نشرة ” فَاعتبِرُوا ” 81

نشرة ” فَاعتبِرُوا ” 81

بقلم د. عبدالحميد القضاة

الميكروبات وصـراع البقــاء

      لقد أودع اللهُ سر الحياةِ في كل مخلوقٍ حي، وأودع معه سراً آخر موازياً لـه، هو غريزة حب البقاء، لا فرقَ في ذلك بين كبيرٍ أو صغيرٍ،  مميز أو غير مميز، وزود كل مخلوقٍ من الوسائل والطرق والأدوات ما يدافعُ بها عن نفسه، ليتقي شر خصومه، ويحافظ على حياته.

      والميكروبات رغم صغرها، إلاّ أنّها تحبُ الحياة كغيرها، وتُجيد مهارات الدفاع عن نفسها ، بطرقٍ وأساليب شتى، وبذلك ضمنت وجودها على مدى عشرات الملايين من السنين.

      منها ما يفرز حولها كبسولةً لزجة هُلامية، فتتلقي عنها الصدمات، ولكن أهم دور لها هو حمايتها من الخلايا البالعة التابعة لقوات جهاز المناعة، فالكبسولة تجعلها ملساء يصعبُ الإمساك بها، فإذا أرادت خلية بالعة أن تلتقمها فإنها تفلت منها، لنعومة ملمسها فتنجو.

      بعض البكتيريا تتجنب غائلة الجوع لتحافظ على وجودها واستمرارها، بأن تُحيط مادتها الوراثية بغشاء من طبقتين، ثم بجدار سميك يلُفُّه معطف قوي جداً، على شكل محفظة بيضوية، لها قدرات عظيمة على مقاومة الحرارة والجفاف والإشعاعات، ثم تدخل في استراحة لا تنمو فيها ولا تتكاثر، بل تمر بفترة سبات عميق تصل إلى آلاف بل ملايين السنين.

      وهناك قدرات ومهارات أخرى تتمتع بها الميكروبات تجعلها تتخطى الظروف الصعبة جداً، وتحافظ على بقائها وانتشارها، لتقوم بواجبها ووظيفتها الحيوية الرئيسية في هذه الحياة.

الكرم الحاتمي

      زوجة حاتم الطائي تُخبر عن بعض عجائب حاتم ومكارمه فقالت: أعجبُ ما رأيتُ منه أنّه أخذني وإياه الجوع، وأسهرنا في سنة قحط، فجعلنا نعلّل سُفانة وعُدي حتى ناما، فأقبل عليّ يُحدثني ويُعللني حتى أنام، فأمسكتُ عن كلامه لينام، فقال لي أنمتِ؟ فلم أُجبه فسكت، ونظر في فناء الخباء، فإذا شيءٌ قد أقبل، فرفعَ رأسهُ فإذا إمرأةٌ، فقال ما هذا؟، فقالت يا أبا عُدي: أتيتك من عند صبيةٍ يتعاوون جوعاً، فقال لها: أحضري صبيانك فوالله لأشبعنّهم، فقامت سريعة لأولادها، فرفعتُ رأسي وقلت له يا حاتم: بماذا تُشبع أطفالها؟ فوالله ما نام صبيانك من الجوع إلاّ بالتعليل  فقال: واللهِ لأشبعنّك واشبعنّ صبيانك وصبيانها، فلما جاءت المرأةُ نهضَ قائماً وأخذ المدية بيده ، وعمد إلى فرسه فذبحها، ثم أجج ناراً، ودفع إليها شفرة، وقال قطّعي واشوي وكُلي وأطعمي صبيانك، فأكلت المرأةُ وأشبعت صبيانها، فأيقظتُ أولادي وأكلتُ وأطعمتُهم، فقال والله إن هذا لهو اللؤم، تأكلون وأهلُ الحيّ حالهم مثل حالكم، ثم أتى الحيَّ بيتاً بيتاً، يقول لهم إنهضوا بالنار، فاجتمعوا حولَ الفرسِ، وتقنَّع حاتمٌ بكسائهِ وجلسَ ناحيةً، فواللهِ ما أصبحوا وعلى وجه الأرض منها قليلٌ ولا كثير إلاّ العظمَ والحافر، واللهِ ما ذاقها حاتمٌ وإنّه لأشدُهم جوعاً.

(البوصلة)

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: