كورونا في غزة.. عادات رمضانية في مهب التغيير

كورونا في غزة.. عادات رمضانية في مهب التغيير

البوصلة – يمرّ شهر رمضان هذا العام على قطاع غزة، غريبا، وسط تغييرات اجتماعية فرضتها أزمة جائحة كورونا العالمية، أفضت إلى التخلي عن عادات أصيلة.

إجراءات التباعد الاجتماعي المتبّعة عالميا، لمنع تفشّي الفيروس المستجد، والتي فرضتها أيضا جهات حكومية مختصّة بغزة، غيّرت بعض الطقوس الرمضانية لدى الفلسطينيين.

وفي هذا المنحى انقسم الفلسطينيون في الالتزام بإجراءات التباعد الاجتماعي مع حلول شهر رمضان إلى فئتين، الأولى تفضّل التمسّك بإجراءات الحفاظ على الصحة العامة للفرد والمجتمع، في حين أن الفئة الثانية تتهاون في التعامل معها.

** سلبيات وإيجابيات

درداح الشاعر، رئيس مجلس إدارة مركز التدريب المجتمعي وإدارة الأزمات (مركز محلي) بغزة، يقول للأناضول، إن أزمة كورونا غيّرت عادات اجتماعية، مع حلول رمضان، لمعظم سكان غزة.

ويتابع: “في الوقت الذي تعتبر فكرة التباعد الاجتماعي، أصعب ما قدمته أزمة كورونا، كونها تنافي الطبيعة البشرية التي تبحث دوما عن التفاعل والتواصل الاجتماعي، إلا أنها ضرورة لا يمكن مخالفتها للحفاظ على الصحة العامة”.

ويبيّن أن التقارب الاجتماعي دائما يقلل من المساحة النفسية بين الناس ويستحضر عادات إيجابية، مثلا يساهم في تبدّل الكره إلى محبة، لذا التباعد مفعوله الاجتماعي قد يكون عكسيا.

ويوضح أن العبادات قائمة على فكرة “الجمع والجماعة”، مضيفا:” الصلاة محبب فيها الجماعة، والحج محبب فيه الجماعة، دائما روح الجماعة تسري في الفرد”، لكن كورونا جاء ليغيّر تلك العادات، خاصة تلك التي كان الفرد يلتزم بها في شهر رمضان مثل “صلاة التراويح”.

كما تحد أزمة كورونا، وفق الشاعر، من الزيارات الاجتماعية وحالات الاختلاط التي كانت تنتج عن التجمعات الرمضانية في فترات الإفطار مثلا.

ويعتقد الشاعر أن فكرة التباعد الاجتماعي قد تؤثر سلبا على طبيعة العلاقات الاجتماعية في المجتمع خارج علاقات العائلة الواحدة.

ويضيف: “هذا السلوك يعزز من شعور الإنسان بالخوف والعزلة والقلق، خاصة وأنه دائما ما يستمد طاقته من التفاعل الاجتماعي”.

ويرجع الشاعر حالة التراخي عند البعض في الالتزام بالإجراءات إلى “شعورهم بعدم وجود خطر، خاصة وأن الشارع الغزي لم يشهد إصابات بالفيروس، والإصابات الموجودة معزولة في مراكز الحجر ولم تخالط السكان”.

إلى جانب ذلك، يضيف أن البعض الآخر “لا يعي ضرورة الأخذ بالإجراءات الوقائية لمنع تفشي الفيروس”، وهنا تظهر دور الحملات التوعوية لتبصير الناس بخطورة هذا السلوك، على حدّ قوله.

بدوره، يقول سلامة معروف، رئيس المكتب الإعلامي بالحكومة، إن السُلطات تسير في مساريْن لمنع انتشار الفيروس، الأول يعتمد على الإجراءات الرسمية المتبّعة، والثاني قائم على حالة “وعي المواطن والتزامه بتلك الإجراءات”.

ويعبّر “سلامة” عن أسفه جرّاء “تراخي وتراجع المواطنين عن الالتزام بإجراءات الوقاية الشخصية، لمنع تفشي الفيروس”.

ويطالب السكان بضرورة “التزام المنازل وعدم الخروج منها، وارتداء الكمامات الطبية الواقية حال الخروج للضرورة”.

وشهدت بعض الأسواق والمحال التجارية، مؤخرا، حالة من الاكتظاظ والتجمّعات من قبل الزبائن، دون مراعاة لمخاطر انتشار الفيروس القاتل.

** الأسواق الرمضانية

مصعب أبو موسى، بائع خضار في سوق مخيم جباليا للاجئين، شمالي القطاع، يرى أن حركة السوق هذا العام، في ظل حالة القلق من تفشي كورونا، لم تختلف كثيرا عن حركته خلال الأعوام السابقة.

ويقول في حديثه للأناضول، إن الناس لم تلتزم كثيرا بالإجراءات الوقائية، مشيرًا أن حركة الزبائن، والتجمعات داخل السوق”كما هي تقريبا”.

لكن بعض الزبائن تلتزم بالإجراءات الوقائية التي أقرّتها المنظمات الصحية؛ للوقاية من كورونا كارتداء الكمامات والقفازات الواقية.

إلى جانب ذلك، يطلب بعض الزبائن من “أبو موسى” غسل بعض أنواع الخضار والتأكد من نظافتها قبل نقلها إلى البيوت.

ويوضح الرجل أن مصطلح “كورونا” دخل في نداءات الباعة داخل السوق، محتلا بذلك مكانة المصطلحات الرمضانية.

ويستكمل: “مثلا كان الباعة ينادون على البضائع بمصطلحات رمضانية مثل هلّ الشهر الكريم، أو هلّ رمضان، لكن اليوم يدخلون مصطلح كورونا في نداءاتهم، مثلا ليمون ضد الكورونا (كونها تقوّي مناعة الجسم)”.

ولا تخلو أحاديث الزبائن مع الباعة عن خشيتهم من الفيروس وضرورة تعقيم الأدوات المستخدمة، على حدّ قول أبو موسى.

** مواقف متباينة

الشابة الفلسطينية نيفين أبو سليم، ترفض التوجّه إلى الأسواق الشعبية، التي تشهد حركة نشطة، لشراء الاحتياجات الرمضانية.

وتقول للأناضول إنها تخشى من العدوى بالفيروس؛ رغم عدم حدوث إصابات في الشارع الغزّي، إلا أن المخاوف موجودة.

وتوضح أنها تفضّل شراء الاحتياجات أولا بأول من محال تجارية في أوقات لا تشهد اكتظاظا بالزبائن، مشددةً على ضرورة الالتزام بالإجراءات الوقاية للحفاظ على الصحة العامة للفرد والمجتمع.

في ذات السياق، تمتنع “أبو سليم” عن تلبية دعوات الإفطار، خشية انتقال الفيروس، مبينةً أن رمضان هذا العام يشهد تغيرا في العادات، بشكل نسبي، خاصة العادات القائمة على التقارب الاجتماعي.

من جانب آخر، لا تجد سمر أحمد، خطرا في التوجّه للأسواق، بغرض توفير الاحتياجات الرمضانية.

وبينما تتجول في سوق “الزاوية”، شرقي مدينة غزة، تقول للأناضول: “الوضع في غزة لا يشكّل خطورة، خاصة في ظل عدم وجود إصابات، لكن علينا أن لا نهمل الإجراءات الوقائية”.

** عادات رمضانية

وعادة ما يتمسّك الفلسطينيون، خلال الأعوام السابقة، بصلة الأرحام قبل بدء رمضان أو في أيامه الأولى، في إطار طيّ الخلافات وتجديد العلاقات الوديّة وتفقّد أحوالهم.

لكن هذا العام، غيّرت أزمة كورونا هذه العادة بشكل نسبي، حيث امتنعت العائلات الكبيرة عن أدائها.

فالبعض فضّل أن يلتزم بها بشكل فردي، كأن يزور ربّ الأسرة أرحامه دون اصطحاب أطفاله، والبعض اقتصر في ذلك على أرحامه من الدرجة الأولى فقط.

الفلسطينية ريم عفانة، تقول إنها كان تلتزم بصلة أرحامها سنويا، قبل بدء شهر رمضان، كزيارة أشقائها وأعمامها وأرحام زوجها.

وتكمل قائلة: “سنكتفي هذا العام بزيارة الرحم من الدرجة الأولى فقط دون اصطحاب الأطفال، للتقليل من الاختلاط وللحفاظ على سلامة الجميع”.

في ذات السياق، يعتبر بعض الفلسطينيين الولائم الرمضانية، من أهم العادات التي كانوا يلتزمون بها، حتّى وإن كانت تكبّدهم أعباء مالية.

نور عبدالله، ترى أن تلك العادة لها إيجابيات كثيرة منها “كسب ثواب إطعام الآخرين في شهر مبارك، إلى جانب توثيق العلاقات الاجتماعية مع الآخرين”.

وتقول، إنها كانت في الأعوام السابقة، “تجهز قبل أشهر من رمضان، لتوفير الميزانية اللازمة، من أجل العمل على تجميع معظم أقربائها على مائدة واحدة”.

“لكن اليوم كورونا تحرمها من هذه العادة، وتقتصر الدعوة لتلك الولائم على أفراد عائلتي وعائلة زوجي فقط”، وفق “عبدالله”..

كما تمتنع عن الخروج برفقة صديقاتها لتناول طعام الإفطار على شاطئ البحر هذا العام، بسبب خشيتها من المناطق التي فيها تجمّعات.

بدوره، يقول أحمد فايز، بحزن شديد، إنه “افتقد هذا العام صلاة التراويح في المسجد المجاور لمنزله”.

ويضيف، أن رمضان يمرّ هذا العام حزينا، بسبب تغييبه لأهم شعائر رمضان الدينية، وهي صلاة التراويح في الجامع.

ويوضح أنه يلتزم بصلاة الجماعة في منزله مع أفراد أسرته، لكنّه لا يشعر أن وقعها على النفس مشابه للصلاة في المسجد.

ومنذ بداية مارس/ آذار الماضي، اتخذت الجهات الحكومية المختصة عددا من الإجراءات الوقائية في غزة، لمنع تفشي الفيروس، لكنها لم تصل إلى إعلان حالة الطوارئ أو فرض حظر التجول.

فيما تم إغلاق المؤسسات التعليمية، وووقف الصلاة في المساجد، وإغلاق المرافق الاقتصادية ذات العلاقة بالسياحة والفنادق والمطاعم؛ فيما تم إعادة فتح الأخيرة وفق شروط وضوابط وصفتها الجهات الحكومية بالمشددة.

وبلغ إجمالي الإصابات في فلسطين 548، بينها 375 في الضفة الغربية وضواحي القدس وقطاع غزة، و173 إصابة غير مؤكدة في مدينة القدس المحتلة.

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: