كيف تأثر دور الأردن في القضية الفلسطينة بالعلاقة مع حماس؟

كيف تأثر دور الأردن في القضية الفلسطينة بالعلاقة مع حماس؟

البوصلة – عمان

كشفت معركة “سيف القدس” واعتداءات الاحتلال الصهيوني الأخيرة على القدس وغزة فشل اي علاقة سياسية لدولة مثل الأردن تتعامل مع القضية الفلسطينية، برهانها على السلطة الفلسطينية وتجاهلها لحركة المقاومة (حماس).

المشكلة لا تقتصر على فتور العلاقة بين حماس والأردن فقط، ولكن علاقات الأردن السياسية ساءت في السنوات الأخيرة مع الكيان الإسرائيلي؛ مما جعله فعلياً خلال حرب غزة، بعيداً عن الطرفين الرئيسيين فيها، وقلل من دوره الدبلوماسي في هذه الأزمة، حسبما ورد في تقرير لموقع “المنتور” الأمريكي.

ومع تدهور العلاقات بين الملك عبدالله ونتنياهو إلى أدنى مستوياتها، لم يكن للأردن أي تأثير على الحكومة الإسرائيلية. وفضلاً عن ذلك، يراهن الأردن منذ سنوات على السلطة الفلسطينية “الفاسدة” التي لا تحظى بشعبية وعلى زعيمها الثمانيني محمود عباس، الذي لا يتمتع بنفوذ على غزة وفصائل مقاومتها.

كان السبب الأبرز لاحتضان الأردن حركة “حماس” في عهد الملك الراحل الحسين بن طلال، الرد على قرار ياسر عرفات الذي حاول التفاوض مع الجانب الإسرائيلي بشكل منفرد، بعيداً عن عمَّان، إلى جانب الرغبة الأردنية بإبعاد الحركة عن إيران والمحور السوري، وإدماجها في العملية السياسية والتفاوضية مع “إسرائيل” لقبولها دولياً كطرف فلسطيني معتدل، حسبما ورد في تقرير لموقع “إندبندنت عربية“.

وفي عام 1999 اتخذت عمَّان قراراً مفاجئاً بإنهاء وجود الحركة في الأردن وإبعاد خمسة من قادتها إلى قطر لتبدأ بعدها قطيعة طويلة بين حماس والأردن.

لكن في عام 2012، ومع صعود الإسلام السياسي على وقع الربيع العربي، جرى لقاء يتيم جمع الملك عبدالله الثاني برئيس المكتب السياسي للحركة أنذاك خالد مشعل في عمان.

ومؤخرا أكد وزير الخارجية أيمن الصفدي خلال مؤتمر صحفي مع نظيره المصري سامح شكري بالعاصمة عمان، أواخر أيار الماضي، تواصل المملكة مع “حماس”، مشددا على أن هدف عمان هو “حماية الفلسطينيين”.

لكن حديث الملك، عن “مؤامرة” كانت تُحاك ضد الأردن والقضية الفلسطينية يؤكد أن ثمة محاولات من أطراف خارجية لتحييد دور المملكة إزاء قضية تعتبرها جزءا منها.

ويعني هذا الوضع أن الأردن سيستخدم كل الأوراق لحماية دورها التاريخي، وتعد “حماس” إحدى أبرز هذه الأوراق، باعتبارها أصبحت لاعبا رئيسيا.

الدور الأردني أقل مما يجب أن يكون

يرى بعض المحللين إنهم يرون أن ردة فعل المملكة على الحرب التي استمرت 11 يوماً بين الاحتلال والفصائل الفلسطينية المسلحة كان يفترض أن تكون أقوى من ذلك، وهو موقف بدا بالأساس في التحركات الجماهيرية مثل الاحتجاجات والمسيرات الشعبية اليومية أمام السفارة الإسرائيلية في المحافظات وتدفق المئات على الحدود مع الضفة الغربية؛ تضامناً مع الفلسطينيين.

قال محمد أبورمان، في مقاله على موقع New Arab الإخباري القطري، في 23 أيار إلى أن الأردن يواجه واقعاً جيوسياسياً جديداً. وكتب: “ليس ثمة شك في أن الحرب الأخيرة قلبت الوضع الراهن على جميع المستويات وأن القضية الفلسطينية عادت إلى الظهور لتصبح قضية مركزية على الصعيدين الإقليمي والدولي وأن مصير القدس يمكن أن يؤدي إلى انفجار إقليمي إذا استمرت السياسات الإسرائيلية”.

وأشار أبورمان إلى ورشة عمل مغلقة عقدها معهد السياسة والمجتمع في عمان مع مجموعة من الساسة والخبراء الأردنيين لتقييم الموقف الأردني خلال الحرب. وقال إن المشاركين اتفقوا على ظهور واقع جيوسياسي إقليمي جديد يقتضي أن يراجع الأردن علاقاته مع تركيا وإيران وسوريا والعراق، حفاظاً على المصالح الوطنية الأردنية. 

وأضاف أبورمان أنه إذا كانت مصر تعتبر غزة امتداداً لأمنها القومي، فعلى الأردن أن ينظر إلى الضفة الغربية من المنظور نفسه، خاصة فيما يتعلق بالقدس. وقال إن “مصير كليهما ليس امتداداً للأمن القومي الأردني بل جزء أساسي منه”.

الحرب الأخيرة فرضت واقعا جديدا

واعرب الباحث حسن أبو هنية خلال مقابلة مع وكالة “الأناضول” التركية، عن اعتقاده بأن “الحرب الأخيرة فرضت واقعا جديدا، سواء في فلسطين أو المنطقة، وبالتالي لم يعد ممكنا تجاوز حركة حماس في أي معالجة للقضية الفلسطينية”.

وتابع: “رأينا أن دولا، كالأردن ومصر، لم تصنف حماس كحركة إرهابية، لكنها تعاملت معها عمليا كذلك، وأصبحت اتصالاتنا مع حماس شبه مقطوعة”.

واستدرك: “لكن على النقيض من العلاقة الممتازة تاريخيا بين الأردن وحماس حتى 1999، كان هذا (تدهور الاتصالات مع الحركة) خطأ استراتيجيا، فالأردن لا يتعامل إلا مع السلطة الفلسطينية، وهذا أفقد الدور الأردني كثيرا مما كان يتميز به على صعيد القضية الفلسطينية عبر تواصله مع جميع الأطراف”.

وأضاف: “الواضح أن هناك على المستوى الدولي إعادة نظر في التعامل مع حماس، حتى من الولايات المتحدة،، وهذا يعني أن هناك تغيرا في الموقف”.

وزاد بقوله: “كان يفترض أن يكون هناك دور أردني في الوساطة، لكن الأردن أفقد نفسه هذا الدور، وأصبح لمصر ودول أخرى”.

وشدد على أن “الأردن يحتاج الآن إلى أن يغير مرة أخرى العلاقة مع القضية الفلسطينية ومع حماس”.

وأردف: “أنا غير متفائل، وهي أحاديث عامة ومطالب شعبية بدعم المقاومة، لكننا لم نشهد تواصلا رسميا بهذا الخصوص”.

وأعرب أبو هنية عن أمله أن تكون الأحاديث “مقدمة لعودة جزء من العلاقات مع حماس؛ لأنها مصلحة وطنية عليا للأردن”.

إعادة العلاقة مع حماس

المطلب ذاته تردد صداه في التظاهرات الشعبية والعشائرية التي جابت كل المدن الأردنية تقريباً على مدى 10 أيام، للتضامن مع الفلسطينيين، على اعتبار أن التقارب مع “حماس” بات مصلحة أردنية خالصة، في حين أن هناك آراء متوجسة من هذا الطرح، وترى في “حماس” امتداداً لجماعة الإخوان المسلمين العابرة للحدود.

وتبدو “حماس” اليوم أكثر رغبة بعودة العلاقات، بعد ما أرسل قادتها رسائل إيجابية عدة حول الدور الأردني، في حين تبدو عمان أقل حماساً وأكثر رغبة بالتماهي مع السياسة الأمريكية في المنطقة.

خالد مشعل الذي قال خلال كلمة له جرى بثها خلال  المهرجان الذي شهد حضوراً كبيراً ونظمته الحركة الإسلامية، إن الأردن توأم الجغرافيا والديمغرافيا وشقيق الروح، ومعاً سنصنع المستقبل المشرق المنتصر.

وقال مشعل مخاطباً الشعب الأردني: “أعرف أصالتكم وفضلكم وأشكر عشائر الأردن بشكل خاص التي لها سجل مشرف في معارك فلسطين وأسوار القدس والجيش الأردني والجمهور الأردني والأردن الرسمي والشعبي الذي سينتصر معنا وبنا وننتصر به وبأمتنا بعد عون الله تعالى”.

والخبير في الشأنين الفلسطيني والإسرائيلي أحمد سعيد نوفل، قال في مداخلة صحفية، إن “الظروف التي كانت تمنع تواصل الحكومة الأردنية وحماس لم تعد قائمة؛ لأن ظروف العدوان على غزة فرضت معطيات جديدة، ما يفرض فتح صفحة جديدة مع حماس”.

وأرجع نوفل، ذلك إلى أسباب، وهي أن “حماس تمثل الشارع الفلسطيني والعربي، وهي التي فازت بالانتخابات التشريعية في 2006، لذلك فلا مبرر لعدم الحوار معها”.

واعتبر أن “صمود غزة، بقيادة حماس، زاد من الثقة، على أساس أنها تقوم لأول مرة من أجل القدس، والتي تحظى برعاية أردنية هاشمية، وهو ما يعني أنه نصرة لموقف عمان”.

ومضى قائلا إن “الحكومة الأردنية تدرك تماما أن حماس تحظى بشعبية وقبول لدى الشارع، خاصة في مستوى مقاومتها للعدوان الإسرائيلي، لذلك من الطبيعي أن يفتح الأردن علاقات مع حماس”.

وتساءل نوفل: “بعد كل ذلك ماذا ينتظر الأردن من عدم تواصله مع حماس، تمهيدا للنتائج المتوقعة وأيهما أفضل: التواصل مع من يملك زمام الأمور على أرض الواقع أم مع من لا يملك القرار”، في إشارة منه إلى فروقات الأدوار بين “حماس” والسلطة الفلسطينية.

وأردف أن “الدول الكبرى، أوربا وأمريكا، بدأت بالسعي لفتح علاقات مع حماس، وهذا يوجب على الأردن أن يكون سباقا بحكم ارتباطه بالقضية الفلسطينية”.

وتطرق نوفل إلى موقف “حماس” المتطابق مع الأردن تجاه ما تُعرف بـصفقة القرن، ورفضها القاطع لها؛ لما لها من أثر على المملكة.

وختم نوفل بأن “الأردن الرسمي عليه أن يتعاطى مع الموقف الشعبي المؤيد للمقاومة الفلسطينية التي تقودها حماس”، متمنيا بدء حوار يعيد العلاقات في أقرب وقت بين المملكة والحركة الفلسطينية.

الدور الإنساني للأردن مهم ولكن غير كافي

عضو مجلش الإعيان السابق الشيخ طلال صيتان الماضي، أكد أن التقارب الأردني مع حماس ضرورة وطنية.

وقال في مقال نشره الأسبوع الماضي، “الأردن أول الجغرافيا والديمغرافيا المتأثرة بالارتدادات السياسية والاجتماعية والإنسانية لما يحدث في فلسطين تاهت البوصلة السياسية عن التعامل الحازم والسريع مع الحدث الذي فرض نفسه وبما يستحق من اهتمام.”

والماضي اعتبر ان دور الأردن الانساني لا يغني عن السياسي قائلا، “اتصالا من مدير المخابرات مع هنية ولم يتبع ذلك شيئا يذكر في التقدم نحو الاستفادة من الحدث ،ولكن على الجانب الانساني لا أحد ينكر الدور الأردني في إقامة المستشفى الميداني في غزة والذي أصبح عمره أكثر من اثني عشر عاماً، وكذلك الأوامر الملكية المباشرة في رعاية بعض المصابين ،أما الجانب السياسي فما زلنا نراوح مكاننا ننتظر تكليفاً معيناً .

وأضاف “نقولها وبكل أمانه بأنه لا خطر على أي نظام سياسي عربي من المقاومة الفلسطينية ، لأن الشعب الفلسطيني حدد خياراته وطمأن الجميع ،لو هدمت “إسرائيل” وحلفائها كل بيوت الفلسطينيين واستأجرت معتقلات لهم، إذا لم تسع معتقلاتهم، لن يكرر خطأ النزوح والتهجير، فما علينا – وهذه مصلحة لنا- إلا دعم صمود الشعب الفلسطيني بناء على خياره الوطني والذي يصب في مصلحتنا جميعاً.”

وأردف “نحن بحاجه ماسة ولأكثر من أي وقت مضى لرجال دولة يعيدوا أولوياتنا السياسية بشكل أفضل مما هي عليه وإلا فالخسارة كبيرة ،والشعوب لا تنتظر أكثر فإما أن يكون الخيار بناء على نبض الشارع الحي والكريم وإلا سيكون الخيار الأصعب في اختيار الخندق الآخر هو الخيار.”

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: