لماذا تسربت “نظرية المؤامرة” حول كورونا للأردنيين؟

لماذا تسربت “نظرية المؤامرة” حول كورونا للأردنيين؟

عمّان – رائد الحساسنة

أكد الطبيب والخبير الإستراتيجي الدكتور منذر الحوارات في تصريحات إلى “البوصلة” أن كثيرًا من القناعات المرتبطة بـ”نظرية المؤامرة” في مواجهة جائحة كورونا تسربت للأردنيين لعدة عوامل موضوعية سواءً على الصعيد الداخلي أو الخارجي، محذرًا في الوقت ذاته من أن خطورة هذا الأمر تكمن في مظاهر عدم التزام أفراد المجتمع بمتطلبات وإجراءات الحفاظ على الصحة العامة والتباعد الجسدي ولبس القفازات والكمّامات لمنع انتشار الوباء.

وقال الحوارات إن البيئة الأردنية اليوم أصبحت خصبة ومهيأة نفسيًا للقناعة بأنّ هذا الفيروس مجرد “مؤامرة” لغياب العلم والتوضيح والمواد الإعلامية العلمية، مشددًا على ضرورة تعزيز فرص الحماية الشخصية والذاتية لكل إنسان من خطورة فيروس كورونا وتعزيزها إعلاميًا وقانونيا ومن خلال ترسيخ الوعي المجتمعي والعنصر الأهم تعزيزها بالشفافية.

اللايقين سببه ألم الإجراءات أم “ألم الفيروس”

وأكد الحوارات أن فيروس كورونا مرض جديد وإجراءاته قاسية وربما السلوك الذي اتبع من الإدارات الحكومية في العالم والنخبة العلمية التي تعاملت مع هذا المرض أعطت معلومات أحياناً متناقضة حول الفيروس وبالتالي خلقت نوع من اللايقين عند الناس.

وتابع حديثه بالقول: هذا اللايقين فرض نفسه باعتبار ما اقتنع به بعض الناس من أنه “مؤامرة دولية” والبعض اعتبره ضمن سياق العلم، ولكن لا يهم فالمجتمعات العادية تفكر وفق ما تريد أن تتصرف، لكن إذا كان المجتمع العلمي منقسمًا وشاهدنا قبل أيام البعض يتحدث أن هذا الفيروس قد تمّ تصنيعه، فكيف يمكن أن يلام الناس؟

د. منذر الحوارات: الأردنيون لم يعانوا من آلام جائحة كورونا ولكنّهم عانوا من إجراءات مواجهتها

ونوه إلى أن أي متجول في طرقاتنا وأسواقنا يستطيع أن يلاحظ عدم التزام المجتمع بإجراءات السلامة العامة من لبس الكمامة والقفاز، وحتى عندما تدخل إلى مستشفى تجد الناس يتصرفون وكأن أمر المرض لا يعنيهم.

وأوضح أنه “ربما في الأردن لم تحصل حالات كثيرة ولم يعاني الأردنيون من المرض بذاته ولكنّهم ربما عانوا من الإجراءات التي حصلت بنتيجته”.

مكامن التقصير الحكومي

ولفت الحورارات إلى أن الحكومة والدولة مقصرة بسبب أنها لم تقدم الرواية العلمية المبسطة التي لا تأخذ شكل فرض الأوامر والإرشادات؛ بل يشبه ما قدمته دولٌ لمواطنيها من برامج برامج علمية متلفزة تنتهج تعزيز قناعات مواطنيها بالتقدم العلمي والطبي وحرصه على المحافظة على سلامة المجتمع وصحته العامّة.

ونوه الخبير الإستراتيجي إلى أن منهج مادة العلوم في بلادنا كان ضعيفًا، بحيث أن قناعة الناس بالعلم ومنجزاته والنتائج التي تؤدي إلى الأمراض حتى الآن غير مترسخة في أذهان الناس.

وشدد على أن هذا الأمر يجعل الناس يذهبوا لتفسيرات غير منطقية في كثير من الأحيان، وبالتالي يخرج من فكرة العلم إلى فكرة “التآمر والمؤامرات الدولية”، وهذا يتصل مع موروث جوهري لمجتمعات الشرق الأوسط والعالم العربي بشكل خاص أن ما يأتي من الخارج ليس جيدًا ويدبّر لنا فيه الشر.

وقال الحوارات: مرت على المنطقة موجات من ظلم الآخرين وبالتالي ما يزال الظلم الأكبر موجودًا باحتلال الكيان الإسرائيلي لفلسطين، وبالتالي أي شيء يأتي من الخارج ويصنع من الأماكن البعيدة خارج حدودنا قد يكون فيه مؤامرة علينا.

وشدد على أن غياب العلم والتوضيح وغياب الدعاية المتسقة مع بساطة الناس، ووجود بيئة مهيأة نفسيًا للقناعة بأن هذا الفيروس مؤامرة، خلق شيئا واحدا هو عدم الالتزام بإجراءات السلامة العامة، لأن الناس عندما تنسف الفكرة من أساسها، فبماذا ستلتزم؟

خطورة الكلام اللاعلمي والتسييس

وأشار الحوارات خلال حديثه إلى “البوصلة” إلى ضرورة وضع ضوابط على الكلام اللاعلمي، قائلا: “حينما يصرح شخص مسؤول، أو من مؤسسة تعدّ نفسها مؤسسة علمية ويتحدث بطريقة غير متسقة مع المعايير العلمية، يجب أن يسأل ويؤتى به، ليحاجج الناس من العلماء مثله ولكن بطريقة علمية، وليس بطريقة “الهوبرة” والخروج على الفضائيات ببرامج كلها صراخ بصراخ”.

وأوضح أنه يجب أن يطلب من هؤلاء الإثباتات والبيانات العلمية التي استند إليها ليتحدث عن أن هذا الفيروس من تصنيع البشر، ومثل هذه المعلومات المرتبطة بالعديد من الروايات التي سمعناها في آخر أسبوع أسهمت بشكلٍ واضح في تضليل الناس.

وأكد الخبير الإستراتيجي أن هناك أسبابًا أخرى لتبنّي الناس لنظرية المؤامرة في تفسير ما يجري حول جائحة “كورونا” وأهمّها طريقة استخدام الفيروس لأغراض سياسية، وهو أمرٌ مشروعٌ بالنسبة لكثير من الدول، فأمريكا استخدمت جائحة كورونا سياسيًا لتضع الصين في موضع من النزاع، لأن في السياسة الأمريكية الرئيس بحاجة لخصم حتى يبرئ نفسه من أي تقصير.

وتابع، كذلك في الصين أرادوا أن يضعوا أمريكا في موضع اتهام وبالتالي ألقوا باللائمة عليها، واستخدام السياسيين في الدول العظمى للفيروس كأداة سياسية جعل الناس في حيرة من أمرها، مستدركًا بالقول: “إذا كان هؤلاء الذين يقودون دولاً عظمى يتحدثون بهذه الطريقة، فما بال الناس العاديين؟”.

وشدد الحوارات على أن مجموعة من العوامل أدت في النهاية إلى قناعات مزيفة حول فيروس كورونا وبالتالي أدت إلى مسألة عدم الالتزام بوسائل الوقاية الصحية في المجتمع الأردني بشكل جدي هذه الأيام.

ما هي مهمة الدولة اليوم؟

وقال الحوارات: أعتقد أن مهمة وزارة الصحة والجهات التعليمية ووزارة التربية والتعليم وكل مؤسسات الدولة والقطاع الخاص لا نبرئهم أيضًا، أولا أن يلتزم بمعيار تدريب المحاججة، ثانياً أن تطبق الدولة القانون ففي النهاية هناك أوامر دفاع غايتها كانت العزل المجتمعي.

وتابع حديثه: الآن تريد أن تنفتح وتترك العزل المجتمعي، وتذهب إلى مسألة العزل الشخصي، كيف أذهب إليها، وهنا يجب علينا أن نطبق القانون على من لا يلتزم بالعزل الشخصي فقط، مؤكدًا أن قيام مسؤول في الدولة بتحرير مخالفة لعدد من المحلات التجارية لعدم الالتزام بوسائل الحفاظ على الصحة العامة والتباعد الجسدي، سيجعل الجميع يلتزم بتطبيق القانون.

وعبّر الحوارات عن استهجانه لما نشاهده اليوم من “سيولة غريبة” في المشهد اليوم الذي يعطي انطباعًا وكأن كل إجراءات مواجهة الجائحة ليست ذات جدوى.

وقال الحوارات: “بالأمس أثناء استماعي لمداخلة وزير الصحة على قناة الجزيرة تحدث بأنه ليس المسؤول عن هذا الأمر وهو مجرد عضو في لجنة؛ إذن من المسؤول عن الرعاية الصحية في الأردن إذا كان الوزير غير مسؤول؟ في النهاية حتى لو كنت كوزير عضوًا في لجنة توكل إليك مهمة ا لرعاية الصحية في البلد وأنت من تخرج القرار النهائي للناس ومن يقوله، وبالتالي لا يمكن في بلدنا أن يكون الوزير مجرد أداة بل إن الوزير صاحب قرار”.

وشدد أنه يجب على الدولة وخلية الأزمة أن تطبق القانون، فلا يعقل أنا كمواطن ألتزم بارتداء القفاز والكمّامة ثم أدخل لسوق وأجرد العشرات لا يرتدون الكمّامات أو القفازات، فعدم التزام المعايير الصحية ستجعل الملتزم يدفع ثمنًا كغير الملتزم، وهل يعاقب الملتزم لأنه ملتزم ويترك غير الملتزم وكأنّ شيئًا لم يكن، فلماذا وجد أمر الدفاع إذا لم يطبق بحذافيره.

تأخير فتح المساجد عزز نظرية المؤامرة

وضرب الحوارات مثالًا على التردد الحكومي وتأخير بعض القرارات وكيف أسهم بتعزيز نظرية المؤامرة لدى الأردنيين، قائلا: “تأخر الدولة في إعلان فتح المساجد رغم الانفتاح الذي جرى في عدد كبير من القطاعات والأسواق مثالٌ واضحٌ جعل الناس تشكك في قرارات الحكومة.

وقال الحوارات: لم أسمع محاججة حكومية حتى اللحظة مقنعة للناس بسبب استمرار إغلاق المساجد،  رغم أني كطبيب مؤمن تمامًا أنه يمكن أن يحدث في المساجد اكتظاظ كبير جدًا وفي هذا خطورة بانتشار الفيروس لا قدّر الله.

وعبّر عن خيبة أمله من استبعاد مؤسسات المجتمع المدني من آلية اتخاذ القرار في خلية الأزمة، متسائلاً لماذا لم يشرك ممثلون عن النقابات الطبية والقطاع الخاص، وهؤلاء كانوا يجب أن يكونوا أجزاء أصيلة من خلية الأزمة وبالتالي يؤخذ برأيهم وخاصة نقابة الأطباء التي أكدت أنه ليس هناك ما يمنع من فتح المساجد على سبيل المثال.

وقال الحوارات: ربما لجنة الأوبئة كان لها قرار مخالف منذ البداية وأنا لست عضوًا فيها، لكنّي لا أجد مبررًا لانفتاح كل القطاعات وإبقاء المساجد مغلقة، وليس لديّ تفسير مقنع حول ذلك، رغم أن التفسير العلمي لخطورة التجمعات الكبيرة ممكن، ولكن يكفي أن نذهب لمحل شاورما اليوم لنشاهد التجمعات الكبيرة والازدحامات وما تشكله من خطورة ومع ذلك لم يتمّ منعها.

وعزز الخبير الإستراتيجي ما ذهب إليه بما حصل من إعلان الحظر قبل العيد واندفاع الناس إلى الأسواق والشوارع لتأمين نفسها من الاحتياجات الغذائية، مشددًا على أن هذا بحد ذاته ألغى فكرة أي حجر لاحقة، فهل تركت الناس لثلاثة أيام فقط ليختمر الفيروس ويظهر لاحقًا لا سمح الله بسبب هذه المخاطرة والسماح للناس بالتزاحم والتجمّعات الكبيرة في الأسواق.

الحظر تدريب للحكومات على القمع

وقال الحوارات إن الحكومات في العالم أخذت تدريبا ممتازًا على آلية للقمع المستقبلي، عبر أداة لتقييد المجتمعات وهي “الحجر والحظر”، التي لم تجرب خلال القرن الماضي، وهذه التجربة الحية ستستخدم لاحقًا في معالجة قضايا سياسية واجتماعية.

ونوه إلى أن الحكومة وأي حكومة في العالم تعجبها الإجراءات القمعية وبالتالي تتمسك فيها، لأنها في النهاية واحدة من الأدوات التي تؤمن لها السيطرة.

وأضاف، “لاحظنا نشاط المجتمع المدني في الغرب وقوته، حيث بدأ التحرك سريعًا حتى لا تصبح هذه الأدوات والقواعد ضمن السياسيات المستقبلية للمجتمعات الأوروبية، لأن هناك يسمح للمجتمع المدني بالحركة”.

وأوضح أن المجتمع المدني في حالتنا إذا أراد أن يتحرك، يتحدث بالمواربة عن نظرية مؤامرة ووجود هدف ما وراءها، لكن لا يتحدث مباشرة في صلب الموضوع عن أن هذا الحجر بصيغته المفاهيمية هو “قمع” ويجب أن لا يسمح له بالاستمرار لفترة أكثر من وقف الجائحة عند حدٍ معين.

وختم الخبير الإستراتيجي حديثه بالقول: طالما انتهت هذه الفكرة ووزير الصحة تحدث أن لدينا الخبرة الكافية اليوم للتعامل مع الحالات وأننا الآن أفضل ممّا ابتدئنا بمواجهة المرض، وهذا جدًا ممتاز، إذن، لنعتمد على ذلك لتعزيز فرص الحماية الشخصية والذاتية لكل إنسان وتعزيزها إعلاميًا وقانونيا والوعي المجتمعي وتعزيزها بالشفافية”.

(البوصلة)

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: