كاظم عايش
كاظم عايش
Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on email
Email
Share on telegram
Telegram

رابط مختصر للمادة:

أنا والقلم

كاظم عايش
كاظم عايش
Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

لم يعد قلما، فهو الآن لوحة مفاتيح، خطوطها مرسومة سلفا، والخط فيها لا يعبر عن مشاعري، بل هي مشاعر المبرمج الذي اختار الخطوط وخزنها، حتى أخطائي يصححها، ولأنني لست ضليعا في عالم التقنيات، فأجد نفسي عاجزا عن إيجاد الشدة والضمة والفتحة، واذا حاولت ذلك استغرقني وقتا في التجربة والخطأ، أو اضطرني للجوء الى بعض العارفين .

لم يعد لي في عالم الكتابة إلا أفكار، حتى هذه يحاول عالم التقنية أن يتدخل فيها، فيقترح علي بعض الالفاظ والكلمات، كأنه يقول لي :لقد أصبحت وأمثالك عالة علينا، ويوشك أن تقود التقنية كل شيء في حياتك وحياة الاجيال القادمة، ولن يكون لكم أي دور، لقد اجتالكم عالم التقنية كما تجتال الشياطين جموع الناس الى مصيرهم المحتوم.

لقد تحول كل شيء الى حالة مركزية تتحكم فيها قوى خفية لا تظهر على المسرح، عولمة لم نكن ندرك كنهها حين سمعنا بها لأول مرة، تصنع كل ما يحلو لها، وتوزع علينا الادوار بطريقة لا رحمة فيها، تصنع لنا الامراض وتنشرها، وتصنع الترياق وتبيعه لنا، ليظهر أنه لم يكن ترياقا ولا شفاءا، وإنما المزيد من الالم والاذى والوقيعة لنقع في حبائل حكام الارض الجدد، الذين يملكون المال والنفوذ والاعلام، ويا ويل من يقف في طريقهم، يمزقونه إربا، ويمنعون أحدا من البكاء عليه، بل يصبح مجرد إعلان الحزن عليه جريمة تستدعي تهمة الارهاب، وما أدراك ما الارهاب، إنه التهمة الجاهزة لمن يحاول أن يكتشف ما يجري على وجه الحقيقة، وعقوبته شديدة وشرسة، معنويا كانت أو مادية، فهو مسكون ابتداءا بنظرية المؤامرة، وهو متخلف ومتحجر عقليا، وهو بالمحصلة خطر لا بد من التخلص منه، وحين يتم القبض عليه، لا يوثق وثاقه أحد، ولا يدري بمصيره أحد، ولا يعرف سبب لموته أو اختفاءه.

حالة من الرعب صنعتها أفكار العالم الصغير، يحدثونك عن أسلحة ذكية تميز الالوان والاعراق، وتنتقي ضحاياها دون أن تتردد في قتلهم، لم يعد للبعد البشري والانساني قيمة حتى في أثمن ما يوجد في هذه الدنيا، الحياة، كل شيء صار تحت الرقابة والسيطرة، فقد أخذت الارض زخرفها وازينت، وظن أهلها أنهم قادرون عليها، فالكم الهائل من المعلومات التي يمكن رصدها وجمعها وفرزها وتبويبها وتوظيفها فاق كل خيال، وتعدى كل حدود المتوقع، وأكثر من يشعرون بهذا الفرق هم أجيالنا، الذين عاشوا فترة ما قبل الطفرة التقنية، الذين عايشو اساليب التخفي الذكي، والمكر الساذج، الذين استخدموا مصطلحات السرية والعلنية، ليجدوا أن ما كان يعتبرونه سرا أصبح الآن على رؤوس الاشهاد، وأن ما كان خفيا، يعرض الآن على شاشات العالم كله، فيراه الناس بكل الالوان واللغات والهيئات والاوضاع، وتسقط نظرية السرية، ونظرية المؤمرة، فقد أصبح العالم مستباحا في أخلاقه وأسراره وعوراته، أصبح الحياء فكرة مستهجنة، والعفة والطهارة مصطلحات ما قبل التقنية الحديثة، وأصبح الاقدام والجرأة سقوطا في هاوية الواقع المرير كأن صاحبه تتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق.

عشنا لنرى كل هذا التحول المبهر في عالم افتراضي، يحن فيه المرء الى الحقيقة حنين الجذع الى جوار النبي، عشنا لنرى ما كان يتراءى لنا خيالات بعيدة، فاذا هو حقائق اليوم، والأنكى من ذلك أنهم لا يتوقفون، فيقولون لك أن هذا ليس نهاية المطاف، فاذا ظننت أن هناك خيالا لم يتحول الى حقائق بعد، فلن تنتظر طويلا حتى تراه كذلك، حتى أن العقل ليعجز أن يتخيل أكثر مما يجري، وإن كنا لم نستوعب بعد ما جرى، لنتخيل ما هو آت.

تقول بعض النظريات العلمية أن المستخدم من دماغ البشر لا يتعدى عشرة في المائة، يحتوي الدماغ البشري على نحو 100 مليار خلية عصبية، كل منها قادر على عمل نحو 10 آلاف اتصال (أو نقاط تشابك عصبي) ​​في المتوسط، مع الخلايا المجاورة.

فإذا صح ذلك، فان التطور التقني المنتظر لا علاقة له بما توصلنا اليه، أو توصل اليه الآخرون لا فرق، فهي تجربة وتراكم خبرات بشرية، وهو المعنى الذي تفهمه من قول الحق تعالى (وعلم آدم الاسماء كلها)، وهو الذي أهل الانسان ليكون خليفة في الارض، وإن كان يبدو أنه نسي شروط الاستخلاف وذهب بعيدا بكبره وغروره ظنا منه أنه صار قادرا عليها، فاستخف بضوابط استخلافه، وتجاوز حدود العدل والاخلاق التي تحمي استمرار الوظيفة التي عهد اليه بها، فهو ينتظر نهايته على طريقة الافلام الامريكية التي تتحدث عن أشياء مبهرة وعجيبة صنعها الانسان بمكره، ثم جاءت لحظة لتنسف فيها كل ما توصل اليه، تبقى حقائق ما جرى في ذمة المخرج الذي حلم كثيرا، وأفاق على النهاية البائسة .

أنا والقلم، الذي تعلم به الانسان ما لم يعلم سنبقى على صلة، حتى لو تحول الى لوحة مفاتيح تحاول التدخل في مساحة كبريائي، وتشعرني بالضعف والهوان، فأنا لا استسلم، لأنني خلقت كي لا أفعل ذلك.

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

Related Posts