محاكاة الماضي السحيق تنبئ بآثار كارثية لتغير المناخ

محاكاة الماضي السحيق تنبئ بآثار كارثية لتغير المناخ

يبدو أن ارتفاع درجات الحرارة الناجم عن التغير المناخي سيكون أكثر تسارعا عن المتوقع في المستقبل، وذلك وفقا لدراسة علمية جديدة. تلك هي النتيجة التي توصل إليها فريق بحثي من جامعتي ميتشيغن وأريزونا الأميركيتين عبر محاكاة مناخ كوكب الأرض بعصر الإيوسين -منذ خمسين مليون سنة خلت– الذي يعد مماثلا للمناخ في ستقبل.

عين على المستقبل

نشرت تفاصيل تلك الدراسة بدورية “ساينس أدفانسز” في سبتمبر/أيلول الجاري، لتوضح كيف تمكن الباحثون من استخدام نموذج محدث لمحاكاة المناخ لدراسة الارتفاع الشديد لدرجة حرارة الأرض الذي حدث في الإيوسين المبكر، وذلك بشكل دقيق للمرة الأولى. الأمر الذي يمكن استخدامه لاستشراف مناخ الأرض المستقبلي –وهو الغرض الأساسي من الدراسة- نظرا لتشابهه الشديد مع مناخ ذلك العصر السحيق.

وأشارت نتائج الدراسة إلى أن معدل احترار (زيادة درجات الحرارة) المناخ ارتفع بشكل كبير مع ارتفاع مستويات ثاني أكسيد الكربون بعصر الإيوسين، الأمر الذي لم يكن معروفا من قبل، حيث يمكن القول إن المناخ أصبح أكثر حساسية لزيادة ثاني أكسيد الكربون مع ارتفاع درجة حرارة الكوكب.

ولدى تطبيق تلك النتائج على المستقبل، فإن هذا يعني تسارع ارتفاع درجات الحرارة بشكل أكبر من المتوقع، وذلك في حال عدم تقليل انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون.

ويوضح ذلك جيانغ تشو الباحث الرئيسي بالدراسة –عبر البيان الصحفي– قائلا “لقد تفاجأنا بزيادة حساسية المناخ بهذا الشكل مع ارتفاع مستويات ثاني أكسيد الكربون. هذا شيء مخيف؛ إذ إنه يشير إلى أن استجابة الحرارة لزيادة ثاني أكسيد الكربون في المستقبل قد تكون أكبر من الاستجابة الحالية لنسبة الزيادة بالغاز نفسها. هذا الخبر ليس جيدا بالنسبة لنا”.

محاكاة الماضي السحيق

وتمكن الباحثون من دراسة مناخ عصر الإيوسين المبكر، باستخدام محاكاة حاسوبية رياضية تتضمن كافة العناصر الرئيسية بنظام كوكب الأرض من درجة الحرارة وسقوط الأمطار والمسطحات المائية ودورة الكربون وغيرها. حيث اعتمد العلماء على الإصدار 1.2 من “نموذج مجتمع نظام الأرض” (CESM 1.2)، الذي يعد أكثر دقة من نماذج المحاكاة المناخية الأخرى، بسبب أخذه بعين الاعتبار حالة السحب أيضا.

لتبسيط الأمر؛ إنه أشبه ما يكون باستخدام نماذج التنبؤ بأحوال الطقس لمعرفة أحوال الطقس اليومية.

ما لاحظه العلماء أنه خلال عصر الإيوسين المبكر حدث انخفاض في انتشار السحب ومدى قتامتها بشكل تسبب في تضخيم ارتفاع درجات الحرارة الناتج عن زيادة ثاني أكسيد الكربون. ويري الباحثون أن تلك التغيرات –التي قد تبدو بسيطة– في حالة السحب تلعب دورا رئيسيا في العواقب الوخيمة للتغير المناخي عبر زيادة حساسية المناخ للاحترار.

أكثر من حرارة الإيوسين

يعد عصر الإيوسين المبكر –الذي حدث بين 48 إلى 56 مليون عام مضت تقريبا – أدفأ حقبة زمنية بتاريخ الكوكب خلال 66 مليون عام الأخيرة. وتميز ذلك العصر بارتفاع نسبة ثاني أكسيد الكربون لتبلغ ألف جزء بالمليون، بجانب ارتفاع متوسط درجات الحرارة بمقدار 14 درجة مئوية عن عصرنا الحالي.

ومن الجدير بالذكر أن نسبة ثاني أكسيد الكربون بالجو في يومنا هذا قد ارتفعت لتبلغ 412 جزءا بالمليون. وفي حال عدم التقليل من انبعاثات ذلك الغاز في إطار سياسات مجابهة آثار التغير المناخي المقترحة، فإنه -وفقا لتقديرات خبراء المناخ- من المتوقع استمرار ارتفاع نسبته لتبلغ ألف جزء بالمليون بحلول عام 2100. أي أنه في غضون ثمانين عاما تقريبا ستكون نسبة ثاني أكسيد الكربون مماثلة لعصر الإيوسين المبكر.

ووفقا لما خلصت إليه الدراسة الجديدة، فإن ذلك سيعني أن درجة الحرارة في المستقبل غير البعيد ستكون مرتفعة أكثر مما توقعه علماء المناخ سابقا، مع الأخذ في عين الاعتبار زيادة تحسس المناخ للاحترار؛ لتعد تلك النتائج بمثابة ناقوس خطر إضافي ينضم إلى سابقيه، ومع انعقاد مؤتمر قمة العمل المناخي التابع للأمم المتحدة هذا الأسبوع، يأمل الجميع اتخاذ خطوات حقيقية بهدف مجابهة خطر التغير المناخي المحدق بالجميع دون استثناء.

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: