جميل أبو بكر
Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on email
Email
Share on telegram
Telegram

رابط مختصر للمادة:

الأزمة الدستورية في الحضارة الإسلامية (6): وجوب السلطة السياسية

جميل أبو بكر
Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

إعداد وتقديم: جميل أبو بكر

 1- وجوب السلطة السياسية

إن أَوْلى القيم السياسية بالبيان هي مسألة وجود الدولة وقيام السلطة. وقد جاءت النصوص الاسلامية -قرآنا وسنة قولية وعملية- متعاضدة على اقامة نظام سياسي للجماعة.

كما استدل بعض فقهاء السياسة بإجماع الصحابة رضي الله عنهم. وذهب آخرون الى ان الامر يرجع الى الوجوب العقلي.

أ. الأساس النصي (سواء كانت نصوصا صريحة بالامر أم الفعل أم تعاملت معه باعتبارها مسلمة ضمنية):

أول هذه النصوص هي الاحاديث النبوية الآمرة بلزوم اتخاذ إمام؛ أي القائد السياسي للجماعة، مثل قوله صلى الله عليه وسلم: “من مات بغير إمام مات ميتة جاهلية”، و”ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية”.

فهذا الصنف من النصوص لا يتحدث عن طاعة سلطة قائمة بل تحدث عن تأثيم من مات بلا امام او بيعة؛ أي عن وجوب تأسيس الدولة ابتداءً، ووجوب انضواء المسلم تحت سلطة سياسية، وعيشه جزءًا من جماعة سياسية.

وقد سن النبي صلى الله عليه وسلم لأمته اتخاذ قائد لهم حتى في اصغر تجليات اجتماعهم، وفي اقل امور حياتهم شأنًا، فقال: “إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا احدهم”.

وقد ادرك ابن تيمية الدلالة السياسية لهذا الحديث فقال: “يجب ان يعرف ان ولاية امر الناس من اعظم واجبات الدين، بل لا قيام للدين ولا للدنيا الا بها….”.

وهناك نصوص كثيرة تحض على لزوم جماعة المسلمين وامامهم او تأمر بطاعة السلطة الشرعية ونصحها.

وأما النوع الثاني من النصوص فهي التي لم تتعامل مع أمرالسلطة بصورة آمرة ومباشرة، وإنما باعتباره مسلمة ضمنية، ورتبت على هذه المُسَلَّمة أمورًا شرعية وعملية كثيرة، لا يُتَصور تحقيقها دون وجود الدولة وقيام السلطة.

يقول ابن تيمية: “إن الله تعالى أوجب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا يتم ذلك إلا بقوة وإمارة. وكذلك سائر ما أوجبه من الجهاد والعدل واقامة الحج والجمع والاعياد ونصر المظلوم واقامة الحدود”.

أما النوع الثالث من النصوص الاسلامية في وجوب السلطة فهو السنة السياسية العملية، المتجسدة في فعل الرسول صلى الله عليه وسلم في كل ما اشتملت عليه سيرته من عمل سياسي.

لقد جاء محمد صلى الله عليه وسلم برسالة جامعة بين “العدل والفضل” كما عبر ابن تيمية، وعاش حياة ملآى بالصراع، وواجه كثافة المادة وبطشها بقوة الروح والمادة معا، وقَهَرَ القوة الغاشمة بسلطان الحق والقوة معًا، وألجم الظلم بلجام الكتاب والسيف معًا.

ولم يختلف الاسلام عن المسيحية في التصور السياسي فقط، بل اختلف عنها في الانجاز السياسي في بواكير كل من الرسالتين. ولا ينكر الباحثون الغربيون هذا الاختلاف.

فقد “حقق الاسلام –بخلاف المسيحية– نجاحا سياسيا باهرا منذ بداياته” كما لاحظت لويز مارلو، و”ومحمد -مثل موسى ولكن بخلاف بوذا والمسيح– أوجد دولة” كما يقر مايكل كوك.

وبينما رحل المسيح عليه السلام عن هذا العالم وأتباعه لا يزالون قلة مضطهدة، “حَوَّل محمد قبائل العرب الضعيفة الى أمة عزيزة” كما لاحظ غوستاف لوبون.

وبينما لم تتحول المسيحية الى دولة إلا بعد ثلاثة قرون وثلث قرن، “فإن الدولة قامت في زمن النبي صلى الله عليه وسلم”، وهذا ما لا يختلف فيه أي باحث جاد مع رضوان السيد.

ولذلك كانت السياسة في عمق رسالة الاسلام منذ البداية؛ ابتداءً من تأسيس الدولة في المدينة المنورة بعد الهجرة، ثم ما تلا ذلك من تأمير للأمراء، وتعيين القضاة، وتسيير الجيوش، ومراسلة الملوك، وتنفيذ العقوبات، وتوقيع المعاهدات، والتصرف بالمال العام بحقه، وإدارة المصالح العامة للجماعة.

والسنة السياسية جزء أصيل من البيان النبوي لمعاني الوحي بيانًا تطبيقيًّا، وجانب أساسي من حياته التي أمر الله تعالى المؤمنين بالتأسي بها.

ب. الأساس الإجماعي:

تتعضد النصوص النبوية في هذا المجال بالسوابق الاجماعية في عصر الصحابة، خصوصًا في مرحلة الخلافة الراشدة.

فالخلافة الراشدة كانت امتدادًا لدولة النبوة؛ فهي ذات قيمة تأسيسية أخلاقية وتشريعية لا توجد لدى غيرها من الدول التالية في التاريخ الاسلامي.

وقد أجمع الصحابة رضي الله عنهم على ضرورة استمرار السلطة في المجتمع المسلم بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، وتصرفوا انطلاقًا من التسليم الشرعي بهذا الامر، رغم أن تاريخ عرب الحجاز وعُرفهم لا يدفعانهم الى هذا التوجه.

وقد ذهب ابن خلدون الى ان إجماع الصحابة أصل شرعي في وجوب إقامة السلطة، او “نَصْب الإمام” حسب الاصطلاح القديم.

والصحابة لم يختلفوا قط في وجوب إقامة السلطة، او “نصب الإمام”، وإنما اختلفوا في الاشخاص المؤهلين لتقلدها.

ج. الأساس العقلي:

اكتفى بعض علماء الاسلام ومفكريه من الاقدمين والمعاصرين بالدليل العقلي على وجوب وجود الدولة؛ فهو واجب عقلي وضرورة مصلحية.

ولم يهتموا بالاستدلال النصي على وجوب اقامتها شرعًا؛ باعتبار ان الواجب عقلًا واجب شرعًا، وأن “الضرورة الاجتماعية” ضرورة شرعية.

ومن هؤلاء المفكرين: ابن الأزرق، والسنهوري، وأحيانا ابن خلدون.

ومع تضافر النص والإجماع والمصلحة على وجوب إقامة الدولة، فلم تخل الحضارة الاسلامية من أصوات شاذة نَحَتْ منحى الفوضوية السياسية في تفكيرها السياسي؛ فقالت بـ”عدم وجوب الدولة شرعًا”، أو ضرورتها عقلًا.

(البوصلة)

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

Related Posts