اللهم فهمنا ولا تضلنا
أيهما أخطر: شيطان أخرس أم شيطان متكلم يهرف بما لا يعرف؟
لا يزال في صفنا نحن المسلمين فريق من الناس يصوغ التعبير عن عدم فهمه بعبارات لا تدل إلا على عدم فهمه، فبعد شهر ونصف من اندلاع طوفان الأقصى ما زالت هذه هي بنات أفكاره الفذة : لماذا فعلت حماس فعلتها فألهب يهود الأرض من تحت أقدام الغزيين بالجملة؟ لماذا الاعتداء على المدنيين اليهود؟ هل لأهل غزة طاقة بكل ما نزل بهم من عقاب جماعي؟ وربما تبدو هذه أسئلة تقليدية غير مستفزة إذا قورنت بالاعتراض العجيب:هل يجوز القتال تحت راية غير راية ولي الأمر؟ وهل يجوز القتال تحديدا تحت راية جماعة عقيدتها فيها دخن؟
لو كان هؤلاء الذين يطرحون استنكارهم ويبدون اشمئزازهم من جهاد غزة، لو كانوا خرسا لكنا نكِل بواطنهم لمن يعلم السر وأخفى ولقبلنا ستر حالهم ولم نفتش على قلوبهم، أما الناطقون من أهل الوسوسة في صفوفنا فكأنهم ما دخلوا مدرسة ولا فكوا خطا، وليتهم كذلك فإن عواجيزنا الأميات بفطرهم السليمة أشد فطنة منهم، ولن نذكرهم بحال المسلمين في تاريخهم وهم يقاتلون من غير تكافؤ في عدد وعدة لأننا ذكرنا ذلك مرارا فلم يثمر في تحريك وجدانهم، غير أنا نريد أن نبسط الأمر أكثر فنسألهم : أإذا دهم بيتك لص أتدفعه من فورك أم تنتظر حتى تأخذ إذن إمام المسلمين؟ وماذا لو منعك ولي الأمر من أخذ حقك وأوصد باب العدالة في القصاص ممن احتل أرضا ونهب خيراتها ودنس مقدساتها؟ أم صوابٌ تفكيرك إذا تركت عدوا يعتدي على عرضك لأنك غير كفء له ولا تقوى عليه فتتركه ينهش عرضك؟ أما حكاية المدنيين اليهود فهي نكتة سمجة لأن قطط البيوت وكلاب الشوارع في فلسطين تعرف أن لا مدني من اليهود المحتلين أرض فلسطين التاريخية، وأن وليدهم يرضع الحقد على من سرق أهله أرضهم واستحلوا مالهم وزرعهم، ومع الحقد يدرب على أدواته من الأسلحة المادية والمعنوية، وكل يهودي هو إما جندي نظامي أو احتياط، أما ادعاء دخن في عقيدة حماس فهو ما يكذبه واقع تنظيم يحفظ منتسبوه القرآن منذ الصغر، ولا تسل عن قيامهم وصيامهم وحسن أخلاقهم، وإن شئت فتأمل هتافهم الخالد : الله غايتنا والرسول زعيمنا والقرآن دستورنا والموت في سبيل الله أسمى أمانينا، تالله إن لم يكن هذا هو التوحيد الخالص فما التوحيد في أفهامكم أيها المساكين؟ ثم تعالوا هنا، إنني أتحداكم أيها المشككون في سلامة عقيدة رجال المقاومة ونسائها أن ترفعوا عقائركم بهذا الهتاف التوحيدي الخالص بين الناس، فإن فعلتم فأنتم جزء من المقاومة الموحدة، وإن لم تفعلوا خوفا من أن تحسبوا على الإسلام الحركي فقد وقعتم في شِرك الخوف ممن سوى الله سبحانه!
إن من أخزى المخازي أن ينظّر القاعدون على المجاهدين، وأن ينقم أهل الخوَر من الشجعان أن يقفوا في وجه الظلم والظالمين، وما كنتَ عاجزا عنه فافرح أن أقامه الله ولو على يد غيرك، فإن بناء الأمة المتكامل تتمه الأمة بمجموعها، فإن كان ثمة ما لا نحسنه بمجموعنا استبدلنا الله وأتى بمن يحسن.
يا قومنا هذا أوان الجدّ وعدونا يريد أن يستأصل جدنا بهزله، ويريد أن يخرج بضاعتنا الأصيلة من سوق توحيدنا إلى مربد شركه، وكل تباطؤ في الوقوف في صف الأقصى هو تفريط بالأمانة التي أستودعناها وتحملنا مشروعها وعاهدنا أن نموت في ميدان الشرف دفاعا عنها، فمن مات منا على فراشه مات شهيدها بنيته وصدق عزمه، أفلا يستحق هذا أن نعيش لأجله وننتظره حتى يشرفنا الله به؟!
(البوصلة)