جميل أبو بكر
Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on email
Email
Share on telegram
Telegram

رابط مختصر للمادة:

الأزمة الدستورية في الحضارة الإسلامية: قيم الأداء السياسي (13)

جميل أبو بكر
Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

قيم الأداء السياسي          

 إعداد وعرض: جميل أبوبكر

لازال الموضوع هو أمهات القيم السياسية الإسلامية، والجزء الثاني منها وهو المبادئ ذات الصلة بالأداء السياسي، وهي اقل تجريدا من قيم البناء السياسي التي تم استعراضها، لأنها تتجاوز الأسس والمعايير الأخلاقية والقانونية التي يقدمها النص الإسلامي لعملية بناء السلطة، إلى القيم والمعايير الخاصة بأداء السلطة بعد قيامها ،وصناعة القرار فيها. وتوجد مساحة تداخل كبيرة أحيانا بين قيم البناء وقيم الأداء، لأن بعضها يشمل الأمرين، ولكن التصنيف كان حسب المعنى الغالب بناء أو أداء.

1- الرد إلى الله والرسول:

هذا من اعظم المبادئ السياسية الإسلامية، لما يشتمل عليه من دلالات اعتقادية وقانونية. ولولا انه ورد في القران الكريم في سياق الحديث عن سلطة قائمة ورعيتها لتم أدراجه ضمن قيم البناء السياسي، لما له من وزن تأسيسي. وقد ورد الرد إلى الله والرسول في القران الكريم في سياق الحديث عن العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وواجب كل منهما اتجاه الآخر، وعند الخلاف لابد من الاحتكام إلى الله والرسول، أي الاحتكام إلى القران الكريم وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، بدل الاحتكام إلى منطق القوة وقانون الغاب.

فالمبادئ الأربعة (أداء الأمانة، والحكم بالعدل، وطاعة السلطة الشرعية، والرد إلى الله والرسول) مبادئ مترابطة، يعضد بعضها بعضا، ولذلك وردت في سياق واحد في قوله تعالى للأمراء: “ان الله يأمركم ان تؤدوا الأمانات إلى أهلها واذا حكمتم بين الناس ان تحكموا بالعدل ان الله نعما يعظكم به ان الله كان سميعا بصيرا”. ثم قال مخاطبا الرعية في الآية التالية:” يا ايها الذين امنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم، فان تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول ان كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير واحسن تأويلا”. قال الإمام الشافعي مفسرا قوله تعالى “فان تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول”: فان تنازعتم: يعني -والله اعلم- هم وأمراؤهم الذين امروا بطاعتهم. فردوه إلى الله والرسول: يعني – والله اعلم – إلى ما قاله الله والرسول”. وقد ورد الأمر بالرد إلى الله والرسول بعد الأمر بالطاعة مباشرة ، إشارة إلى ان حدود الطاعة كثيرا ما تكون مصدر تنازع بين الحاكم والمحكوم، وان حل هذا التنازع يكون بالاحتكام السلمي إلى القران والسنة.

ولمبدا الرد إلى الله والرسول مدلولان: مدلول دستوري ومدلول مرجعي. أما المدلول الدستوري فهو المساواة بين الحاكم والمحكوم أمام القانون، وهو مرادف لمفاهيم “حكم القانون” و “سيادة القانون” و”المساواة أمام القانون” في الاصطلاح الدستوري المعاصر. والمساواة أمام القانون بين القوي والضعيف، وبين الحاكم والمحكوم، هي التحدي الأكبر في السياسة. فان ضاعت هذه المساواة اذعن الحق للقوة، وضاعت كل المعايير الأخلاقية والقانونية، وجعل الطغاة إرادتهم قانونا. كما جاء الإسلام بالمساواة بين الحاكم والمحكوم أمام القانون بشكل لم يسبق له مثيل في تاريخ الفكر السياسي البشري، حتى ان النبي صلى الله عليه وسلم عرض على احد أصحابه ان

يقتص منه، عندما وخزه سهم كان بيده بغير قصد. وتأكيدا للمساواة بين الحاكم والمحكوم أمام الشرع قبل النبي صلى الله عليه وسلم حق جماعة من رعيته في القود من احد أمرائه ضرب رجلا بغير حق، وظل صلى الله عليه وسلم يسترضيهم حتى قبلوا تعويضا ماليا يرضيهم بديلا عن العقوبة الجسدية. وعلى ذلك سار الخلفاء الراشدون.

لكن المسلمين أضاعوا في جل مراحل تاريخهم مبدأ الرد إلى الله والرسول، بهذا المعنى الدستوري الذي يضمن المساواة بين الحاكم والمحكوم أمام القانون.

لقد جعل بعض الفقهاء الخليفة\السلطان فوق القانون، لأنه فرض لنفسه هذه المنزلة، واصبح من المتعذر تغييرها دون فتنة يخشاها العقل الفقهي اكثر مما يخشى أي شيء آخر.

أما المعنى المرجعي للرد إلى الله والرسول، فهو يتعلق بمصدر الالتزام الأخلاقي والإلزام القانوني ذاته. فالمساواة أمام القانون لا تكفي مهما حققت من عدل ، بل يجب ان يكون هذا القانون قانونا مستخلصا من نصوص الشرع، أو من مقاصده العليا وقيمه الكلية . فمرجعية الوحي هي ما يميز النظام السياسي الإسلامي عن غيره من الأنظمة السياسية. ومهما تحقق الأنظمة ذات المرجعية البشرية المحضة من عدل، فلا يمكن تسميتها نظاما إسلاميا، إلا اذا استندت إلى مرجعية صريحة من القران والسنة.

ان شؤون السياسة والحكم – مهما تضمنت من غايات المصالح الدنيوية – لها في الإسلام معنى تعبدي لا يتحقق إلا في ظل التزام الدولة بمرجعية الوحي. فقضية الرد إلى الله ورسوله بمعناها المرجعي هي اهم فارق بين النظام الإسلامي والنظام العلماني اليوم، وهي مربط الفرس في الصراع اليوم بين القوى السياسية الإسلامية الساعية إلى ربط الفضاء العام بمرجعية الإسلام، والقوى السياسية العلمانية الداعية إلى اعتماد مرجعية بشرية منبتة عن هدي السماء. والمقصود بالإسلاميين والعلمانيين أولئك المؤمنين منهم بالكرامة الإنسانية والعدالة السياسية. أما الداعمون للاستبداد فليس لهم مرجعية أخلاقية أصلا، لا إسلامية ولا إنسانية.

(البوصلة)

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

Related Posts