حلمي الأسمر
Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on email
Email
Share on telegram
Telegram

رابط مختصر للمادة:

مؤسسية الفساد، وعبثية الإصلاح!

حلمي الأسمر
Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

-1-

لا يغيظني شيء وأنا أطالع الخطاب الرسمي العربي مثل ما تغيظني عبارة “مكافحة الفساد” وما لفها من عبارات مرادفة، في الأردن مثلا يندر أن يخلو خطاب حكومي من هذه العبارة منذ قامت هذه الدولة قبل مائة عام، وربما قبل قيامها أيضا، والأمر ليس حكرا على الأردن، فقل مثل هذا عن سائر بلاد العرب والمسلمين، وناهيك عن كثير من بلاد العالم.

قبل أيام قليلة، رسم مؤشر مدركات الفساد لهذا العام صورة قاتمة عن حالة الفساد في جميع أنحاء العالم. ويظهر أن معظم البلدان لم تحرز سوى تقدم ضئيل أو معدوم في معالجة الفساد خلال ما يقارب من عقد من الزمان، في حين سجل أكثر من ثلثي البلدان أقل من 50 درجة على المؤشر. يستخدم المؤشر، الذي يصنف 180 دولة وإقليماً حسب المستويات المدرَكة لفساد القطاع العام فيها وفقاً للخبراء وأوساط الأعمال، مقياساً من صفر إلى 100، حيث يكون الصفر الأكثر فساداً و100 الأكثر نزاهة.

أكثر من ثلثي البلدان تسجل أقل من 50 درجة على مؤشر مدركات الفساد لهذا العام، بمتوسط 43 درجة فقط. وتُظهر البيانات أنه على الرغم من إحراز بعض التقدم، لا تزال معظم البلدان تفشل في معالجة الفساد بشكل فعّال.

ومن أسف أن الفساد أصبح أسلوباً للعيش في العديد من البلدان؛ خاصة في دول العالم الثالث، ففي عام 2011، أفادت منظمة الشفافية الدولية أن ثلثي مواطني بنغلادش وأكثر من نصف الهنود قد دفعوا رشوة خلال الأشهر الإثني عشر السابقة. وفي عام 2017، أفاد التقرير أيضاَ أن شخصاَ من كل أربعة أشخاص على مستوى العالم دفع رشاوى خلال الإثني عشر شهراً الماضية للوصول إلى خدمة عامة. ما يقرب من 57% من الناس في جميع أنحاء العالم شعروا أن حكوماتهم كانت تعمل بشكل سيء لمكافحة الفساد، بينما اعتقد 30% فقط أن حكوماتهم تعمل بشكل جيد في مكافحة الفساد!

والأهم من هذا كله، أظهرت دراسة أخرى لمنظمة الشفافية الدولية في عام 2017 على مستوى العالم أن حوالي ثلث الأشخاص يعتبرون رؤساءهم ورؤساء وزاراتهم ومسؤولي الحكومة الوطنية والمحلية ومديري الشركات والممثلين المنتخبين وضباط الشرطة فاسدين.

لقد مكنت الأنظمة المالية الدولية موظفي الدولة من إخفاء ثرواتهم غير المشروعة في الملاذات الضريبية. ففي عام 2014، سرّبت وثائق بنما 11.5 مليون ملف. وأظهر ذلك أن إثنين من القادة الوطنيين من بين 143 من السياسيين وعائلاتهم والمقربين من جميع أنحاء العالم كانوا يستخدمون ملاذات ضريبية في الخارج لإخفاء ثرواتهم.

وبالمثل، سرّبت “أوراق الجنة” 13.4 مليون ملف من مزودين مختلفين للخدمات الخارجية و19 شركة تابعة لمطالب الضرائب. كشفت عن أنشطة خارجية لأكثر من 120 من السياسيين وقادة العالم بالإضافة إلى الهندسة المالية لأكثر من 100 شركة متعددة الجنسيات!

يذكر أن أوراق الجنة، هي وثائق سرية تم تسريبها ويصل عددها إلى 13.4 مليون وثيقة متعلقة بالاستثمارية الخارجية، وقد تسربت إلى الجمهور في 5 نوفمبر / تشرين الثاني من عام 2017. وتتعلق الوثائق بشركات وهمية أسسها مكتب محاماة في برمودا تحت إشراف شركة راعية في سنغافورة. وتضم الوثائق سجلات لـ 19 ملاذاً ضريبياً، كما حوت أسماء أكثر من 120.000 شخص وشركة. وبالجملة، الفساد هو المؤسسة الأكثر تماسكا وتجذرا ليس في بلادنا العربية فقط بل في العالم كله، أما باقي المؤسسات خاصة في دول العالم الثالث، فهي مجرد ديكور، أو قل في أحسن الحالات لا تقوى على الصمود أمام سطوة مؤسسة الفساد!

-2-

وكما هو مصطلح مكافحة الفساد مثير للسخرية في ظل هذا الواقع البائس، فإن مصطلح الإصلاح يساويه في إثارة السخرية إن لم يكن أكثر، ففي الأردن مثلا، لا يوجد مصطلح كثير الاستعمال كالإصلاح، مع العلم أن عجلة الإصلاح ـ إن وجدت أصلا ـ منضبطة الإيقاع مع حل المشكل الفلسطيني، عبارة صح أم خطأ؟ سؤال ظل يراوح دهرا في مكانه، بعض المراقبين حاول القفز عن هذا السؤال فكسرت رقبته، أو قل أخرج قهرا وجبرا من دائرة صنع القرار، السؤال نفسه يكاد يقسم القوم إلى معسكرين: إصلاحيين ومحافظين، كثيرون لا يعترفون بهذا التقسيم، وآخرون يعتبرونه شقا للوحدة الوطنية، لكن السؤال يبقى!

بعض من يحلو لهم أن يسموا أنفسهم ممثلين شرعيين وحيدين لما يدعى “قوى الشد العكسي” يزعمون أن الإصلاح في الأردن سائر بوتائر معقولة يحتملها “الجسم الأردني” ولو زيدت جرعات الإصلاح لتسمم المجتمع بترياق التقدم غير المحسوب، تيار صغير داخل أصحاب هذا الرأي يرى أن الإصلاح ترف، وأن ما نحن فيه يكفي وزيارة، وأي مطالبة بزيادة الجرعة محض دلع ودلال لا داعي له، وعلى نقيض هؤلاء يقف من يسمون أنفسهم أو من يسميهم البعض “إصلاحيين” ويرون أن ما تحقق ليس إلا نزرا يسيرا من المرتجى والمطلوب، وهم مستعدون للتحالف مع “الشيطان” لتسريع وتيرة الإصلاح، ولا يهمهم في ذلك أن يدوسوا “ثوابت” وتابوهات ويهدموا حدودا ويحيدوا “حراس بوابات”!

بين هؤلاء وأولئك يقف رهط من رواد التنظير، يحملون رؤى فيها كثير من التشدد، مؤداها أن قرار الإصلاح مسيطر عليه تماما وغير مسموح بتركه يتحرك في أيد كثيرة، بل هو في “الحفظ والصون” ولا يقوى على تحريكه غير ثلة قليلة جدا من صناع القرار، وهم يمتلكون القدرة على استشراف المصلحة البعيدة للمجتمع والدولة، لذا يعمدون إلى التحكم بسريان الماء من حنفية الإصلاح وفق إيقاع محدد محكوم باعتبارات دقيقة، لها علاقة بخصوصيات وحسابات خاصة، يعلمها الراسخون في العلم فقط!

 على هدي من هذه الفرضيات والرؤى، يمكن الخوض في ملف الإصلاح، وهو خوض كما هو واضح محفوف بالمغامرة، وبصراحة أقل، يشبه الكلام فيه ضربا من التنجيم وقراءة الكف، أو الفنجان المقلوب: فيه شعوذة وتجرؤ على ريادة المستقبليات، لكم ما هو مؤكد أننا وفق العبارة الشائعة المهترئة لفرط الاستعمال: نحن أحسن من غيرنا، ووفق عبارة أقل اهتراء: ثمة كثير غيرنا أحسن منا، بصراحة، ضجرنا من هذا الكلام، وضجر منا كلامنا، فإيقاع الزمن لا ينتظر، والقصة مرتبطة أكثر بحجم الرفاه الذي نسعى لتحقيقه لشعبنا، سواء كان يسكن القرى والبوادي أو المخيمات وأطرافها مما نما على هوامشها، هناك مرارة تزداد في الحلوق، وربما تغلقها، أو تتحول إلى قهر، وربما يتعتق هذا النوع من الأحاسيس، فيعبر عن ذاته بطرق خاطئة..

لا حل قريبا في الأفق للملف الفلسطيني، بل إنه يزداد تعقيدا مع مرور الأيام، وقدر هذه البلاد أن تلتحم بهم “غربه” وتحتمل منه ما لم يحمله أحد سوى أهل تلك البلاد المحتلة، ولد التوأمان معا، وسيعيشان معا، هكذا قدر لهما، أما قرارات “الفك” و”التركيب” فهي محطات تكتيكية، وأحيانا تكون ظاهرة صوتية أو حالة بلاغية، فلا انفكاك بل زيادة بالالتحام، الحركة باتجاه الالتحام أشبه ما تكون بحركة المسافر الذي كلما ابتعد عن نقطة البداية اقترب أكثر من الوصول إليها، فهو يدور على كرة أرضية مستديرة، وكلما أوغل في البعد كان أقرب إلى الوصول إلى نقطة البداية، جرب صناع القرار مختلف الخيارات، ودفع الطرفان ثمن اجتهاداتهم، سلبا وإيجابا..

بعض المتطرفين من الجانبين يقولون: حلوا عنا، وليشق كل طرف طريقه لوحده، مرت سنوات طويلة على هذا الخيار، كان عبثا، فالأمن الوطني على جانبي النهر واحد لا يقبل القسمة على إثنين، فك الارتباط غذى نزعة دفينة في نفوس فئات من كلا الطرفين، كانت الحصيلة مرة، الحديث الآن يدور عن شكل ما من أشكال العلاقة، ليكن! وليكن الحديث في هذا الأمر في وضح النهار، ثمة قدر أكبر من الانفصال، فلا من يعيش شرقي النهر يشعر أنه مشبع الحاجة من الإصلاح، ولا من يعيش غربي النهر يشعر بتنفس طبيعي ما دامت رئته الشرقية في حالة عمل جزئي!

(عربي21)

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

Related Posts