبير من الدول العربية في البطولة التي تستمر حتى 18 ديسمبر/كانون الأول المقبل.

النسخة الحالية من كأس العرب تحمل الرقم “10”، وهو أمر يثير التساؤلات بشأن دورية البطولة، بمعنى هل تقام كل 4 أعوام على غرار كأس العالم أو كأس آسيا أو كأس الأمم الأوروبية؟ أم كل عامين على غرار كأس أمم أفريقيا أو كوبا أمريكا؟ إذ إن عمر كأس العرب لكرة القدم كبطولة يمتد على مدى نحو ستة عقود منذ أقيمت لأول مرة.

فكرة كأس العرب ومتى أقيمت أول مرة؟

الصحفي اللبناني الراحل ناصيف مجدلاني كان صاحب فكرة إقامة بطولة للمنتخبات العربية لكرة القدم “كأس العرب” بهدف التقريب بين الشعوب العربية، بحسب كتاب “المجتمع العربي والرياضة التنافسية“، وتحمس للفكرة عزت الترك الأمين العام للاتحاد اللبناني لكرة القدم، وكان ذلك عام 1957.

وبعد ست سنوات خرجت الفكرة إلى النور وأقيمت أول بطولة لكأس العرب في لبنان عام 1963، بمشاركة 5 منتخبات عربية هي لبنان وسوريا وتونس والكويت والأردن، كنتيجة لاجتماع دعا إليه الاتحاد اللبناني لكرة القدم وحضرته الاتحادات العربية لكرة القدم عام 1962.

فريق كرة القدم اللبناني
فريق كرة القدم اللبناني / رويترز

وحتى ذلك الوقت لم يكن الاتحاد العربي لكرة القدم قد تأسس بعد، ولعبت مباريات النسخة الأولى من بطولة كأس العرب بنظام الدوري من دور واحد، فتواجهت المنتخبات الخمسة المشاركة معاً وفازت تونس باللقب بعد الفوز في 3 مباريات والتعادل في مباراة واحدة، بينما حل المنتخب السوري ثانياً واللبناني ثالثاً.

كأس العرب.. بطولة غير منتظمة

أقيمت كأس العرب للمرة الثانية في العام التالي مباشرة (1964) وأيضاً بمشاركة 5 منتخبات هي لبنان وسوريا والأردن والكويت والعراق بينما لم تشارك تونس. أقيمت البطولة على الأراضي الكويتية بنفس نظام البطولة الأولى أي دوري من دور واحد، وفاز العراق باللقب.

أما البطولة الثالثة من كأس العرب فأقيمت عام 1966 واستضافها العراق وشارك فيها 10 منتخبات عربية قسمت على مجموعتين كل مجموعة 5 فرق، وصعد أول وثاني كل مجموعة إلى الدور نصف النهائي. العراق ولبنان عن المجموعة الأولى، وليبيا وسوريا عن المجموعة الثاني، وفاز العراق على ليبيا، بينما فازت سوريا على لبنان، وفي النهائي فاز العراق واحتفظ باللقب.

وعلى مدى 16 عاماً توقفت كأس العرب، لتعود في نسختها الرابعة عام 1982 لكن هذه المرة برعاية الاتحاد العربي لكرة القدم، بعد تأسيسه رسمياً عام 1974. وكان من المفترض أن تقام البطولة الرابعة في لبنان، لكن الحرب الإسرائيلية على البلاد أوقفت البطولة. ثم استكملت لاحقاً في الطائف بالسعودية وشارك فيها 6 منتخبات قسمت على مجموعتين ليفوز العراق بلقبه الثالث بعد هزيمته للمنتخب السعودي صاحب الأرض في نصف النهائي ثم فوزه على البحرين في النهائي.

أما البطولة الخامسة لكأس العرب فقد أقيمت عام 1988 في الأردن بمشاركة 10 منتخبات. وشهدت تلك النسخة الظهور الأول للمنتخب المصري، وفاز العراق باللقب الرابع على التوالي بعد فوزه في المباراة النهائية على المنتخب السوري.

وانتظر الجمهور العربي العاشق لكرة القدم 10 سنوات أخرى حتى أقيمت النسخة السادسة من كأس العرب، واستضافتها سوريا عام 1992 بمشاركة 6 منتخبات قسمت على مجموعتين، صعد المنتخبان المصري والكويتي إلى نصف النهائي عن المجموعة الأولى وتأهلت السعودية وسوريا عن المجموعة الثانية. وفاز المنتخب المصري بلقبه الأول في كأس العرب بعد فوزه على السعودية في النهائي.

العلم العراقي، صورة تعبيرية- الأناضول
المنتخب العراقي فاز بكأس العرب 4 مرات، صورة تعبيرية- الأناضول

وبعد ست سنوات، أي عام 1998، أقيمت النسخة السابعة من كأس العرب واستضافتها العاصمة القطرية الدوحة، ومن المفارقات أن تلك النسخة شهدت مشاركة العدد الأكبر من المنتخبات العربية في البطولة منذ انطلاقها، حيث شارك 12 منتخباً عربياً قسمت على 4 مجموعات. وحقق المنتخب السعودي لقبه الأول في كأس العرب بعد فوزه على قطر في المباراة النهائية.

وبعد أربع سنوات، أي عام 2002، استضافت الكويت كأس العرب مرة أخرى وشارك في تلك النسخة الثامنة من البطولة 10 منتخبات قسمت على مجموعتين، وفاز المنتخب السعودي بلقبه الثاني في كأس العرب بعد فوزه على البحرين في النهائي.

ثم توقفت البطولة مرة أخرى لمدة عقد كامل، وعادت في نسختها التاسعة عام 2012 واستضافتها السعودية. شارك 11 منتخباً في تلك النسخة من كأس العرب وفاز بها المنتخب المغربي بعد تغلبه على نظيره الليبي في المباراة النهائية.

لماذا هذا التذبذب في كأس العرب؟

إجابة هذا السؤال ترتبط بشقين أساسيين: الأول طبيعة البطولات الرياضية الدولية بشكل عام، وفي القلب منها بالطبع كرة القدم ذات الشعبية الطاغية حول العالم. فحتى تنتظم تلك البطولات لابد من توفر جهة مسؤولة عن التنظيم تتمتع باستقلالية تامة من جهة والرعاة المهتمين بالبطولة من جهة أخرى.

وفي هذا السياق يشرف الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) على البطولات الدولية والقارية والإقليمية ويضع لها أجندة دولية محددة تلزم أندية كرة القدم بتسريح لاعبيها للمشاركة مع منتخباتهم الوطنية في تلك المواعيد. وحتى الآن لا يعترف الاتحاد الدولي لكرة القدم بكأس العرب كبطولة دولية، وبالتالي لا تحتسب نتائجها عند تصنيف المنتخبات الوطنية من جانب الفيفا.

نهائي كأس العالم 1990 بين ألمانيا والأرجنتين (fifa.com)
نهائي كأس العالم 1990 بين ألمانيا والأرجنتين (fifa.com)

أما لماذا عدم الاعتراف بالبطولة فيرجع بالأساس إلى عدم اتفاق الاتحادات العربية نفسها على مواعيد محددة ونظام ثابت لإقامة كأس العرب، ومن ثم ممارسة الضغوط على الفيفا لإدراج البطولة ضمن الأجندة الدولية. فالدول العربية مقسمة بين آسيا وأفريقيا من جهة، كما أن الخلافات السياسية التي لا تنتهي بين الدول العربية تلقي بظلالها دائماً على البطولات الرياضية.

وينعكس هذا الوضع المرتبك وغير المستقر بشكل مباشر على الشق الثاني من المعادلة وهم الرعاة. فهؤلاء يدفعون مبالغ طائلة لرعاية البطولات الرياضية، وخصوصاً في مجال كرة القدم، بشرط الاستمرارية والاستقرار، وهو ما لا يتوفر لبطولة كأس العرب كما يقول تاريخها حتى الآن.

لماذا هذه النسخة من كأس العرب تحديداً “استثنائية”؟

“النسخة المقبلة من كأس العرب ستكون مميزة واستثنائية”، بهذه الكلمات وصف حياني إنفانتينو رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم النسخة العاشرة من كأس العرب التي تستضيفها قطر.

وهي بالفعل نسخة استثنائية من البطولة لسببين، الأول أنها وللمرة الأولى تقام تحت رعاية الاتحاد الدولي وليست تحت رعاية الاتحاد العربي لكرة القدم، والاسم الرسمي للبطولة هو FIFA ARAB CUP أو كأس العرب برعاية الفيفا.

أما السبب الثاني لكونها استثنائية فيرجع إلى مشاركة جميع الدول العربية في البطولة، التي تم الإعلان عنها رسمياً من جانب الفيفا في مارس/آذار الماضي، وبدأت مبارياتها رسمياً في شهر يونيو/حزيران الماضي من خلال مرحلة التصفيات.

جياني إنفانتينو رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) – رويترز

وشارك في تلك المرحلة منتخبات ليبيا والسودان وجنوب السودان والصومال ولبنان والكويت وعمان والأردن وموريتانيا وفلسطين وجيبوتي وجزر القمر والبحرين واليمن. بينما تأهلت منتخبات السعودية والعراق وقطر والإمارات وسوريا ومصر وتونس والجزائر والمغرب مباشرة إلى النهائيات. وبذلك تكون المرة الأولى التي تشارك جميع الدول العربية في كأس العرب منذ انطلاقها قبل 58 عاماً.

والمفارقة هنا هي أن ثاني أعلى عدد من المنتخبات العربية المشاركة في كأس العرب كان أيضاً في النسخة التي أقيمت على الأراضي القطرية، والمقصود هنا النسخة السابعة التي شارك فيها 12 منتخباً وأقيمت عام 1998.

وتأتي هذه النسخة من كأس العرب بمثابة البروفة النهائية لنهائيات كأس العالم التي تستضيفها قطر العام المقبل، وهي البطولة الأكبر والأهم والأكثر متابعة في كرة القدم على مستوى العالم. وجرت العادة أن تقام بطولة كأس القارات قبل عام من كأس العالم وتستضيفها الدولة التي تستضيف نهائيات كأس العالم، كبروفة نهائية للوقوف على آخر الاستعدادات للمونديال، لكن نظراً لتوقف بطولة كأس القارات (بسبب عدم وجود رعاة)، جاء التفكير في إقامة كأس العرب كبديل.

هل يعني هذا أن كأس العرب ستصبح بطولة دولية أخيراً؟

بمعنى هل ستنتظم كأس العرب أخيراً وتصبح بطولة دولية معترفاً بها بعد هذه النسخة؟ لا أحد يمكنه الجزم حتى الآن بإجابة هذا السؤال، وإن كانت المؤشرات تصب أكثر في خانة النفي.

فمن جهة لم تكن إقامة كأس العرب “الاستثنائية” هذه ممكنة من الأساس لولا تمت المصالحة الخليجية مطلع العام الجاري، من خلال قمة العلا في السعودية، والتي كان الاتحاد الدولي لكرة القدم سعيداً بها للغاية، وانعكس ذلك في تصريحات إنفانتينو وقتها. ومن جهة أخرى، هناك توجه داخل الفيفا لإقامة كأس العالم كل عامين، بدلاً من كل أربع سنوات كما هو الحال الآن، وإذا ما تم ذلك ستصبح الأجندة الدولية مزدحمة بصورة تجعل إدراج كأس العرب ضمن الأجندة، ولو حتى كل أربع سنوات، أكثر صعوبة.

هذا بالطبع بخلاف أن الأسباب الأصلية التي حالت دون تحول كأس العرب إلى بطولة دولية معترف بها لا تزال -في معظمها- قائمة دون تغيير، وهذا هو السبب في وصف النسخة الحالية في قطر “بالاستثنائية”، كناية عن كونها الاستثناء وليس القاعدة لتلك البطولة العربية في كرة القدم.

أقل من عام على مونديال قطر / الأناضول

على أية حال، ستصبح العاصمة القطرية الدوحة محط أنظار عشاق كرة القدم العربية على مدى أيام البطولة، التي تنطلق الثلاثاء 30 نوفمبر/تشرين الثاني بمواجهة خليجية تجمع قطر والبحرين، وتستمر حتى النهائي المقرر له 18 ديسمبر/كانون الأول المقبل.

وسيكون الجمهور العربي على موعد مع عدد من اللقاءات الكروية الكلاسيكية كمواجهة مصر والجزائر، التي أوقعتهما القرعة معاً في المجموعة الرابعة رفقة السودان ولبنان. وسيقام لقاء مصر والجزائر في ختام مباريات مرحلة المجموعات الثلاثاء 7 ديسمبر/كانون الأول المقبل.

وفي المجموعة تأتي منتخبات قطر والبحرين والعراق وعمان، بينما تضم المجموعة الثانية تونس والإمارات وسوريا وموريتانيا، والثالثة تضم منتخبات المغرب والسعودية والأردن وفلسطين.

ويتأهل المتصدر ووصيفه عن كل مجموعة إلى الدور ربع النهائي، الذي تقام منافساته يومي 10 و11 من ديسمبر/كانون الأول، وتتأهل المنتخبات الفائزة إلى دور نصف النهائي المقرر يوم 15 ديسمبر/كانون الأول، بينما تقام المباراة النهائية يوم 18 ديسمبر/كانون الأول.

عربي بوست

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: