أسامة أبو ارشيد
Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on email
Email
Share on telegram
Telegram

رابط مختصر للمادة:

هذا العبث الرسمي الفلسطيني

أسامة أبو ارشيد
Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

لا تكمن المفاجأة في قرار السلطة الفلسطينية في العودة إلى مربع التنسيق الأمني مع إسرائيل واستئناف الاتصالات معها، بقدر ما تكمن في ردة الفعل المتفاجئة من كثيرين جرّاء ذلك. كتبت، وآخرون غيري من قبل، إن السلطة الفلسطينية مصمّمة بطريقة لا تقبل الفطام أو الفصم عن الثدي الإسرائيلي، سواء سياسياً أم أمنياً أم اقتصادياً. بمعنى أن وجودها، بشكلها الحالي، في حد ذاته، مرتبط باستمرار وجود الاحتلال. هذا أمر لا ينكره رئيس السلطة نفسه، محمود عباس، ولا ينكره المسؤولون الفلسطينيون الآخرون. ومن حاول ذلك كان مصيره التهميش أو القتل، وما مثال ياسر عرفات رحمه الله عنَّا ببعيد. هذه هي الحقيقة التي كثيراً ما نحاول غضّ الطرف عنها، ونحن نمنّي أنفسنا بإمكانية اجتراح مسار فلسطيني رسمي جديد في التعامل مع الاحتلال، وفي إعادة اللحمة الفلسطينية الداخلية، وإطلاق المشروع الوطني الفلسطيني مرة أخرى. ولكن ما نيل المطالب بالتمنّي، ولا أعلم ما إذا كنا في وضع يؤهلنا لاستعادة القرار الفلسطيني الوطني غلابا.

وتأسيساً على ما سبق، لا أريد أن أسوق في مسألة الصدمة المفتعلة من عودة السلطة إلى ما كنَّا نعلم أن حدوثه صائر، كما لا أريد أن أتورّط في مسألة التخوين والتشكيك في وطنية قيادة هذه السلطة، بقدر ما أريد أن أناقش بشكل مختصر مسوّغات العودة إلى سياقات العلاقة مع إسرائيل التي أثبتت فشلها أكثر من ربع قرن، هو عمر السلطة الفلسطينية.

إذا نظرنا في تبريرات مسؤولي السلطة، نجد أن أساسها أمران مركزيان. الأول، كما يقول رئيس الوزراء الفلسطيني، محمد اشتية، فوز جوزيف بايدن في انتخابات الرئاسة الأميركية، إذ يوجد فرق كبير بين ما يقوله هذا الأخير وما فعله الرئيس الخاسر دونالد ترامب لصالح إسرائيل. وبالتالي، فإن فوز بايدن، استناداً إلى اشتية، قد أحيا آمال عودة الولايات المتحدة إلى معادلة الأرض مقابل السلام، والتي تشكل أساس حل الدولتين. الثاني، تلقي السلطة رسائل إسرائيلية رسمية، شفوية ومكتوبة، حسب اشتية ووزير الشؤون المدنية الفلسطينية حسين الشيخ، بناء “على مبادرة من جانبنا”، تؤكّد التزام إسرائيل بالاتفاقات الموقعة مع الفلسطينيين. ويضيف الشيخ مبرّراً ثالثاً يتمثل في “الأزمة المالية الهائلة التي تحمّلها المواطنون الفلسطينيون” بسبب وقف إسرائيل دفع أموال الضرائب للسلطة.

إذا عدنا إلى المبرّر الأول، فلا شك أن المقاربة المفترضة لإدارة بايدن القادمة ستكون مختلفة عن مقاربة إدارة ترامب، وهي، على الأغلب، ستكون أكثر اتساقاً مع الموقف الأميركي التقليدي في العقدين الماضيين المنطلق من أرضية حل الدولتين. ولكن، قادة السلطة يغفلون جملة من الأمور هنا.

أولا، إن ثلاثة عقود من المفاوضات العلنية والسرية، وتحت إشراف إدارات جمهورية وديمقراطية متعاقبة، لم تنجح في إرغام إسرائيل، سواء تحت حكم اليمين أم اليسار أم الوسط، على القبول عملياً بدولة فلسطينية ذات سيادة على كامل الأراضي المحتلة عام 1967 وتكون عاصمتها القدس الشرقية.

ثانيا، نجحت إسرائيل على مدى العقود الثلاثة الماضية، أي خلال المفاوضات مع الفلسطينيين، في إجهاض أي إمكانية حقيقية لقيام الدولة الفلسطينية العتيدة عبر إحداث وقائع جديدة وصارمة على الأرض عبر الاستيطان، وهو الأمر الذي اعترفت الولايات المتحدة بشرعيته تحت إدارة جورج بوش الابن، عام 2004، فيما عرف بـ”وعد بوش”. وبمقتضى ذلك الوعد، فإنه “في ضوء الحقائق الجديدة على الأرض، بما في ذلك التجمعات السكانية الإسرائيلية القائمة، من غير الواقعي توقع أن تكون نتيجة مفاوضات الوضع النهائي عودة كاملة إلى حدود الهدنة عام 1949”. طبعا الإحالة في “التجمعات السكانية القائمة” كانت إلى الكتل الاستيطانية الكبرى في الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية. المفارقة هنا أن إدارتي باراك أوباما، الذي كان بايدن نائباً له فيهما، انطلقتا في مساعيهما إلى إيجاد تسوية آخذتين في الاعتبار هذا الوعد. أما الكارثة فكانت في الموافقة الفلسطينية الضمنية عليه، عبر الحديث عن “تبادل أراض” مع إسرائيل. ولعل في تدخل بايدن شخصياً لحذف كلمة “احتلال” من البرنامج الوطني للحزب الديمقراطي في شهر أغسطس/ آب الماضي، عند الإشارة إلى الوجود الإسرائيلي في الضفة الغربية والقدس الشرقية، ما يغني عن كل قول آخر.

ثالثا، صحيح أن إدارة ترامب أوجدت حالة من التماهي مع أجندة اليمين الصهيوني المتطرّف، بحيث تحولت إلى قناة لتمريرها ومحاولة فرضها على الفلسطينيين والمنطقة عموماً، إلا أن هذا لا يعني أن إدارة بايدن ستكون حليفاً للفلسطينيين، بل إنها ستعيد الموقف الأميركي إلى مربع الانحياز والتواطؤ مع إسرائيل، وإن لم يكن التماهي التام. ومن ثمَّ، يمكن استشراف موقف من إدارة بايدن يصرّ على رفض قرار إسرائيلي بضم أجزاء من الضفة الغربية، ولكنها لن تقطع العلاقة مع إسرائيل بسبب توسيع الاستيطان، حتى وإن لم ترض عنه. ولنا في خبرة بايدن نائبا للرئيس ثماني سنوات عبرة في ذلك. ولنتذكّر أيضاً، أن المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية المباشرة انقطعت منذ عام 2014، بعد فشل وزير خارجية إدارة أوباما، جون كيري، في حمْل إسرائيل على وقف الاستيطان، أو على الأقل تجميده. أيضاً، على الأغلب سيعيد بايدن فتح مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، وسيستأنف تمويل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين (أونروا)، وقد لا يلتزم بجلِّ خطة ترامب للتسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، المعروفة باسم “صفقة القرن”، إلا أنه واضح أيضاً، أنه لن يعيد السفارة الأميركية من القدس إلى تل أبيب، حتى وإن أعاد فتح قنصلية أميركية في القدس الشرقية. أما مسألة عودة اللاجئين وقيام دولة فلسطينية ذات سيادة على كامل الأراضي المحتلة عام 1967 فما هي إلا أضغاث أحلام. بايدن حليف لإسرائيل، يشهد على ذلك تاريخه السياسي الممتد خمسة عقود.

بناء على ما سبق، لا يمكن فهم حديث مسؤولين في السلطة الفلسطينية عن تقديم بوادر حسن نية استباقية لإدارة بايدن المقبلة، وكأنه بقي لدى الفلسطينيين ما يقدّمونه! إذا لم يكن هذا هو الوهم بذاته، وإذا لم يكن هذا خداعاً للذات، وإذا لم يكن هذا هو العبث، فماذا يكون؟

أما زعم تلقي السلطة رسائل رسمية من إسرائيل تؤكد التزامها بالاتفاقات الموقعة مع الفلسطينيين، وهو المبرّر الثاني لإعادة التنسيق الأمني مع الدولة العبرية، فهو أوهن من أن يردّ عليه، فتاريخ وعود إسرائيل الزائفة أكبر من أن يحجبها غربال تبرير قادة السلطة الفلسطينية. الأمر نفسه يقال عن استئناف دفع أموال الضرائب للسلطة، فهذه أموال فلسطينية، توظفها إسرائيل في تدجين الشعب الفلسطيني والتحكّم فيه.

الأزمة الحقيقية التي نحن بصددها، وأعاد موقف السلطة هذا التأكيد عليها، أن هذه القيادة لا تعتبر نفسها ممثلة لشعب تحت الاحتلال يناضل من أجل حريته، بقدر ما أنه تمَّ تكييفها لتكون امتداداً لنظام عربي رسمي، يرى نفسه في حالة صراع دائم مع شعوبه. ولعل في إعلان السلطة الفلسطينية إعادة السفيرين الفلسطينيين إلى أبوظبي والمنامة بعد سحبهما في شهري أغسطس/ آب وسبتمبر/ أيلول الماضيين، بذريعة رفضها اتفاقيتي التطبيع اللتين وقعتاها مع إسرائيل، وعدّتهما السلطة “خيانة للقدس والمسجد الأقصى والقضية الفلسطينية ودعما لتشريع جرائم الاحتلال البشعة ضد الشعب الفلسطيني”، ما يغني عن كثير تفصيل هنا. أيضاً، لا بد من التذكير بأن السلطة الفلسطينية صمّمت لتلعب دور أداة في ترسيخ الاحتلال الصهيوني بأقل التكاليف. هذا البعد أقرّ به عباس نفسه، عندما تحدّث يوماً عن “الاحتلال الديلوكس”. وسبق القول إن هذه السلطة لا يمكن أن تنفطم عن الثدي الإسرائيلي. بدون الاعتراف بهذه الحقائق، لا يمكن الحديث عن حلول وإعادة تأسيس لمشروع وطني جامع لكل الفلسطينيين وإطلاقه، وسنبقى ندور في الدائرة المغلقة نفسها من حوارات فصائلية – فصائلية، تبيعنا أوهاماً ولا تأتي لنا بثمار.

هل توجد طريقة لمغالبة كل تلك العقبات والتحدّيات؟ بصراحة، لا أعرف، فكل حديث عن إعادة صياغة المشروع الوطني، وترميم منظمة التحرير، وتجديد الشرعيات القيادية الفلسطينية، يبدو أقرب إلى المستحيل من الإمكان اليوم ضمن المعطيات والسياقات والإكراهات القائمة. ومع ذلك، ليس اليأس هو الحل، وعلينا أن نستمر في نضالنا حتى نستعيد استقلالية وشرعية قرارنا الوطني كفلسطينيين، بعيداً عن المتحكّمين فيه اليوم.

(العربي الجديد)

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

Related Posts