“كُلُ مَنْ عليها فان”.. نشرة فاعتبروا (160)

“كُلُ مَنْ عليها فان”.. نشرة فاعتبروا (160)

الدكتور عبدالحميد القضاة (رحمه الله)

  • خرجت من عملي متجهًا لمنزلي بعد يوم حافل، في الطريق وجدت رجل أمن يُنظم السير، لمحت في إحدى يديه قارورتي ماء، فطلبت منه إحداهما، ابتسم وناولني إياها، لحظات وإذا بزميلي في العمل يتصل، وكان خلفي في الطريق قائلا: يا أخي ما تستحي تأخذ الماء من الشرطي وهو واقف في حرّ الشمس، ضحكت وقلت:  يا أخي اعذرني فإنني عطشان.
  • فقال: مالقيت إلاّ ماء الشرطي الواقف بهذا الحر!، لو اشتريت من أقرب محل. هكذا كانت الحادثة بكامل تفاصيلها حسب ما رآها صديقي اللدود، أمّا حقيقة الحادثة فهي كما يلي:
  • طرحتُ السلام على الشرطي وقلت له: هات القارورة الفاضية أشيلها عنك، فقال: الله يكثر خيرك، كأنك والله عارف أنني محتار أين أرميها؟!، ربنا يكثر أمثالك الطيبين.
  • هذه هي حقيقة الحادثة، لكنّ صاحبي كالكثيرين، أطلق  حُكمه جُزافًا دون أن يتثبت من حقيقة الأمر، وكل الحكاية أنّ القارورة فاضية، فمعظم مشاكلنا تقع لسببين، مقصودٌ لم يُفهم، ومفهومٌ لم يُقصد!، والحل بسيط، استفسرعن القصد وأحسن الظن.
  • و قد أمرنا الله فقال:”فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُواعَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ”، “إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ”، والخلاصة إذا خانني التعبير فلا يخنك التفسير، فاليوم نصلي مع بعض وغدا نصلي على بعض، وليس في الدنيا ما يستحقُ أنّ نختلفَ عليه، ” كُلُّ مَنْ عليها فان“.

نسلم ويسلمون!

  • كان الشيخُ أعورَ العين وتلميذهُ أعمشًا، يعني ضعيف البصر، سارا معًا في الكوفه يريدان الجامع، فقال الشيخ لتلميذه:هل لك أن تأخذ طريقًا وآخذ أخرى، فإننّي أخشى إنّ مررنا سويًا بسفهائها يقولون: أعور يقودُ أعمشًا، فيغتابوننا ويأثمون، فقال التلميذ: وما عليك أن نؤجر ويأثمون، فقال الشيخ: يا سبحان الله! بل نسلم ويسلمون خيرٌ من أن نؤجر ويأثمون… إنها قلوبٌ تزينت بالإيمان حتّى حلقت في السماء، لتصل بأصحابها إلى أعالي الجنان، قلوبٌ تشربت حديث الرسول،”لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحبُّ لِنَفْسِهِ”.

المحطة الأخيرة

  • في الكِبر تكثرُ الأمراض و تزدادُ الآلام،  فلا تشتكِ مرضك لأحدٍ، فاللهُ أراد تكفير ذنوبك، فهل ستشكو الخالق للمخلوق؟!، اصبر واحتسب، ولا تتردد بالأخذ بالأسباب، فمن خلق الداء خلق الدواء، وادع الله وأنت موقن، فهو مجيب الدعوات ومقيل العثرات، واعلم أن ‏الابتلاء في الحياة ليس اختبارًا لقوتك الشخصية، بل هو اختبار لقوة استعانتك بالله، وحسن ظنك به، فاقترب منه، وثق به وتوكل عليه، يقترب منك كُل شيء جميل.
Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: