مسجد “حسن بيك”.. الشاهد الوحيد بحي المنشية في يافا‎

مسجد “حسن بيك”.. الشاهد الوحيد بحي المنشية في يافا‎

– تعرض المسجد للكثير من الانتهاكات ومنعت فيه الصلوات إلى أن تمكن فلسطينيون نهاية حقبة السبعينيات من إعادة افتتاحه رغم وجوده وسط أحياء يهودية
**إمام المسجد أحمد أبو عجوة للأناضول:
– يعتبر المسجد تحفة معمارية عثمانية
– المسجد يتعرض للاعتداءات من المتطرفين الإسرائيليين حتى الآن
– قصة المسجد تلخص القضية الفلسطينية

البوصلة – وسط الأحياء اليهودية التي أُنشأت عقب نكبة فلسطين عام 1948، على أنقاض حي “المنشية” العربي في مدينة يافا، ينتصبُ مسجد حسن بيك، وحيدا.

وقبيل النكبة، كان المسجد الذي بناء العثمانيون، يتوسط حي المنشية؛ لكنّه الآن، يربض “بمفرده”، على شاطئ البحر الأبيض المتوسط، ومن خلفه أحياء يهودية، في منطقة تصنفها إسرائيل على أنها تتبع لمدينة “تل أبيب”.

وعقب النكبة، وتشريد الفلسطينيين، تحوّل المسجد إلى حظيرة حيوانات، ومورست داخله أفعال “لا أخلاقية” بحسب شهود فلسطينيين.

لكنّه عاد كمسجد، أواخر حقبة السبعينيات من القرن الماضي، بجهود شخصيات عربية، حيث تُقام فيه الصلوات الخمس، والجُمعّ، ويأتيه المسلمون من أنحاء بعيدة، وهو ما يغضب المتطرفون الإسرائيليون.

ويُطلق الفلسطينيون مصطلح “النكبة” على عملية تهجيرهم من أراضيهم، على أيدي “عصابات صهيونية مسلحة” عام 1948.

وفي العام 1948 أُعلن قيام دولة إسرائيل على غالبية أراضي فلسطين التاريخية، بعد أن تم تهجير قرابة 800 ألف من أصل 1.4 مليون فلسطيني، من قراهم ومدنهم إلى الضفة الغربية وقطاع غزة والدول العربية المجاورة.

وعلى جدار سميك داخل المسجد، يمكن رؤية صورة لحي المنشية، المفقود، مزدهرا بالمباني والسكان قبل العام 1948، وصورة أخرى لهذه المباني وقد سويت بالأرض، ولم يتبقَ منها إلا المسجد.

وكان حي المنشية جزءا من مدينة يافا، التي تم تدمير جزء كبير منها إبان النكبة، وأنشأت فوق أنقاضه مبان سكنية وتجارية إسرائيلية تصنف على أنها في مدينة تل أبيب.

**يافا وليس تل أبيب

يصر الدكتور أحمد محمد أبو عجوة، إمام وخطيب مسجد حسن بيك، على أن المسجد موجود في مدينة يافا وليس تل أبيب.

ويقول أبو عجوة لوكالة الأناضول: “سُمي مسجد حسن بيك بهذا الاسم نسبة إلى والي مدينة يافا العثماني، حسن بيك الجابي الدمشقي، وهو يقع شمال مدينة يافا”.

وأضاف: “تم تأسيس المسجد، عام 1914 ميلادية في أواخر عهد الدولة العثمانية ليؤدي رسالته وخدماته للمسلمين في حي المنشية الكبير المترامي الأطراف، الذي كان يقع في شمال مدينة يافا، ولكن لم يبقَ من حي المنشية، إلا هذا الشاهد على التاريخ والحضارة والدور الريادي لهذه المدينة”.

ويشير أبو عجوة إلى صورة حي المنشية، وقد تم تدميره، ويقول: “وقع ذلك بعد نكبة عام 1948، هذا ما اقترفته العصابات الصهيونية بحق مدينة يافا وعموم الشعب الفلسطيني”.

وأضاف: “لا شك أن سياسة المحتل هي تغيير المعالم بطمس ومحو الهوية الإسلامية العربية الفلسطينية، وليحقق الاحتلال هذه الغاية قام بهدم أحياء كاملة من ضمنها حي المنشية”.

ويلفت إلى أن عدد سكان يافا وضواحيها، في ذلك الحين (قبل عام 1948) كان يزيد عن 100 ألف نسمة، تحوّل الجزء الأكبر منهم إلى لاجئين في المناطق المجاورة.

وقال: “بقي مسجد حسن بيك شامخا، وشاهدا، على نكبة فلسطين، وشاهدا على تاريخها وهويتها، بل وملخِصا للقضية الفلسطينية وباعثا للأمل في نفوس الشعب الفلسطيني، وجميع الأحرار بأن قضية فلسطين قضية عادلة وبالتالي هي قضية منتصرة”.

وتم بناء المسجد وهو المبنى الوحيد المتبقي من حي المنشية، على الطراز العثماني، وهو ذو قبة واحدة، ومئذنة واحدة، ونوافذه العلوية ملونة.

ويقول أبو عجوة: “يعتبر المسجد تُحفة معمارية عثمانية، فلا شك أن من يطلع على بناء المسجد بداية من دخوله عبر ساحة المسجد، وصولا إلى المنبر والمحراب يرى أنه من المساجد المُعلّقة”، في إشارة إلى أنه بُني على منطقة عالية مُطلة على البحر.

وأضاف: “ومن يلاحظ تفاصيل البناء ونوعية وشكل البناء في المسجد، يدرك أنه يمثل تحفة معمارية، عمل حسن بيك الجابي الدمشقي، على أن يكون فريدا في بنائه”.

ويتسع المسجد بساحاته الداخلية والخارجية، لنحو ألفي شخص.

وتحيط بعض أشجار النخيل بالمسجد، الذي تشمل مرافقه مكتبة وبعض المقتنيات التراثية، ونادي رياضي للشباب وآخر ثقافي.

وحاليا يبعد المسجد عما تبقى من أحياء عربية في مدينة يافا، حوالي 3 كيلومترات، ومع ذلك يصل السكان من تلك الأحياء إلى المسجد لأداء الصلاة.

وفي مواعيد الصلاة يتم رفع الأذان، في السماعات الداخلية للمسجد.

وأشار أبو عجوة إلى أنه لا يوجد ما يمنع رفع الأذان عبر السماعات الخارجية.

لكنه يضيف مستدركا: “نظرا لحساسية وضع المسجد، فهناك امتناع من قبل إدارة المسجد عن رفع الأذان خارجه؛ نحن ندرك تماما أن المحيط معادي، ولا نسعى لاستفزازه، مع أننا نمارس حقنا في أداء شعيرة من شعائر ديننا”.

ويلفت مسجد حسن بيك، الأنظار، لكل من يصل إلى مدينة يافا أو مدينة تل أبيب المجاورة.

ويذكر أبو عجوة أن مدينة يافا كانت تضم أكثر من 30 مسجدا ومصلى قبل النكبة، ولم يتبقَ منها الآن إلا قرابة 8 مساجد وبعض المُصليات.

**انتهاكات جسيمة بحق المسجد

ويشير الشيخ أبو عجوة، إلى أن المسجد، تعرض عقب النكبة، إلى جملة من الاعتداءات الإسرائيلية، خاصة بعد إخلاء المنطقة من سكانها العرب.

وبدأت أولى الانتهاكات، بمنع المسلمين من الوصول للمسجد.

ويتابع موضحا: “لقد مُنع المسلمون من الوصول لأداء الصلاة بهذا المسجد، فعطّلت الصلوات الخمس وعطلت صلاة الجمعة وعطلت رسالة المسجد بالكامل”.

وتوالت الاعتداءات على المسجد، والتي يصفها أبو عجوة بالجسيمة، ولا “يقرها دين ولا عرف”.

وأشار أبو عجوة في هذا الصدد إلى أن المسجد تعرض منذ النكبة إلى محاولة “اقتلاع وطمس” من قبل المؤسسة الإسرائيلية بشكل رسمي، وكان ذلك من خلال “التوجه لتحويله إلى غير غايته التي بني إليها كمسجد، لعبادة الله سبحانه وتعالى”.

وكشف أن السلطات الإسرائيلية حوّلت المسجد إلى حظيرة واسطبل للخيول والحيوانات.

ولاحقا، بحسب أبو عجوة، تحولت أجزاء من المسجد إلى “وكر للجريمة والأمور غير الأخلاقية والرذيلة”.

وذكر أن هذه الممارسات كانت “تجري على سمع وبصر المؤسسة الإسرائيلية بل وتم تحويله في فترة من الفترات كنادي للشباب اليهود”.

وأضاف: “تعرض المسجد وما يزال، إلى سلسلة متواصلة من الاعتداءات التي تبث أحقاد القوم، تجاه ما يرمز له مسجد حسن بيك، من موقعه وحاضره وتاريخه والأمل الذي يحييه في نفوس الناس”.

**إعادة الافتتاح

وبقي المسجد مغلقا أمام المصلين حتى نهاية سنوات السبعينيات من القرن الماضي.

وفي هذا السياق، يقول أبو عجوة: “بعد هذه الفترة الكئيبة الحزينة المؤلمة التي وقعت على مسجد حسن بيك تمكن المسلمون، بفضل الله، من إعادة احيائه وعمارته”.

وأضاف: ” تم بناء كل تهدم ما من أسواره ومرافقه وعمارته بالمصلين، وإعادة رسالة المسجد بأداء الصلوات الخمس وإقامة صلاة الجمعة التي يحضرها ما يزيد عن ألف مصل كل أسبوع، وإقامة صلاة الفجر وباقي الصلوات والنشاطات والفعاليات”.

**اعتداءات متواصلة

غير أن المسجد ما زال عرضة للاعتداءات حتى الآن.

وعن ذلك يقول الشيخ أبو عجوة: “أبرز الاعتداءات عام 2000 حيث أحاط آلاف الإسرائيليين المتطرفين المسجد بالأعلام الإسرائيلية وحاولوا اقتحامه والاعتداء على المصلين فيه”.

ويتابع: “قدّر الله سبحانه وتعالى أن يتمكن عشرات الشباب الذين تواجدوا في المسجد وكنت أحدهم، من صد عدوان المعتدين والتأكيد على أننا على أتم الاستعداد لدفع أي ثمن للحفاظ على هذا المسجد كرمز وهوية”.

ويشير إلى سلسلة أخرى من الاعتداءات على المسجد، حدثت خلال السنوات الماضية، ومنها إلقاء متطرفين إسرائيليين في 30 أكتوبر/تشرين الأول 2010، رأس خنزير لُف بكوفية فلسطينية.

وكذلك تم إلقاء الحجارة والزجاجات الفارغة والحارقة، في حوادث متفرقة، بالإضافة إلى كتابة الشعارات العنصرية على أسواء المسجد.

ويشير إمام المسجد، إلى أن آخر الاعتداءات، تمت في 8 يوليو/تموز 2021، حيث تم تحطيم أحد نوافذ المسجد الغربية.

**تلخيص للقضية الفلسطينية

ويرى الشيخ أبو عجوة أن قصة مسجد حسن بيك، “تُلخص القضية الفلسطينية”.

ويقول موضحا: “ما جرى بالمسجد وحي المنشية، هو تلخيص للقضية الفلسطينية من حيث ما وقع من نكبة عام 1948، وهجوم شرس من المؤسسة الإسرائيلية والاحتلال ظنا منهم أنه بتهجير الشعب الفلسطيني، فإن القضية الفلسطينية قد انقضى أمرها، وطويت صفحتها”.

وأضاف أبو عجوة: “مسجد حسن بيك يلخص هذه القضية، بما مر به منذ نكبة فلسطين وحتى سبعينيات القرن الماضي، وبعد ذلك إعادة إعماره، ليس بجهد أهل يافا فقط، بل كان هناك تعاضد وتعاون مع أهلنا بالقدس، وعموم الداخل الفلسطيني وعمقنا في العالم العربي والإسلامي”.

الاناضول

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: