ما بين سدين وسيرين.. أرواح تزهق في الأردن لهذه الأسباب

ما بين سدين وسيرين.. أرواح تزهق في الأردن لهذه الأسباب

البوصلة – محمد سعد

“لو كان معها تأمين كان عملنا العملية بمستشفى خاص على حساب البشير، بس هي كملت ست سنوات في شهر 12 الماضي وخسرت تأمينها”.. بهذه الكلمات لخص خالد والد الطفلة سيرين حسرته على ابنته التي فقدت حياتها بسبب عدم توفر أسرة كافية لإجراء جراحة مستعجلة إثر انفجار الزائدة الدودية لديها.


سيرين كانت دخلت مستشفى البشير عصر يوم 24 آب (أغسطس) الماضي بعد أن شخصها طبيب في القطاع الخاص بإصابتها بالزائدة الدودية وأوصى بإجراء عملية مستعجلة، وعلى إثر ذلك اصطحبها والدها إلى مركز صحي الهاشمي الشمالي ومن هناك تم تحويلها إلى طوارئ البشير، لكن عدم توفر أسرة حال دون دخول ابنته لإجراء العملية إلا بعد 30 ساعة.


يقول عناية: “المناوب الإداري قال لو معك تأمين حكومي بننقلها على أي مستشفى خاص تعمل العملية”، رديت عليه “يعني اللي معاه تأمين يعيش واللي ما معاه يموت”.
وينص نظام التأمين الصحي المدني، بموجب المادة 26 منه على معالجة الأطفال الأردنيين دون سن السادسة من العمر في المراكز والمستشفيات التابعة لوزارة الصحة مجانا شريطة عدم شمولهم بأي تأمين صحي آخر.


وفي حال عدم توفر العلاج في المستشفى بموجب التأمين يحيل المرجع المختص في المستشفى المريض الى مكان آخر يتوفر فيه العلاج بما في ذلك المستشفيات الخاصة المتعاقدة مع وزارة الصحة باتفاقيات.


سيرين أكملت سنواتها الست في السابع من كانون الأول (ديسمبر) الماضي، أي إن ثمانية أشهر ونصف كانت الفاصل لامتلاكها تأمينا صحيا يضمن حقها في الصحة والحياة، لكن ما حدث على أرض الواقع أن “سيرين أدخلت إلى غرفة العمليات في اليوم التالي عند الساعة التاسعة مساء”، وفقا لوالدها الذي بين أن “العملية كانت مقررة في منتصف الليل لكن الطبيب المختص قرر إرجاء العملية الى التاسعة بعد أن ساءت حالتها وانتفخ بطنها بشكل كبير”.


بعد مرور وقت قصير على إجراء العملية توفيت سيرين اثر مضاعفات الزائدة الدودية نتيجة لتأخر التدخل الجراحي.


وجددت وفاة سيرين مطالبات كانت أطلقت سابقا لرفع سن التأمين الصحي للأطفال الى سن 18 عاما، خصوصا وأن مسودة قانون حقوق الطفل للعام 2019 والتي ما تزال حبيسة أدراج مجلس الوزراء نصت على رفع سن التأمين الصحي الحكومي المجاني للأطفال إلى 18 عاما اضافة الى توفير خدمات صحية وعلاجية لائقة للأطفال تضمن حقهم في الصحة والحياة.


وبحسب المادة 13 من مسودة قانون حقوق الطفل الذي اعده المجلس الوطني لشؤون الأسرة بالتعاون مع “اليونيسف” فقد نص على ان “لكل طفل غير مؤمّن الحق في الحصول على الخدمات الصحية الأولية المجانية، كما تقدم الخدمات الصحية للطفل في الحالات الطارئة والتي تهدد حياته مجاناً”.


وحددت المادة مسؤولية وزارة الصحة باتخاذ كافة التدابير المناسبة لتمتع الطفل بأفضل مستوى من الصحة يمكن بلوغه، بما في ذلك تواجد طبيب مختص في طب الأطفال في المستشفيات والمراكز الصحية الشاملة.

وفي هذا السياق يرى خبراء أنه “رغم الضغط الذي تسببت به أزمة جائحة كورونا على القطاع الصحي لجهة نقص الأسرة والخدمات الطبية نتيجة تخصيص مستشفيات كمستشفى الأمير حمزة للتعامل مع وباء كورونا، لكن الواقع المتعلق بتردي جودة الخدمات الصحية وضعف شبكة التأمينات الصحية الحكومية هي اشكالية قديمة، مذكرين بقضية الطفلة سدين الفسفوس ذات التسع سنوات والتي توفيت في العام 2017 بانتظار الحصول على إعفاء طبي لاجراء تدخل جراحي في الدماغ بعد تشخيص إصابتها بتضخم في حجرات الدماغ.


وكانت سدين الفسفوس دخلت مستشفى الاميرة رحمة الجامعي في اربد وشخصت حالتها هناك بتضخم في حجرات الدماغ، لكن ونتيجة لعدم وجود اخصائي جراحة أعصاب أطفال تطلب الأمر تحويلها الى مستشفى الملك عبدالله المؤسس الجامعي، إلا أنه وبسبب عدم وجود تأمين صحي كون سدين تجاوزت سن الست سنوات، والتأخر في الحصول على إعفاء لدخول مستشفى الملك المؤسس، تدهورت حالة سدين الصحية وكان دخولها الى مستشفى الملك المؤسس بعد فوات الأوان حيث وصلت “متوفاة دماغيا”، ليتم اعلان وفاتها هناك.


عائلة سدين الفسفوس كانت توجهت الى القضاء بشكوى إهمال وخطأ طبي بحق العاملين بمستشفى الاميرة رحمة بحسب محامي العائلة أمجد بني هاني الذي بين أن القضية ما تزال منظورة أمام القضاء وبانتظار تقرير الخبرة الطبية للحكم في القضية”.


يقول بني هاني “لو تم تحويل سدين وإجراء التدخل الطبي لكانت سدين حية اليوم، كل ما كان مطلوبا تركيب بربيش من قبل أخصائي جراحة أعصاب، لكن رفض مستشفى الأميرة رحمة التحويل بسبب عدم وجود تأمين او إعفاء هو سبب الوفاة. ما حصل مع سدين وتكرر اليوم مع سيرين هو اهمال وخطأ طبي بتقدير خطورة الوضع الصحي”.


وأضاف، “المسألة مزيج بين خلل في المنظومة لا يحمي الحق في الصحة والحياة للأطفال بحجة غياب التأمين أو عدم كفاية الأسرة، وبين إهمال طبي لا رادع له أو منظومة قانونية تضبطه”.
يسعى والد سيرين خالد عناية إلى السير بالإجراءات القضائية لمحاسبة المقصرين في وفاة ابنته كما فعلت من قبله اسرة الطفلة سدين، ويقول “سمعت في الاخبار عن زيادة عدد الكوادر بالبشير بس شو الفايدة اذا ما كان في أسرّة، سكروا المستشفيات عشان الكورونا وعشان ما تموت الناس من كورونا، بس كم هناك مثل سيرين مات من شي ثاني بسبب الاهمال ونقص الرعاية الطبية”.
في هذا السياق تقول المديرة التنفيذية لمنظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية “أرض العون” سمر محارب، “رغم الفداحة والألم تذكرنا وفاة سيرين بحقائق صادمة هي: تدني مستوى الخدمات الصحية وضعف استراتيجيات حماية الطفولة، وواجب الدولة لتأمين أفضل سبل العيش الكريم الممكن للأطفال.

وأشارت الى أن تكرار هذه الحوادث يشير الى ضعف بأداء مزودي الخدمات الصحية وتهاون في تطبيق المساءلة القانونية والإهمال الطبي وضعف الرقابة على واجب الحكومات المتعاقبة.
وأضاف، “ما علينا فعله الآن، أن ننتقل من حيز اللوم والحساب والعقاب، للبدء باتخاذ إجراءات جدية لزيادة الاستثمار بالقطاع الصحي الحكومي، وضمان توفير خدمات الرعاية الصحية للجميع وخصوصاً الأطفال، ووقايتهم من الخطر وتبعات الفقر وضعف التأمين الصحي لهم”.


ويتفق الأمين العام للمجلس الوطني لشؤون الأسرة الدكتور محمد مقدادي مع محارب في الرأي ويقول “معظم وفيات وأمراض وإعاقات الأطفال يمكن الوقاية منها شريطة وجود التزام سياسي وتخصيص موارد كافية يجب أن تتاح بكمية ونوعية كافيتين، وأن تكون ميسورة وفي متناول جميع شرائح الأطفال، ومقبولة للجميع”.
ويضيف، “ينبغي أن تكفل الدولة وجود قوى عاملة كافية مدربة تدريباً مناسباً لدعم توفير الخدمات الصحية لجميع الأطفال”.


ويذكر مقدادي ببنود الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل التي صادق عليها الاردن والتي تنص في المادة 24 “على الدول الأطراف واجب قوي يُلزمها باتخاذ إجراءات تكفل توفير الخدمات الصحية والخدمات الأخرى المناسبة لجميع الأطفال وإمكانية حصولهم عليها، مع إيلاء اهتمام خاص للمناطق والفئات السكانية التي لا تحظى بخدمات كافية”.
ويلفت مقدادي الى مسودة قانون حقوق الطفل والتي تنص على توفير الرعاية الصحية للاطفال دون سن 18 في الاردن والتي تنص كذلك على نوعية وجودة تلك الخدمات.


من جانبه يلفت مستشار اول الطب الشرعي، الدكتور هاني جهشان الى المادة 6 من الدستور الاردني والتي تنص على ان “القانون يحمي الأمومة والطفولة والشيخوخة”.
ويقول جهشان؛ المفهوم العام لحقوق المريض يندرج تحت عدة حقوق من مثل “حق المريض على الدولة كضامنة لحقوق الإنسان لجميع مواطنيها، وحق المريض على مؤسسة التأمين الصحي المعنية بعلاجه، وحقه على الطبيب الذي يقدم له العلاج مباشرة”، مشددا على أن حياة المرضى وحياة الأطفال ليست أرقاما في ميزانية الدولة، وأمراضهم ليست مديونية بحاجة لقرارات إصلاح اقتصادي.


ويلفت جهشان إلى هناك مشكلة حقيقية وخطيرة بغرف الطوارئ في كل مستشفيات الحكومة والقطاع الخاص بسبب رفض تقديم العلاج إلا بعد ضمان وجود تأمين صحي وضمان وجود سرير متوفر لاستقبال المريض خاصة بالمستشفيات الحكومية.
ويعتبر أن معالجة هذه الاشكالية يجب ان تكون من خلال فتح ملف طبي مباشر في جميع غرف الطوارئ بالمملكة بغض النظر عن نوع التأمين الصحي.


ويتابع “حقوق المريض على الدولة وعلى المؤسسة المؤمن لديها ينبغي أن تضمن سهولة النفاذ لخدمات رعاية صحية وقائية وعلاجية جيدة، بما في ذلك حقه بسهولة الوصول والنفاذ لخدمات الرعاية الصحية الطارئة، إضافة الى حق المريض في اختيار مقدمي الرعاية الصحية له، وحق المريض بالتحويل لخدمات الرعاية الصحية المتخصصة والمتقدمة، وحق المريض في الحصول على العقاقير الطبية الموصوفة له بسهولة ويسر.


أما حقوق المريض على الطبيب فتتمثل وفق جهشان في حقه أن يعامل باحترام دون المساس بكرامته، واتخاذ القرارات المتعلقة بالإجراءات التشخيصية والعلاجية المتعلقة في حياته، وحقه بالحفاظ على السرية في جميع مراحل العلاج، وحقه بعدم استغلال مرضه لحصول الطبيب على حوافز أو أجور إضافية غير حقيقية.

الغد

https://twitter.com/HILDAAJELAT1/status/1302879858943553536?s=20

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: