جميل أبو بكر
Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on email
Email
Share on telegram
Telegram

رابط مختصر للمادة:

الأزمة الدستورية في الحضارة الإسلامية: الأهلية السياسية (9)

جميل أبو بكر
Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

قيم البناء السياسي        

إعداد وعرض: جميل أبوبكر

5- المساواة في الأهلية السياسية:

وامتدادا لهدر التفاوت في المراتب الاجتماعية، جعل النص الإسلامي القوة والأمانة معياري الكفاءة السياسية، وحرر شروط الأهلية السياسية من اعتبارات العرق والقبيلة. وقد اطبق جمهور الفقهاء على شرط القرشية في الإمامة ،وهذا من اخطر أنماط الانحراف عن مبدأ المساواة في الأهلية السياسية، وهو ما يحتاج إلى وقفة متأملة هنا. وقد أطنب ابن خلدون في التفلسف حول ما دعاه “الحكمة في اشتراط النسب القرشي ومقصد الشارع منه” فقال:

“وذلك ان قريشا كانوا عصبة مضر واصلهم، وأهل الغلب منهم، وكان لهم على سائر مضر العزة بالكثرة والعصبية والشرف، وكان سائر العرب يعترف لهم بذلك ويستكينون لغلبهم. ولا يقدر غيرهم من قبائل مضر ان يرد العرب عن الخلاف الذي يمنع التنازع والشتات بينهم. فاشترط نسبهم القرشي في هذا المنصب- وهم أهل العصبية القوية – ليكون ابلغ في انتظام الملة واتفاق الكلمة، واذا انتظمت كلمتهم انتظمت بانتظامها كلمة مضر اجمع، فأذعن لهم سائر العرب، وانقادت الأمم سواهم إلى أحكام الملة، ووطئت جنودهم قاصية البلاد، كما وقع في أيام الفتوحات، واستمر بعدها في الدولتين( الأموية والعباسية) إلى ان اضمحل امر الخلافة وتلاشت عصبية العرب”.

لقد تأثر ابن خلدون بالراي الشائع في مسالة القرشية دون تمحيص، وانجراره مع نظرية العصبية والتغلب التي تهدر الأساس الأخلاقي التعاقدي للسلطة كما أرادها النص الإسلامي، وتحصر القيم الإنسانية التي جاء بها الإسلام في نطاق اجتماعي ضيق هو المعادلات القبلية بالجزيرة العربية، وفي زمان ضيق هو زمن قوة قريش وشوكتها ،تلك القبيلة التي توصل ابن خلدون نفسه بالمشاهدة الحسية في أيامه إلى أنها” قد تلاشت من جميع الآفاق، ووجد أمم آخرون قد استعلت عصبيتهم على عصبية قريش”.

والحق ان النص الإسلامي لم يشترط أي انتماء قبلي أو عرقي في من يكون خليفة للمسلمين. ورغم ان حديث القرشية كثير الطرق متواتر الإسناد، لكن أيا من روايات هذا الحديث لم ترد بصيغة الأمر الصحيح، بل جاءت كلها بصيغة الخبر، وبعض رواياته يستحيل حملها على الأمر الشرعي، مثل رواية “الناس تبع لقريش في الخير والشر”، “وقريش ولاة الناس في الخير والشر”، “والناس تبع لقريش في هذا الشأن، مسلمهم تبع لمسلمهم، وكافرهم تبع لكافرهم”، والأئمة من قريش، أبرارها أمراء ابرارها، وفجارها أمراء فجارها”. فهذه الروايات يستحيل حملها على الأمر بمنطق العقائد والقيم الاسلامية، اذ مقام النبوة يمنع ان يأمر النبي صلى الله عليه وسلم الناس باتباع قريش في الشر أو الكفر أو الفجور، فتعين هنا معنى الخبر. وقد قال ابن الأثير معلقا على الحديث: “هذا الحديث على جهة الأخبار عنهم ،لا على طريق الحكم فيهم”. كما رفض الباقلاني شرط القرشية في الخلافة. وحتى في ليلة السقيفة فان ابابكر رضي الله عنه لم يحتج باي نص قراني أو نبوي يشرع لقريش احتكار الخلافة.

ان تحويل حديث القرشية من الخبر إلى الأمر، وتبني جمهور الفقهاء هذا المنحى في تفسير الحديث، يدل على قوة الثقافة القبلية لدى أهل الجزيرة العربية واثرها في فهم الناس الدين، كما يعبر عن مصلحة سياسية للنخبة القرشية في العصر الأموي والعباسي.

والعجب ان يصل التشبث بشرط القرشية حد التضحية بالشروط الأخلاقية والعملية المنصوصة في الكتاب والسنة، حتى قال ابوحامد الغزالي: “لم يرد النص من شرائط الإمامة في شيء ألا في النسب”. والغزالي هنا يتجاهل عددا من الآيات القرآنية التي تنص على شروط الكفاءة السياسية، كما يتجاهل احاديث وافرة تنص على شرائط الإمامة، واهمها: رضا الأمة عن إمامها، واتصافه بصفتي الأمانة والقوة. كما فرط جمهور فقهاء المسلمين في شروط الكفاءة السياسية المنصوصة في الكتاب والسنة، تشبثا بهذا الشرط القبلي الغريب عن روح الإسلام، حتى قال ابن خلدون: “وبقي الجمهور على القول باشتراطها، وصحة الإمامة للقرشي، ولو كان عاجزا عن القيام بأمور المسلمين”.

وقد لاحظ ابن تيمية تأثير الجاهلية العربية والفارسية في فهم النصوص الشرعية، فقال ضمن رده على قول الشيعة بحصر الإمامة في أهل البيت النبوي:” وإنما قال من فيه اثر جاهلية عربية او فارسية: ان بيت الرسول احق بالولاية لكون العرب كانت في جاهليتها تقدم أهل بيت الرؤساء، وكذلك الفرس يقدمون اهل بيت الملك”.

ويرى المؤلف ان الفقهاء والمفكرون قد تأثروا بثقافة عصورهم ،وربما كانت بعض انعكاسات هذا التاثر مقبولة او مبررة في زمانها، وان كانت مختلفة مع النص أحيانا كما تبين لاحقا. ولابد من الاطلاع على ثقافة العصر عند تحديد الفهم من النص دون مخالفته او التصادم معه.

6- الشورى في بناء السلطة :

من اصعب الأسئلة السياسية الأبدية سؤال شرعية السلطة، بمعنى من يحق له ان يتقلد قيادة الدولة ابتداء؟ وقد لاحظ ارسطو صعوبة هذا السؤال فكتب:” من الامور المشكلة معرفة من يجب ان تفوض اليه السلطة العليا في الدولة؟”.

لقد اسفر مسار التاريخ الانساني عن ثلاثة سبل للوصول الى السلطة: اولها القهر العسكري الذي يجعل السلطة من حق من يملك القوة ويستخدمها، وهذا السبيل يهدم الاساس الاخلاقي للاجتماع البشري، لان القوة لا تكسب حقا. وثانيهما بالوراثة العرفية التي تحصر السلطة في اسرة او عشيرة، ويسلم المجتمع بذلك بقوة الاعتياد، او “خلق الانقياد” بتعبير ابن خلدون دون مساءلة لحق تلك الاسرة او العشيرة في الحكم. وثالثها التراضي والتعاقد المتاسس على اختيار حر من الجماعة لمن يحكمها، وتداول حر ينتهي بقرار لا خضوع فيه لقوة قهرية او عرف مسيطر.

وقد قدم الاسلام رؤية واضحة للجواب عن السؤال: من له الحق في ان يحكم؟ وهو جواب يتبنى الخيار الثالث: خيار الاختيار الحر للحكام عبر التداول والتراضي والتعاقد ، دون اكراه ولا اجبار.وجاءت الرؤية الاسلامية لجواب هذا السؤال بمصطلح اسلامي اصيل هو الشورى. وقد ورد مبدأ الشورى في قوله تعالى في وصف المؤمنين:” وامرهم شورى بينهم”. وخلاصة مبدأ الشورى في مدلوله الأصلي – قبل ان تعبث به الأهواء – هو ان لاشرعية لحاكم من غير اختيار المحكومين له، وان الحكم من غير اختيار المحكومين افتئات وغصب لحق الأمة في حكم نفسها. فالشورى السياسية تتضمن ثلاثة عناصر حسب ما يفهم من قول لابن خلدون: ان يختار القوم ابتداء من يحكمهم بكل حرية، وان يكون هذا الاختيار من عامة الناس دون احتكار له من فئة أو طبقة اجتماعية بعينها ، ثم ان يكون لمن اختاروا الحاكم الحق في مراقبة أدائه وعزله ان عجز أو خان .

والشورى هي التي تحقق الانسجام بين إرادة الحاكم والمحكوم، وتضمن وحدة الوجهة في الأمة، بما يعزز قوتها ومناعتها، وهذا من اعظم غايات الشرع الإسلامي وأهدافه . وقد احسن قدامة بن جعفر إذ جعل السلطة القائمة على التراضي والطاعة العفوية هي “الرئاسة” الحقيقية، أما السلطة التسلطية القهرية فليست رئاسة حقيقية ويقول:” الرئاسة إنما هي رئاسة عفو الطاعة ، لا رئاسة الاستكراه والقهر. والمملكة هي مملكة الرضا والمحبة، لا مملكة التسلط والقهر.” وقريب منه قول الماوردي:” السلطان ان لم يكن دين تجتمع به القلوب حتى  يرى أهله الطاعة فيه فرضا والتناصر عليه حتما، لم يكن للسلطان لبث، ولا لأيامه صفو، وكان سلطان قهر ومفسدة دهر.”

وللشورى مسوغان :أخلاقي وعملي. فمسوغها الأخلاقي هو تحقيق العدل في مسالة بناء السلطة ابتداء. ذلك ان السلطة السياسية  امر عام يمس حياة جمهور الناس، ولا يحق لفرد ان يتصرف في حياة الناس دون رضا منهم . وأما المسوغ العملي للشورى فهو ان الحكمة الجماعية اعظم واقرب إلى الصواب من الحكمة الفردية.

ما ورد في القران الكريم من الأمر بالشورى مجملا، ورد في الاحاديث والآثار مفصلا. وقد حرص الرسول صلى الله وسلم على ان يترك لامته حق اختيار قادتها، ورغم ما جهد لها واجتهد نصحا، فانه لم يلزمها باختيار شخص بعينه قائدا لها. وقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم. “قيل يا رسول الله من نؤمر بعدك؟ قال : ان يكن أبا بكر تجدوه أمينا زاهدا في الدنيا راغبا في الآخرة، وان تؤمروا عمرا تجدوه قويا أمينا لا يخاف بالله لومة لائم، وان تؤمروا عليا – ولا أراكم فاعلين- تجدوه هاديا مهديا يأخذ بكم إلى الطريق المستقيم .” وما ورد من النبي صلى الله عليه وسلم بشان أبي بكر  ، فلم يكن سوى إشارات إرشادية أو أخبار بالغيب ،وليس فيه شيء على صفة الإلزام ،وما كان للرسول صلى الله عليه وسلم ان يخالف القران .

وقد تعاضت الآثار عن الخلفاء الراشدين في اعتبار الشورى مصدر الشرعية السياسية، وكثرت الآثار عن عمر بن الخطاب خصوصا بذلك. ولأقوال عمر هنا قيمة تأسيسية مهمة لسببين: أولهما ان خلافته هي أول دولة إسلامية مستقرة بعد الدولة النبوية. والثاني ان ما قاله عمر كان على رؤوس الأشهاد وقد أقره عليه الصحابة، فاصبح إجماعا سكوتيا. ومن هذه الآثار قول عمر: “من بايع رجلا عن غير مشورة من المسلمين فلا يبايع هو ولا الذي بايعه”.

ولا يشترط الإجماع في اختيار الحاكم لتعذره عادة، وإنما يكفي حصول الأغلبية.

 والخلاصة: ان ثمرة مسار الشورى هو وحدة الإرادة بين الحاكم والمحكوم. والى هذا أشار الحديث النبوي: “خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، ويصلون عليكم وتصلون عليهم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم”. وهذه الوحدة هي اهم مصدر لقوة الدولة.                                                         

يتبع…

(البوصلة)

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

Related Posts