كيف تقلصت قائمة المطلوبين السودانيين للمحكمة الجنائية من 51 إلى 5؟

كيف تقلصت قائمة المطلوبين السودانيين للمحكمة الجنائية من 51 إلى 5؟

ظلت قائمة الـ51 المطلوبين، لدى المحكمة الجنائية الدولية، من قيادات النظام السابق، والبعض من منتسبي حركات دارفور في السودان، يجري تداولها على نطاق واسع، على الرغم من الغموض الذي كان يحيط بها طوال السنوات الماضية، بينما لم تتفضل أية جهة رسمية كانت، أو غير رسمية، بنفي أو تأكيد حقيقة تلك القائمة وما ضمتها من أسماء وقيادات، حتى أتت زيارة المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، فاتو بنسودة، إلى السودان لتكشف عن حقيقة أن المطلوبين 5 فقط، ما أعاد إلى الأذهان قائمة الـ51 أين هي وما حكايتها؟

أصل قائمة الـ51 مطلوباً

حول أصل قائمة الـ51 مطلوباً، التي تردد أنها تشمل مجموعة من أكبر القيادات السياسية والنظامية والعسكرية، في نظام المخلوع البشير، على رأسهم هو نفسه، مع ثلة من نوابه في المؤتمر الوطني المحلول، أو وزراء، وآخرون من ذوي النفوذ، المرتبط بما كان يجري في دارفور من عنف وقتل، وكيف تقلص عدد المطلوبين؟ ومن هم فعلياً؟ وماذا نعرف عنهم؟ وهل سيتم تسليمهم، بما فيهم المخلوع البشير؟

يقول المحامي كمال الجزولي، المتخصص في القانون الدولي، إن “القائمة أرفقتها لجنة التحقيق الدولية التي كلفها الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة، كوفي عنان، رئاسة القاضي الإيطالي أنطونيو كاسيوس، بتوجيه من مجلس الأمن الدولي لإجراء تحقيق حول دارفور، وذلك ضمن توصياتها لمجلس الأمن، بإحالة الملف إلى المحكمة الجنائية الدولية بموجب قرار المجلس رقم 1593 لعام 2005، بعد زيارة اللجنة إلى السودان وإجراء تحقيقاتها في كل المناطق، بما فيها معسكرات النازحين واللاجئين، حيث حملت في تقريرها الحكومة المعزولة مسؤولية ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، بما في ذلك قتل المدنيين وحرق القرى والسلب والنهب”.

ويوضح الجزولي، “لكن، وبعد تسلم أوكامبو المدعي العام للمحكمة الجنائية لويس مورينو أوكامبو، ملف القضية، وسؤاله عن قائمة الـ51 مطلوباً، ذكر أنه غير معني بها، معتبراً تحقيق لجنة كاسيوس، غير ملزم بالنسبة إليه، لكنه سيبدأ تحقيقاً مستقلاً هو الذي ستكون المحكمة الجنائية معنية به، ومن ثم أعلن مع نتائج تحقيقاته، بعد أشهر عدة، قائمة جديدة، لم يكن البشير ضمنها، بل أضيف اسمه لاحقاً بعد نحو عام من ذلك، ليصبح عدد المطلوبين (5) أشخاص، هم الذين ظلت تطالب بتسليمهم المحكمة الجنائية الدولية”.

التمهيد وجدل تسليم المطلوبين

ويردف المختص في القانون الدولي، “لكن البشير وحكومته دخلا في نزاع مع المحكمة وأظهرا ممانعة واضحة، وأنكرا عضوية السودان المثبتة في المحكمة الجنائية، وسحب توقيعه من ميثاقها، خاصة بعد توجيه الاتهامات وصدور الأمر الدولي بالقبض على الرئيس المخلوع، ومحاصرة الحكومة بالتزامها، بالقاعدة القانونية الدولية، التي تحظر على الموقعين عرقلة سير العدالة الدولية، لكن بعد قيام ثورة ديسمبر (كانون الأول)، اختلف الوضع بدخول البشير إلى السجن”.

وأكد الجزولي، أن مذكرة التفاهم الموقعة حديثاً بين السودان والمحكمة الجنائية، فضلاً عن زيارة فاتو بنسودة، المدعي العام للمحكمة، الأخيرة إلى السودان، واللقاءات الرسمية والشعبية ولقاءات بالضحايا وذويهم، فتحت الطريق، وشكلت ضغطاً على الحكومة الانتقالية لتسليم المطلوبين.

لكن هل لتأخير تسليم الرئيس المخلوع علاقة ببعض الإشارات التي تصدر أحياناً من بعض الجهات العليا بإمكانية محاكمته داخلياً؟ يجيب الجزولي “مهما كانت الإشارات، فمن الممكن محاكمة الداخلية للبشير في أي جريمة ارتكبها بعد عام 2009، لكن الجرائم التي ارتكبها كانت قبل هذا التاريخ في عامي 2003 – 2004، إذ لم تكن عناصر القانون الدولي جزءاً من القانون الجنائي السوداني، لكنها أدخلت لأول مرة في تعديله عام 2009، ولما كانت القوانين لا تسري بأثر رجعي تحقيقاً لمقتضى العدالة، لذلك من وجهة النظر القانونية، لا يمكن أن تتم محاكمة البشير داخلياً، مهما كانت الإشارات، إذ كيف يمكن محاكمة شخص على أفعال لم يكن هناك قانون يعاقب عليها في ذلك الوقت؟”.

في المقابل، يرى المتخصص في القانون الدولي، أنه مهما كانت العواطف المهنية أو أي دواعي تعاطف أخرى لدى البعض تجاه البشير، فإن قوة الإرادة الشعبية لثورة ديسمبر، هي التي “ستنتصر بدفع الأجهزة المسؤولة لتسليمه إلى الجنائية بعد فترة وجيزة من تسليم أحمد هارون”.

محامي البشير يشكك ويستبعد تسليمه

من جانبه، يشكك محامي الرئيس المخلوع محمد الحسن الأمين، في أصل وجود قائمة الـ51 مطلوباً، ووصفها بأنها كانت جزءاً من حملة روجت لها الآلة الدعائية ضد الحكومة السابقة، مستدلاً بعدم ظهور تلك القائمة بشكل رسمي حتى اليوم، ويذهب إلى أنه وحتى قائمة المطلوبين الـ5 نفسها، لا تزال غير واضحة، كون بقية المطلوبين لم يعلنوا رسمياً بواسطة المحكمة، حتى الآن، بخلاف البشير وأحمد هارون، موضحاً أن بنسودة نفسها أشارت بما ينفي إلى وجود قائمة الـ51، لكنها لم تصرح بقائمة المطلوبين الخمسة.

ويضيف الأمين، “لم تطلب مدعية المحكمة الجنائية رسمياً حتى الآن تسليم أحمد هارون، حيث لم تقدم طلباً إجرائياً وموضوعياً مسبقاً بذلك، لكنها أشارت فقط إلى أهمية مثوله مع علي محمد علي عبدالرحمن، المعروف بلقب “كوشيب” (أحد زعماء ميليشيات الجنجويد في السودان المطلوب منذ عام 2007) لارتباط وتشابه الاتهامات”.

وحول حتمية تسليم البشير يقول محاميه، “قناعتي أن هذه الحكومة لن تسلم البشير إلى المحكمة الجنائية الدولية”، لكنه رفض أن يقدم أي تفسير لمبعث تلك القناعة، مضيفاً أن “المواد الأولى و17 مقروءة مع الفقرة 10 من ديباجة ميثاق روما، تجعل منه نظاماً تكميلياً للقضاء الوطني، ما لم يكن منهاراً أو غير موجود، أو أن تكون الحكومة غير راغبة، أما بخلاف ذلك فيعني أنه لم تعد هناك مقبولية للمحكمة الجنائية”.

يستدل الأمين في حديثه عن رغبة الحكومة، بتصريحات رئيس مجلس السيادة الانتقالي، التي أكد فيها مراراً، قدرة القضاء الوطني في محاكمة داخلية، فضلاً عن البعد الآخر المرتبط بوضعية البشير بالنسبة للقوات المسلحة السودانية، مستبعداً في الوقت ذاته، الحديث عن اللجوء إلى محكمة مختلطة أو هجين بين القضاء الوطني وقضاة من المحكمة الجنائية.

قائمة اشتباه لا مطلوبين

في السياق ذاته، يتفق محمدين إسحاق، عضو أمانة الإعلام بالجبهة الثورية والمتحدث باسم حركة تحرير السودان، (المجلس الانتقالي)، مع الجزولي في أن أصل قائمة المطلوبين الـ51 في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في دارفور، أعدتها لجنة التحقيق الدولية المستقلة الخاصة بجرائم دارفور، برئاسة القاضي كاسيوس، بعد أن خلصت إلى وجود بيانات وشهادات بحدوث جرائم حرب ضد الإنسانية في دارفور، مستندة إلى مقابلات مع الضحايا ومسؤولين وتقرير لجنة التحقيق الوطنية برئاسة القاضي دفع الله الحاج يوسف.

ويضيف إسحاق، “بالفعل، أعدت اللجنة الأممية الخاصة قائمة بـ51 مشتبهاً، سلمتها إلى كوفي عنان، وفي أبريل (نيسان) 2005، صوت مجلس الأمن الدولي على إحالة المشتبه فيهم بارتكاب جرائم حرب وضد الإنسانية إلى محكمة الجنايات الدولية، أعقب ذلك صدور مذكرتي توقيف بحق كل من أحمد هارون، وقائد ميليشيات الجنجويد علي كوشيب، في مايو (أيار) 2007”.

ماذا نعرف عن المطلوبين؟

المطلوبون الخمسة للمحكمة الجنائية الدولية، الذين صدرت بحقهم مذكرة توقيف فعلاً هم:

 الرئيس المخلوع: عمر حسن أحمد البشير (75 عاماً)، المولود في يناير (كانون الثاني) 1944، في منطقة حوش بانقا بولاية نهر النيل، تخرج في الكلية الحربية السودانية عام 1967، وكان القائد الثاني للواء المظلات الذي ترقى في فترة السبعينيات لرتبة المشير إبان تقلده رئاسة البلاد. ويواجه تهماً بارتكاب جرائم حرب، وضد الإنسانية، والإبادة الجماعية.

عبدالرحيم محمد حسين، وزير الدفاع الأسبق، المولود بمدينة دنقلا عاصمة الولاية الشمالية، من كوادر الإسلاميين منذ الستينيات، أرسل إلى روسيا لدراسة هندسة الطائرات الميكانيكية، عمل بمعهد القوات الجوية، قبل أن يصبح مهندساً بسلاح الجو السوداني، وأصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحقه، أثناء شغله لمنصب وزير الدفاع، ويواجه تهماً بارتكاب جرائم ضد الإنسانية في إقليم دارفور.

يعتبر أحمد محمد هارون، أحد كوادر الحركة الإسلامية منذ المرحلة الطلابية، درس في كلية الحقوق جامعة القاهرة، وعمل قاضياً لفترة، ومن ثم عين وزيراً ولائياً للشؤون الاجتماعية بجنوب كردفان، كما عمل منسقاً عاماً للشرطة الشعبية، ثم وزيراً للدولة بوزارة الداخلية ومكلفاً ملف دارفور، تولى لاحقاً منصب وزير الشؤون الإنسانية في حكومة ما بعد اتفاق سلام نيفاشا، وكان يشغل منصب والي ولاية جنوب كردفان، عندما أصدرت الجنائية الدولية أمر توقيف في حقه، يواجه أيضاً تهماً تتعلق بجرائم ضد الإنسانية.

علي محمد علي عبدالرحمن، الشهير بـ”علي كوشيب”، الذي تجري محاكمته حالياً، ولد في منطقة رهيد البردي بولاية جنوب دارفور، عمل في سلك الشرطة إلى أن تقاعد برتبة صول، وبعد نشوب النزاع في دارفور استدعته الحكومة وكلفته مهام محددة في إطار ما كان يسميه النظام البائد، بحسم النزاع، متهم بارتكاب جرائم حرب في دارفور، ويعتبر من المقربين من الرئيس المخلوع البشير.

من حركات دارفور

هناك ثلاثة من الذين أصدرت المحكمة أوامر اعتقال بحقهم من تلك الحركات هم بحر إدريس أبوقردة، وقد مثل أمام المحكمة، وبرأته، إلى جانب محمد صالح جربو جاموس، مثل أيضاً أمام جلسة إجرائية للمحكمة، لكنه توفي بعد ذلك، أما الثالث فهو عبدالله بندة أبكر نورين، الذي يواجه تهماً بعدد من جرائم الحرب، وقد مثل طوعاً مرة واحدة أمام المحكمة عام 2010، ومن ثم اختفى بعد ذلك.

يذكر أنه في مارس (آذار) 2005، كلف مجلس الأمن الدولي، المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، التحقيق في شأن جرائم، يحتمل أن تكون قد ارتكبت في دارفور، وبناءً على مذكرتين من المدعي العام، صدرت مذكرة التوقيف بحق البشير على خلفية النزاع في دارفور بين عامين 2003 و2008، حيث خلص التحقيق الذي أجرته المحكمة إلى أن البشير ومعه قادة سودانيون كبار آخرون، اعتمدوا خطة مشتركة لشن حملة لمكافحة ما سموه التمرد الذي خاضته ضد الخرطوم جماعات مسلحة عدة في دارفور.

ويمثل تسليم المطلوبين لمحاكمتهم أمام الجنائية الدولية، أحد أبرز مطالب العدالة وإنصاف الضحايا وإنهاء الإفلات من العقوبة، وهي أبرز مطالب النازحين واللاجئين في دارفور، وقد وضعت حركات الكفاح المسلح، تلك المطالب ضمن أجندتها التفاوضية، وتم تضمينها لتصبح جزءاً من اتفاق جوبا لسلام السودان.

اندبندنت عربية

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: