مطلقو دعوات التحرش بين العقوبة القانونية وبرامج التأهيل والتوعية

مطلقو دعوات التحرش بين العقوبة القانونية وبرامج التأهيل والتوعية

مدير جمعية العفاف مفيد سرحان لـ “البوصلة”:

– الانفلات ليس “حرية شخصية” بل فيه مضرة ومفسدة للمجتمع

– يجب الاهتمام بفئة الشباب وعدم التهاون بالانفلات الأخلاقي

– هناك مخططات لتدمير مجتمعاتنا وإيصالها لدرجة الهاوية

الحقوقية والمحامية هالة عاهد لـ “البوصلة”:

– يجب التعامل مع مطلقي دعوات التحرش في إطار أكثر شمولاً من مجرد عقوبة فردية

– الحبس غير مجدٍ ويجب أن يخضع دعاة التحرش لجلسات توعية وإعادة تأهيل

– سلوك التحرش له علاقة بسلوك الشخص وسوء تصرفه ولا علاقة له بلباس الفتاة

عمّان – رائد الحساسنة

أكد مختصون تربويون وحقوقيون في تصريحاتٍ لـ “البوصلة” أنّ مواجهة دعوات التحرش بالفتيات بسبب لباسهن التي أطلقها شابان أردنيان مؤخرًا على مواقع التواصل الاجتماعي تمثل بعض مظاهر الخلل التي أصابت مجتمعنا ويجب أن تتظافر جميع الجهود بدءًا من الفرد والأسرة والمجتمع والدولة للعمل على إصلاحها ومنع انتشارها.

وشددوا على ضرورة وجود برامج توعوية وتربوية تهتم بفئة الشباب خصوصًا وتحثهم على ضرورة التزام القيم والأخلاق التي أجمع عليها المجتمع وضرورة ترسيخها بدءًا من التربية الأسرية الدينية في البيوت وترسيخ احترام الحقوق والحريات التي كفلها الدستور والقانون لأبناء المجتمع ومنع استخدام مواقع التواصل الاجتماعي كأدوات لتعزيز هذه الأفعال المرفوضة التي يعاقب عليها القانون.

ونوهوا إلى ضرورة قيام مختلف عدم التهاون مع الانفلات الأخلاقي ومحاسبات القائمين عليه، وسنّ القوانين التي تحافظ على قيم المجتمع وأخلاقه لا سيما قيام المؤسسات التربوية والتعليمية، والمؤسسات الإعلامية في توجيه الأفراد والمجتمع نحو “الأخلاق والقيم”، مشددين على ضرورة منع انتشار “ثقافة العنف” و”ثقافة لوم الضحية” وما يحمله بعض أفراد المجتمع من “ثقافة التسامح” مع الانتهاكات حين تتعلق بحقوق المرأة.

التزام القيم والأخلاق مفتاح التقدم للمجتمع

قال مدير جمعية العفاف مفيد سرحان في تصريحاتٍ لـ “البوصلة”: إن مجتمعنا الأردني فيه الكثير من الخير، وهذا الخير بحاجة للتعظيم والبناء عليه، وهناك بعض مظاهر الخلل التي ينبغي على الجميع العمل على إصلاحها، مؤكدًا في الوقت ذاته على أن ما يميز مجتمعاتنا العربية والإسلامية هو درجة التزامها بالقيم والأخلاق الأصيلة؛ لأن ذلك هو مفتاح التطور والتقدم والتميز والمحافظة على لحمة مجتمعاتنا.

مفيد سرحان: للأسرة دور مهم في توجيه الأبناء وأن يكون الأبوان قدوة حسنة في السلوك والمظهر

وأكد سرحان أن هذا بحاجة إلى جهود الجميع، ابتداء من وعي الفرد ذكرًا كان أم أنثى والتزامه بالدين والقيم والأخلاق الحميدة وأن يدرك أن ما يقوم به من تصرفات وسلوكيات سواءً بالأفعال أو المظهر، سيكون لها تأثير ليس فقط على نفسه أو على أسرته؛ بل على المجتمع، محذرًا من أن الانفلات لا يعني “حرية شخصية” بل في ذلك مضرة ومفسدة للمجتمع.

وأشار إلى أن هنالك دورًا مهمّا للأسرة في حسن التربية وتوجيه الأبناء وأن يكون الأبوان قدوة حسنة في السلوك والمظهر، والمجتمع أيضًا مطالبٌ أيضًا بالالتزام بهذه القيم الأخلاقية، ونخص منها ما هو متفق عليه من قيم، ويأخذ شكل الإجماع عند أفراد المجتمع، منوهًا كذلك إلى دور المؤسسات التربوية والتعليمية، والمؤسسات الإعلامية في توجيه الأفراد والمجتمع وإبراز قيمة وأهمية “القيم والأخلاق” لأي مجتمع، محذرًا من “خطورة الانحراف والتخلي عن القيم والأخلاق الفاضلة، وكيف أن ذلك يمكن أن يدمّر المجتمع لا سمح الله، ولنا في بعض المجتمعات الغربية شواهد كثيرة على ذلك”، على حد وصفه.

الأسرة العربية والإسلامية مستهدفة

وقال سرحان إنه من المعلوم أن الأسرة العربية والإسلامية مستهدفة، وهذا ليس بسر، فكثير من مقررات المؤتمرات الدولية تقوم على سنّ قوانين وتشريعات تتعارض مع الأسس التي تقوم عليها الأديان السماوية ولا تراعي خصوصية الشعوب؛ بل وتدعو في بعضها مباشرة إلى الانحراف والرذيلة، ومن ذلك المطالبة بحفظ وإقرار حقوق الشواذ مثلاً وهي دعاوى تأتي تحت عناوين متعددة ومنها حرية الفرد والمساواة بين الجنسين وحقوق المرأة وهي في حقيقتها كل البعد عن هذه المعاني، ونجد أن مثل هذه الدعوات تحظى بدعمٍ كبير ولها وللقائمين عليها نفوذ ودعم من مؤسسات خارجية، ويشعر الجميع أن هناك مخططا لتدمير مجتمعاتنا وإيصالها لدرجة الهاوية.

ونوه إلى أن هذا منحى خطير يجب الانتباه له سواء على مستوى الوعي أو سن القوانين والتشريعات وذلك إدراكًا لخطورة مثل هذه الممارسات من جانب ومن جانب آخر فإنها تدفع البعض للتفكير بطرق غير صحيحة وهذا يشكل خطورة على المجتمع، وخصوصا على فئة الشباب.

وقال سرحان إن كانت أي تصرفات خارجة عن القانون غير مبررة وغير مقبولة؛ لكننا في الوقت ذاته ندعو إلى عدم التهاون مع الانفلات الأخلاقي ومحاسبات القائمين عليه، وسنّ القوانين التي تحافظ على قيم المجتمع وأخلاقه والاهتمام أكثر بفئة الشباب والشابات خصوصًا، ونحن في الأردن بلد الحشد والرباط، وهو مستهدف من كل النواحي المحافظة على لُحمة المجتمع ووحدته يجب أن تكون من أساسيات العاملين لمصلحة البلد والمجتمع.

رفض ثقافة “لوم الضحية”

بدورها قالت المحامية والحقوقية هالة عاهد في تصريحاتٍ إلى “البوصلة”: إن واقعة الفيديو وإن كان مرتكبها شخص واحد يمكن أن يتعامل معه القانون، لكن يجب التعامل معها في إطار أكثر شمولاً من عقوبة تقع على فرد واحد، باعتبار أن هذه الأفكار تجد العديد ممّن يحملها في المجتمع وينظرون إلى لبس المرأة وسلوكها ومجرد خروجها للفضاء العام هو مبررًا للتحرش بها أو لـ “الاغتصاب”.

ونوهت إلى أن حملات مواجهة التحرش التي أطلقتها منظمات المجتمع المدني تعرضت لموجة كبيرة من الهجوم والتشكيك وحالة الإنكار من أنه لا يوجد تحرش، وتعليق المشكلة بلباس الفتاة أو وجودها بالشارع أو تصرفاتها وإلقاء اللوم عليها لم يكن فقط من أفرادٍ عاديين؛ وإنما للأسف حتى من كتاب مقالات ونواب وكانت حالة الإنكار والتبرير على مستوى مجتمعي أكثر من مجرد شخص ربما يكون وعيه غير مكتمل سواءً لصغر سنه أو صغر تجربته في الحياة.

هالة عاهد: دعوات التحرش مؤشر خطر لوجود ثقافة سائدة في المجتمع تتمثل في “لوم الضحية”

وحذرت عاهد من أنه لا يجب التعامل مع هذه القضية بالتصفيق لأن الجرائم الإلكترونية ستتعامل مع هذا الشخص وإحالته للقضاء ولكن يجب أن يكون مؤشر خطر لوجود ثقافة سائدة في المجتمع تتمثل في “لوم الضحية”، فكيف يمكن لنا أن نتصدى لمثل هذه الثقافة.

وأوردت في سياق حديثها مثلا: اليوم يجب أن نميز فإذا ما وقع مثلا عنف على طفل الجميع يلوم من ارتكب العنف ضد الطفل، لكن إذا وقع العنف على امرأة حتى لو كان “جنسيًا”، فإن اللوم يقع بالدرجة الأولى يتمحور حول ماذا كانت ترتدي وكيف تتصرف، وما السلوك الذي اتبعته حتى يقع هذا العنف، مشددة على أننا لا نستطيع أن ننكر وجود ثقافة متسامحة مع هذا النوع من الأفعال والممارسات.

وأضافت عاهد، “المشكلة أن أسلوب الشاب الذي تحدث في الفيديو كان “أسلوبًا فجّا” لذلك أثار حفيظة الجميع، لكن لم ننتبه إلى عدد التفاعل مع هذا الفيديو وعدد اللايكات والتعليقات المؤيدة لهذا الفيديو وما سبقه”.

دق ناقوص الخطر عبر برامج توعوية

وقالت: “لا يجب أن نركن كمجتمع اليوم إذ أن الجميع صفق لجهود الجرائم الإلكترونية وهو جهد مشكور في هذا السياق وتحويل مخالفي القانون للقضاء، ولكن السؤال ما هو الدور الذي يجب أن نفكر فيه اليوم بمثل هذه الحوادث التي ينبغي أن تقرع ناقوص الخطر بأن هناك ثقافة لدى “فئة عريضة” بين الشباب على الأقل لم يستهدفهم أي برنامج للتوعية، بموضوع المناهج الدراسية وهل تتناول هذه القضايا أو لا تتناولها ورفع الوعي.

ونوهت عاهد، “اليوم قبل أن تحيل شخص للقضاء ليعاقب على جريمة حتى وإن كانت نصوص القانون منشورة وعلى الجميع أن يعرفها ولا يعذر شخص بجهله في القانون؛ ولكن عليك أن تعرف الناس بقيم المساواة وتجنب العنف، فثقافة مجتمعنا مع الأسف ثقافة عنفية حتى على صعيد المشاجرات”.

وتساءلت: |كيف ستترجم هذه الثقافة لعنف، حتى تقول للفتاة إلبسي أو لا تلبسي ومفروض أن يعلم المجتمع أن اللباس حرية شخصية، ثم إذا كان اللباس تجاوز المتعارف عليه فهناك نصوص في القانون تعاقب، مثل الفعل الخادش للحياء العام”.

وأوضحت أن الحرية الشخصية في اللباس للرجل والمرأة مصونة وكلاهما يلبس ما يشاء ولكن هناك حتى في اللباس ضوابط محدد ضمن حدود النظام العام، واليوم لا يجوز لشخص أن يخرج في الشارع  سواء كان رجلاً أو امرأة وهو يرتدي “المايوه”.

وأكدت الحقوقية عاهد على أن حدود الحرية الشخصية ترتب مسألتين، الأولى أن الشخص ملزم قانونًا أن لا يرتكب أي فعل من أفعال الاعتداء الجنسي حتى لو كان الشخص المقابل له ارتكب فعلاً جرميًا آخر يتعلق باللباس، مشيرة إلى أنه لو خرجت امرأة عارية للشارع فإن القانون سيطالها لأنها ارتكبت فعلاً فاضحًا في الطريق العام، ولكن هذا لا يجوز أن يكون سببا أو مبررًا أو محلاً من العقوبة أو الجريمة للشخص الذي يرتكب فعل التحرش أو فعل الاعتداء عليها، فكل شخص ملزم قانونًا بأن لا يرتكب أفعالاً لها علاقة بسلوك الآخرين.

وحول المسألة الثانية الأهم بحسب عاهد، فإن القانون يحدد ما هو الفعل الفاضح في الطريق العام أو الأفعال التي تخل بالحياء العام، وهو الذي يتعامل معها ويقول بأن هذا اللبس ساتر أو مخالف للنظام العام أو الآداب العامّة، وليس مسؤولية الأفراد أن تقرر.

وحذرت من أن “اللبس الذي نراه بأنه غير ملائم أو المجتمع يراه بأنه غير ملائم يشكل ارتكاناً خطيرا له ما بعده،  لأنه من الممكن لأي شخص بثقافة أكثر محافظة أن يقول ليش طالعة بالليل وممكن الساعة تكون السابعة مساء، أو ليش طالعة تشتغلي، ويمنح نفسه الحق لمحاسبتها والتحرش بها مثل صاحب العمل الذي يعتقد أنها موجودة لديه في العمل وهذا مبرر للتحرش، أو أنها موجودة بوسيلة النقل العام وهذا مبرر للتحرش.

وأكدت أن الأرقام تشير إلى أن من يتعرضن للاغتصاب والتحرش منهن نساءٌ محجبات، فما بالك بمن يعتدي على طفلات لم يبرز من فتنتها أي شيء أو طفلة صغيرة جدًا أقل من عشر سنوات وليس فيها أي مظهر أنثوي.

وشددت عاهد على أن سلوك التحرش والاغتصاب له علاقة بالشخص نفسه وسوء تصرفه وسلوكه وليس له علاقة باللباس، وإذا كانت الفتاة ترتدي ملابس يعتقد الشاب أنها فاضحة، فهذا لا يمنحه الحق للتحرش بها والاغتصاب.

حبس مطلقي دعوات التحرش ليس حلاً

وترى المحامية والحقوقية هالة عاهد أن الأهم من هذا كله في هذه الواقعة ليست معاقبة هذا الشخص بالحبس، فهذا الشخص يجب أن يخضع لإعادة تأهيل وتدريب وجلسات توعية حول احترام النساء واحترام الإنسان والحريات الشخصية.

وشددت على أن جزءًا من المسؤولية يتمثل بدورنا في سياق التربية الإعلامية وأن يعرف الناس كيف يتعاملون مع وسائل التواصل الاجتماعي، ولا يعتقد الشخص أنه يملك الحق أن يقول ما يشاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي وبالتالي يرتكب جرائم ويمس حريات الآخرين.

وحول العقوبة التي يمكن أن تقع على الشاب الذي ظهر في الفيديو الذي يدعو للاعتداء على الفتيات، أكدت عاهد أن العقوبة تخضع للتكييف القضائي الذي يحدد القاضي، ويمكن تكييفها على أنها ارتكاب فعل فاضح أو تحريض مباشر، وهو لم يرتكب جريمة التحريض المباشر فإذا ما ارتكب شخص جريمة الاغتصاب وقال إنه ارتكبها بسبب دعوة ذلك الشخص فسيتم معاقبته بناء على ذلك، ولكن في هذا السياق ستكون دعواته في سياق ارتكاب فعل منافٍ للحياء، وهذا الفعل قد تصل عقوبته إلى السجن لستة أشهر.

وأكدت عاهد أن فرض تشريعات على موضوع اللباس سيشكل تقييدًا للمجتمع إذ على أي مقياس سيكون شروط هذا اللباس، مشددة على أنه من حق أي مواطن التقدم بشكوى للقضاء إذا ما رأى ارتكاب أي فعل خادش للحياء العام.

ووجهت عاهد رسالة للشباب: عليك بنفسك فنحن نرى كثيرًا من المظاهر والأفعال التي لا تعجبنا سواء على التلفاز أو على أرض الواقع، ولكننا نتجاوزها، وفي الوقت ذاته لا يجوز أن يستمر الإنسان بحالة شعورية وكأن هذا المشهد مهدد له، ويجب أيضًا احترام خصوصيات الناس وحرياتهم.

وختمت المحامية الحقوقية حديثها لـ “البوصلة” بالتأكيد على دور الأسرة فيما يرتدي أبناؤهم وبناتهم من ملابس قائلة: الدور الذي يجب أن يقوم به الأهل عبر التربية الأخلاقية والدينية وزرع هذه القضايا والمفاهيم، ولا يمكن معالجتها من خلال حملات تطالب الشباب والفتيات بلباس بمواصفات محددة لا سيما وأنه لن يكون مجديًا”، مؤكدة في الوقت ذاته على أن “موضوع اللباس اليوم متعلق بالحريات الشخصيات ونحن نرى اليوم كيف تحدد الناس القيم، فنرى على سبيل المثال غير محجبات بلباسٍ ساتر أكثر من لباس بعض المحجبات، ونحن ثقافات داخل مجتمع واحد، والإنسان السوي يجب عليه اليوم الانتباه لسلوكه الشخصي وأن لا يرتكب أفعال تنتهك حريات الآخرين أو تعد جرائم حتى لا يطاله القانون”.

(البوصلة)  

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: