خبير لـ “البوصلة”: المشهد الفلسطيني لا يسر ولكنّ الرهان على المقاومة ما زال مستمرًا

خبير لـ “البوصلة”: المشهد الفلسطيني لا يسر ولكنّ الرهان على المقاومة ما زال مستمرًا

تقدير إستراتيجي لمركز الزيتونة يرجح استمرار حالة الانقسام وعدم تغير الأوضاع السياسية الفلسطينية

عمّان – البوصلة

أصدر مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات تقديره الاستراتيجي 127، الذي بحث السيناريوهات المحتملة للوضع الداخلي الفلسطيني على المدى القريب، مؤكدًا أن سيناريو استمرار حالة الانقسام وعدم تغير الأوضاع السياسية هو الأرجح.

ولكن التقدير أوصى بالسعي لبناء اصطفاف وطني لقوى المقاومة والمعارضة لمسار التسوية السلمية، ووضع تصور عملي وخريطة طريق لإنجاز هذا الاصطفاف، على أساس الثوابت والمصالح العليا للشعب الفلسطيني، واستثمار حالة الانسجام القائمة حالياً في مجال المواجهة الميدانية مع الاحتلال.

وفي قراءته للمشهد الفلسطيني اليوم وتداعياته، أكد الخبير بالشأن الفلسطيني وأستاذ العلوم السياسية في جامعة اليرموك الدكتور أحمد نوفل في تصريحاته لـ”البوصلة” أنه وعلى الرغم من أن المشهد الفلسطيني حاليًا لا يسرّ كثيرًا بسبب ممارسات السلطة الفلسطينية، لكن المشروع الوطني الفلسطيني ما زال حيًا عبر المقاومة والالتفاف الجماهيري الكبير حولها، الذي سيبقى مستمرًا حتى استعادة الحقوق والأرض وزوال الاحتلال.

وأشار نوفل إلى أنه يمكن أن نقسم المشهد إلى قسمين، أحدهما يتمثل في مشهد المقاومة الفلسطينية وأكبر مثال على ذلك صمود الشعب الفلسطيني على أرضه ومثال ذلك المعركة الأخيرة في سيف القدس، منوهًا إلى أنه في الوقت ذاته كان يجب أن تكون ردود فعل السطلة الفلسطينية بمستوى هذا الحدث الكبير الذي هو يعبر بشكلٍ واضح وجليّ عن استمرار صمود الشعب الفلسطيني في وطنه.

وأضاف أن هذا الصمود يعبر عن مشهد فلسطيني نضالي حقيقي، فيما المشهد الآخر نجد ردود فعل مخيبة للآمال من السلطة فهي ليست بمستوى تضحيات الشعب الفلسطيني الطويلة، وبالذات في الفترة الأخيرة.

وشدد نوفل على أن السلطة الفلسطينية اليوم تمثل فئة صغيرة جدًا لا سيما وأنها ليست منتخبة ولم تعد تعبر عن صمود الشعب الفلسطيني وتضحياته سواء كان في قطاع غزة أو الضفة الغربية وحتى في الشتات، مؤكدًا في الوقت ذاته على بطلان مزاعم السلطة وأحاديها عن تمثيلها للرأ العام الفلسطيني في الداخل.

وأشار  إلى أن السلطة انكشفت في الفترة الأخيرة ولا يمكن الرهان عليها، فهي تمثل اليوم (المشهد السوداوي) الذي تريد أن تفرضه على نضال الشعب الفلسطيني، مستدركًا بالقول: لكن الواقع بعكس ذلك، فهي لا تستطيع تغيير حقيقة نضال وتضحيات الشعب الفلسطيني والمشهد النضالي البطولي الذي رسمته المقاومة.

ونوه إلى أن من يلام ليس السلطة الفلسطينية كأشخاص، بل يلام القياديون في حركة فتح الذين صمتوا ولم يتحدثوا لرفض حالة العجز والخضوع التي وصلت لها السلطة، مستهجنًا رضوخ هذه القيادات للقمع والصمت على ما يجري في الساحة الفلسطينية باعتباره مصيبة مؤلمة، على حد وصفه.

كما وجه نوفل الاتهام لفصائل تابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية وتتلقى الدعم منها، معبرًا عن رفضه لهذا الصمتت، وتساءل أستاذ العلوم السياسية: أين هي هذه التنظيمات وأين تاريخها في نضال الشعب الفلسطيني ولماذا توقفت عن ممارسة الضغوط على السلطة الفلسطينية، ولماذا تراجعت عن لعب دور حقيقي في الدفاع عن النضال الفلسطيني.

وشدد على أن قيادة السلطة الفلسطينية لم تعد تمثل الشعب الفلسطيني، الذي يؤمن باستمرار النضال الفلسطيني منذ وجود الاحتلال حتى اليوم ويمارسه بتضحياته التي يقدمها بشكلٍ يوميٍ لرفض الاحتلال والعمل على زواله.  

وأكد نوفل أن “هذه القيادة المقاومة” هي التي تمثل الشعب الفلسطيني وإن كانت خارج السلطة الفلسطينية، ويكفي ما حدث في قطاع غزة من صمود بطولي وكذلك صمود المقدسيين بوجه الاعتداءات على القدس والمسجد الأقصى، معبرًا عن افتخاره بهذه الروح المقاومة التي يحملها الشعب الفلسطيني وهذا الذي يمكن الرهان عليه في المستقبل.

وقال نوفل إن التفاف الشعب الفلسطيني حول المقاومة ودعمه الكامل لها هو ما يجعل القيادة الفلسطينية في رام الله لا ترغب بإجراء الانتخابات لأنها ستخرج منها خاسرة بلا شك.

ووصف قيادة السلطة الفلسطينية بأنها “فئة اختطفت المشروع الوطني الفلسطيني باتجاه بعيد عن صالح القضية الفلسطينية”، مستدركًا بالقول: “بينما نضال الشعب الفلسطيني مستمر في وجل الاحتلال داخل فلسطين وفي الشتات”.

وشدد نوفل على أن “الشعب الفلسطيني مؤمن بقضيته والاستمرار بالمحافظة على ثوابتها وهذا ما يقلق العدو الصهيوني، فالقضية ليست مرتبطة بأن السلطة الفلسطينية تمثل الشعب الفلسطيني بتنازلاتها، بل لأن غالبية الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج وفئاته وتنظيماته المختلفة تؤدي هذا النضال وتدعم المقاومة”.

ولفت إلى أن “الدليل على ذلك لو أنه أجريت انتخابات حقيقية الآن لقامت الفصائل الفلسطينية والشرفاء في الساحة الفلسطينية لالتف الشعب حول هذه المقاومة التي ما زالت روحها موجودة لدى الطفل الفلسطيني والمرأة الفلسطينية، في القدس والأقصى وغزة والضفة وفي فلسطي48”.

وعبر نوفل عن قناعته المطلقة بأن “المشروع الوطني الفلسطيني ما زال حيًا وما زال يتنفس ومستمر بالنضال رغم محاولات العدول الصهيوني باستمرار قتل وإضعاف هذا المشروع بشتى الطرق”.

وأكد أن “المراهنة على قيادة السلطة الفلسطينية أصبحت مراهنة خاسرة، فبعد أن توقع البعض أن تغير مساراتها لكنها فشلت، واليوم المراهنة على بقية الفصائل والتنظيمات خارج منظمة التحرير الفلسطينية، حماس والجهاد الإسلامي والمعارضة الفلسطينية في الداخل والخارج”.

واستدرك نوفل بالقول: “إن المراهنة اليوم على الرأي العام الفلسطيني للضغط على السلطة الفلسطينية وعلى قيادات بحركة فتح، من أجل تغيير مواقفهم”

وختم نوفل حديثه لـ “البوصلة” بالقول: لا شعبية للسلطة الفلسطينية والشعب بكل ألوانه وتوجهاته ملتف حول المقاومة بكل تفصيلاتها،  ولذلك فإن المشروع الوطني الفلسطيني ما زال حيًا، وهذا ما تعرفه وتخاف منه دولة الاحتلال وبعض الدول العربية التي تريد التطبيع والانغماس فيه وتراهن على موقف السلطة الفلسطينية بالتراجع عن المشروع الوطني الفلسطيني، وهذا الأمر غير ممكن ويرفضه الشعب الفلسطيني إلى أن يستعيد حقوقه وأرضه ويزيل الاحتلال”.

السيناريوهات المحتملة للوضع الداخلي الفلسطيني

يذكر أن مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات أصدر تقديره الاستراتيجي 127، الذي بحث السيناريوهات المحتملة للوضع الداخلي الفلسطيني في أعقاب تطورين مهمين عاشتهما الساحة الفلسطينية خلال الأشهر الماضية، أولاهما تعطيل القيادة الفلسطينية لمسار الانتخابات والمصالحة، وهو ما أفقدها ما تبقى لها من ثقة ومصداقية؛ وثانيهما معركة سيف القدس، وما رافقها من تفاعل شعبي، ومن تصدّر المقاومة للمشهد الفلسطيني.

وبحسب التقدير الذي وصل “البوصلة” نسخة منه فإن السيناريوهات المحتملة تراوحت بعد مرور نحو خمسة أشهر على المعركة، بين استمرار حالة الانقسام وعدم تغيُّر الأوضاع السياسية؛ وبين إنهاء الانقسام وإنجاز اتفاق مصالحة وتوافق وطني جديد، وبين نجاح التوجه الإقليمي والدولي في إعادة تأهيل السلطة وتعزيز مكانتها؛ وبالتالي إضعاف قوى المقاومة؛ وبين نجاح قوى المقاومة في تشكيل اصطفاف وطني واسع يفرض نفسه على الساحة الفلسطينية؛ وبين تدهور السلطة الفلسطينية شعبياً ومؤسساتياً بصورة تدريجية، تفقدها زمام السيطرة على الأرض وعلى الوضع السياسي.

وفي المدى القريب، يظهر أن سيناريو استمرار حالة الانقسام وعدم تغير الأوضاع السياسية هو الأرجح؛ حيث إن حركة فتح غير جاهزة للتقدم في مسار المصالحة، ولا يوجد خطوات فعلية لترميم وضعها وتجاوز أزمتها الداخلية، وبموازاة ذلك يستمر ضعف دور الشتات الفلسطيني وعدم حضوره بصورة مؤثرة في المشهد الفلسطيني، ولم تتمكن قوى المقاومة حتى اللحظة من حيازة أوراق ضغط حقيقية قادرة على الدفع باتجاه تغيير الوضع القائم عبر المصالحة أو عبر مسارات أخرى. بموازاة ذلك، لا يوجد تغيير جوهري في الموقف الإقليمي والدولي يساعد على الخروج من المأزق القائم.

غير أن التقدير اعتبر أن لدى قوى المقاومة فرصة معقولة ولو على المدى المتوسط لبناء اصطفاف وطني واسع يملك قدرات أعلى في السعي لفرض الإرادة الشعبية الفلسطينية؛ وإنهاء حالة الاستئثار بالسلطة لدى طرف معيَّن.

وقد أوصى التقدير بالسعي لبناء اصطفاف وطني لقوى المقاومة والمعارضة لمسار التسوية السلمية، ووضع تصور عملي وخريطة طريق لإنجاز هذا الاصطفاف، على أساس الثوابت والمصالح العليا للشعب الفلسطيني، واستثمار حالة الانسجام القائمة حالياً في مجال المواجهة الميدانية مع الاحتلال. كما أوصى ببلورة رؤية وطنية توافقية طموحة وواقعية، لإدارة المرحلة القادمة وتوزيع الأدوار وتهديف الأداء في الضفة والقطاع وأراضي الـ48 والشتات بما يتناسب مع معطيات كل واحدة من تلك الساحات، وعلى قاعدة التكامل. ودعا إلى السعي لتشكيل قيادة انتقالية أو تفعيل الإطار القيادي الموحد، بما يوفر ظروف استعادة الثقة والمصداقية والجدية لمسار المصالحة الفلسطينية وإعادة ترتيب البيت الفلسطيني، بالإضافة إلى التحرك عربياً وإسلامياً ودولياً، لتوسيع دائرة الدعم والإسناد لمشروع المقاومة.

(البوصلة)

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: