جميل أبو بكر
Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on email
Email
Share on telegram
Telegram

رابط مختصر للمادة:

الأزمة الدستورية في الحضارة الإسلامية: قيم الأداء السياسي (14)

جميل أبو بكر
Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

إعداد وعرض: جميل أبو بكر

2- التزام السواد الأعظم:

ان لزوم الجماعة – أو الإجماع بمعناه السياسي –  هو التجسيد لختم الرسالة. فختم الرسالة إيذان بنقل امر القيادة من يد الفرد المعصوم إلى يد الأمة المعصومة, ولذلك كانت عصمة الأمة تغني عن عصمة اللائمة، كما لاحظ ابن تيمية – بعمق ونفاذ بصيرة – في جداله مع النظرية الشيعية القائلة بضرورة وجود إمام معصوم يحفظ للناس الوحي ويبينه لهم. قال ابن تيمية: “لا نسلًم ان الحاجة داعية إلى نصب إمام معصوم، وذلك لان عصمة الأمة مغنية عن عصمته، وهذا مما ذكره العلماء في حكمة عصمة الأمة… لأن من كان من الأمم قبلنا كانوا إذا بدلوا دينهم بعث الله نبيا يبين الحق، وهذه الأمة لا نبي بعد نبيها، فكانت عصمتها تقوم مقام النبوة”. وبناء على هذا التحليل حسب ابن تيمية ” يجب أن تكون الأمة حافظة للشرع”. فهي صاحبة السلطة التأويلية للنص الإسلامي، وهي المسؤولة عن نقله من الالتزام إلى الإلزام، في شكل قوانين تصون الحقوق بين الناس. ولعلي عزت بيكوفتش قول قريب من هذا عند مقارنة عصمة الأمة في الإسلام بعصمة البابا في المسيحية.

فالجماعة في الإسلام هي المعصومة من الضلالة، وهي السد المنيع وخط الدفاع الأخير عن الملة، ولا يوجد فرد معصوم يتولى هذه المهمة، كما هو الحال في الكاثوليكية، وفي التشيع بمختلف مشاربه. وقد ورد في عصمة الأمة قول النبي صلى الله عليه وسلم:”إن الله قد أجار أمتي أن تجتمع على ضلالة “.

واهم معاني الإجماع – في مدلوله السياسي الأصلي— هو الالتزام بشرعية السلطة التي تختارها الأمة، وعدم الخروج عليها بالقوة، مما قد يمزق لحمة الجماعة ويبدد قوتها. وقد اهدر النبي صلى الله عليه وسلم دماء الذين يفعلون ذلك فقال :”من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم أو يفرق جماعتكم  فاقتلوه”. فأساس اجتماع الجماعة وإجماعها هو الشورى والتراضي ثم التعاقد. وهذا المعنى السياسي هو المدلول الأصلي للإجماع في النصوص الشرعية، قبل أن يضيق الاصطلاح الفقهي من مدلوله، فيحوله الفقهاء مفهوما قانونيا، ويحتكروه لأنفسهم.

ومن لزوم الجماعة الالتزام بقراراتها في شانها العام, والنزول عند راي سوادها الأعظم عند الخلاف السياسي, سواء اتفق معها الفرد أم لا. ويتفرع عن لزوم الجماعة لزوم أمامها، أي الوقوف مع سلطتها الشرعية المعبرة عن اختيارها وروحها الجمعية، في وجه البغاة الخارجين عليها. وكان أمر الرسول صلى الله عليه وسلم  حاسما في هذا الأمر فقال: “إنه ستكون هنات وهنات، فمن أراد ان يفرق امر هذه الأمة وهي جميع، فاضربوه بالسيف كائنا من كان”.

وقد أفاض فقهاء المسلمين الحديث في باب “قتال البغاة” من كتبهم عن مقاتلة الخارجين على إجماع الجماعة وسلطتها الشرعية، إلا انهم أيضا لم يطلقوا يد السلطة في التعامل مع الخارجين عليها، وهذا مما يحمد لهم، حتى لا توغل بالانتقام بدوافع الأنانية السياسية.

3 – الأخذ على يد الظالم:

واذا كان النص الإسلامي قد سن سنة المدافعة، لتكون درعا دون الظلم الاجتماعي والسياسي عموما، وحاجزا دون احتكار ثمرات السلطة والثروة، فقد نال ظلم الحكام قسطا من مساحة هذا النص الداعي إلى مقاومة الظلم . ومن اجمع نصوص السنة النبوية في ذلك :”عن عطاء بن يسار وهو قاضي المدينة قال: سمعت (عبدالله) ابن مسعود وهو يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سيكون أمراء من بعدي يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يأمرون. فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، لا إيمان بعده… إلى آخر الحديث.

وقد أطنب فقهاء السياسة الشرعية في تذكير الحكام بوجوب منع الرعية من التظالم، والأخذ على أيدي الظالم من الرعية، ولا شك ان ذلك من أوجب واجبات الحكام . لكن السنن النبوية  الواردة في هذا الباب لا تقتصر على صغار الظلمة الذين يجب على السلطة أن تأخذ  على أيديهم، بل المقصود الأول بتلك السنن السياسية هو كبار الظلمة من الأمراء  والحكام، الذين يجب على الأمة الأخذ على أيديهم, ووقفهم عند حدهم.

ولذلك ورد الأمر بالأخذ على يد الظالم في السنة النبوية خطابا موجها إلى “الناس” والى “الأمة”، لا إلى الحكام فقط. ومن أمثلة ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم :” ان الناس اذا راوا الظالم فلم يأخذوا على يديه اوشك ان يعمهم الله بعقاب “. وجاء هذا الحديث في سياق يرفض أي انعزال للمسلم عن الشأن العام، وأي استقالة للامة من مسؤولياتها الجماعية.

ان الأمم التي لا ينتصر المظلوم فيها من الظالم ولا يأخذ الضعيف حقه من القوي لا تستحق نصر الله وتسديده .وفي ذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم:” ان الله لا يقدس أمة لا يأخذ الضعيف حقه من القوي وهو غير متعتع”.

وعموم العقاب على الأمة بسبب سكوتها على الظالم حقيقة شرعية وقانون اجتماعي. أما كونه حقيقة شرعية فهو واضح من نصوص الاحاديث النبوية، فالأمة تستحق العقوبة العامة حين تسكت على المظالم الخاصة، وما نعيشه اليوم من اقتتال وخراب في أمة الإسلام، ترجع جذوره إلى سكوتها على الظلم السياسي. وأما كون العقاب العام للامة بسبب سكوتها على الظلم قانونا اجتماعيا، فهو امر ادركه علماء الاجتماع وفلاسفة السياسة منذ أيام ابن خلدون حتى اليوم. وقد جعل ابن خلدون عنوانا لذلك في مقدمته في الفصل الثالث والأربعين “في أن الظلم مؤذن بخراب العمران “.

ومن الأخذ على يد الحاكم الظالم مواجهته بكلمة الحق والتضحية في سبيل ذلك. وجاء في الحديث : “افضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر، أو أمير جائر.”

والنص الإسلامي في مواجهة الظلم السياسي اقرب إلى التراث الديمقراطي الغربي القديم في أثينا وروما – الذي يدعو إلى مقاومة الطغيان السياسي – منه إلى التراث الإمبراطوري الشرقي في الهند وفارس، الذي يسوغ الخنوع في مواجهة الظلم السياسي.

 وقد ادرك الفقيه السياسي عبد الرحمن الكواكبي ما يترتب على الأخذ على يد الظالم من صيانة لحقوق الناس، ووقاية من الظلم، فلاحظ ان” المستبد يتجاوز الحد مالم ير حاجزا من حديد .فلو رأى الظالم على جنب المظلوم سيفا لما اقدم على الظلم .” واذا انحرف الحاكم الشرعي عن منطق العدل والمصلحة، وضعه الإسلام أمام خيارين: إما الاعتدال وإما الاعتزال. لكن الترتيب الشرعي للأمور- كما شرح الكواكبي- هو البدء بتحقيق الاعتدال، وإذا لم تنجح خطة الاعتدال انتقلت الأمة إلى خطة الاعتزال، وهي إرغام الحاكم على التخلي عن المنصب بعد ان ثبت عدم أهليته.

أما الحاكم غير الشرعي فهو من غليظ المنكر الذي يجب تغييره – بغض النظر عن أدائه السياسي- لأنه مغتصب، استلم السلطة – وهي أمانة- عن طريق الغصب.

(البوصلة)

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

Related Posts