جميل أبوبكر
Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on email
Email
Share on telegram
Telegram

رابط مختصر للمادة:

الأزمة الدستورية في الحضارة الإسلامية: وجوب التمثيل السياسي (10)

جميل أبوبكر
Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

إعداد وعرض: جميل أبوبكر

قيم البناء السياسي         

7- وجوب التمثيل السياسي:

ورد النص على الشورى عاما لا مخصص له, وهو ما يعني حق الجميع في الإسهام في اختيار الحكام. فاحتكار قلة أو نخبة لها من دون الآخرين لا يجوز. وادق معيار لتحديد من تشملهم الشورى هو التعبير القرآني ذاته: “وأمرهم شورى بينهم”, فكل من كان الأمر أمره, بمعنى انه يتأثر بنتائج القرار, سواء كان اختيار قيادة للجماعة (التي يتشكل منها الشعب )أو قرارا سياسيا آخر فله الحق في إبداء رايه في ذلك الاختيار, ولرايه هذا قيمة مساوية لآراء غيره.

ولكن ممارسة الشورى والمشاورة المباشرة من الكل امر متعذر, كما ادرك بعض منظري الديمقراطية المباشرة ,ان هذا النوع من الديمقراطية قد يؤدي إلى انهيار البناء السياسي, وفتح أبواب الفوضى. ولدرء الفوضوية الهدامة للاجتماع السياسي سن الإسلام مبدأ النيابة عن الأمة. ووردت في ذلك نصوص وتطبيقات نبوية كثيرة. وأول ذلك كان في بيعة العقبة الثانية, التي هي العقد التأسيسي لدولة النبوة, فقد نظم النبي صلى الله عليه وسلم الوفد الأنصاري الذين حضروا البيعة تنظيما تمثيليا دقيقا, فاختار منهم اثني نقيبا, ثم جعل على راس النقباء قائدا هو نقيب النقباء. وقد راعى هذا التنظيم التناسب الكمي بين مجموعتي الأنصار: الأوس والخزرج, فكان من بين النقباء الاثني عشر تسعة من الخزرج لانهم القبيلة الكبرى, وثلاثة من الأوس لانهم القبيلة الصغرى. وعرف ممثلو القوى الاجتماعية في العهد النبوي باسم العرفاء أيضا وكما ورد في قصة تحرير سبي قبيلة هوازن بعد غزوة حنين.

فمسالة التمثيل السياسي أصيلة في الإسلام , والتمثيل نيابة عن صاحب الحق الأصيل, وليس بدلا عنه. وقد تحول الصحابة المقيمون في المدينة خلال الحقبة الراشدة نوابا عرفيين عن الأمة المشتتة في الأقطار الأخرى, لما كان لأولئك الصحابة من الثقة عند المسلمين, والسابقة في الإسلام, فكانوا يتولون اختيار الخليفة الراشد حين فرغ المنصب, فتتبعهم الأقطار الأخرى. وقد ادخل اهل المدينة غيرهم في عملية اختيار الخليفة كلما أسعفتهم الظروف باشراك اهل الأمصار في ذلك, كما حدث في اختيار عثمان ابن عفان. كما أوصى عمر بن الخطاب الستة المشرفين على الأمر باستشارة أمراء الأجناد الذين كانوا في الحج يومذاك .قادة المدينة من الصحابة كانوا يتصرفون بصفتهم نواب الأمة وممثليها, وهو امر كانت الأمة تقر لهم به يومذاك.

وقد ادرك الماوردي ان استئثار أهل المدينة المنورة باختيار الخليفة خلال فترة الخلافة الراشدة كان أمرا عرفيا عمليا, ولم يكن تشريعا نصيا, إذ النص صريح بعموم الشورى. قال الماوردي: “وليس لمن كان في بلد الإمام على غيره من اهل البلاد فضل مزية تقدم بها عليه, وإنما صار من يحضر ببلد الإمام متوليا لعقد الإمامة عرفا لا شرعا, لسبوق علمهم بموته, ولان من يصلح للخلافة في الأغلب موجود في بلده” .

8- عقد البيعة السياسية :

تشكل الشورى قاعدة الاختيار وأرضية التداول والتراضي لإيصال اهل الأمانة والقوة إلى قيادة الأمة. لكن التعبير الإجرائي عن ثمرة هذا الاختيار والتداول يتم عبر مبدأ سياسي آخر هو البيعة. والبيعة تجسيد للعقد الاجتماعي الإسلامي, وبيان للطبيعة التعاقدية في العلاقة بين الحاكم والمحكوم في هذا الدين. وليس المقصود هنا العقد الاجتماعي الافتراضي الذي قال به بعض فلاسفة السياسة الغربيين, وإنما نقصد عملية التعاقد الفعلي الذي يمنح الحاكم شرعية الحكم .

وقد توصل الفكر الغربي – بعد معاناة طويلة –إلى نظرية شبيهة بفكرة التعاقد السياسي الإسلامية, وهي نظرية العقد الاجتماعي.

والعقد الاجتماعي – شانه شان البيعة الإسلامية – تنازل إجرائي من الأفراد عن صلاحياتهم في اخذ حقوقهم بأنفسهم, وعن الانتقام لأنفسهم, وليس تنازلا منهم عن حقوقهم ذاتها, بل هو سعي للحصول على تلك الحقوق بطريقة اكثر انضباطا. ولذلك كان من خصائص الدولة احتكار الاستعمال الشرعي للقوة. اما الاستبداد فهو يجرد البشر من حق الانتصاف المباشر من الظالم, ثم لا ينتصف لهم, فهو أسوأ من حالة الفوضى الطبيعية, كما لاحظ الفيلسوف السياسي جون لوك.

وأول شرط من شروط البيعة  السياسية في الإسلام هو ان تنبني على حرية الاختيار, شانها شان أي عقد آخر. ففكرة التعاقد تتنافى مع أي نوع من الإكراه, وقد عبر الحديث النبوي عن ذلك تعبيرا بليغا, بث قال صلى الله وسلم: “من بايع إماما فأعطاه صفقة يده, وثمرة قلبه,فليطعه ان استطاع”. فالتعبير ب”صفقة اليد”, و”ثمرة القلب” في هذا الحديث دليل دامغ على ان البيعة لا تتم إلا بالرضا النابع من القلوب, وبالتعاقد الصريح الذي لا لبس فيه.

ثم من شروط البيعة أيضا – شان بقية العقود- ان لا يلابسها تضليل أو تدليس من جهة احد المتعاقدين. فالتضليل والتدليس يجعل العقد غير مستوف لشروط التعاقد الشرعي, وغير ملزم للطرف الذي مورس التضليل أو التدليس في حقه. ومثال ذلك ان يكذب المترشح للموقع السياسي على الناس فيقدم معلومات مضللة عن كفاءاته وخبراته ,بل ان ذلك يستوجب العقوبة.

ولان البيعة عقد مراضاة ,فيمكن فسخها طبقا لطبيعة العقد وشروط المتعاقدين. ويقول الشيخ حاكم  المطيري: “لا يوجد عقد في الشريعة يستلزم الاستدامة ولا يمكن فسخه  … فعقد الإمامة كغيره من العقود التي يجوز فسخها “. كما انه يجوز تقييد البيعة زمانيا, بحيث تحدد الأمة لحكامها مدى زمنيا لحكمهم, قابلا لتمديد أو غير قابل.

والنصوص الواردة في البيعة – شانها شان النصوص الواردة في الشورى – نصوص عامة, لم تخصص حق البيعة بنخبة دون عامة المجتمع ,أما ما ورد في كتب التراث السياسي والفقه من ازدراء للعوام وإقصائهم من الشورى والبيعة, فلا تسنده النصوص الشرعية, بل خروج على عموم النصوص بلا دليل. ومن أمثلة تلك الآراء قول الجويني: “ما نعلمه قطعا ان النسوة لا مدخل لهن في تخير الإمام وعقد الإمامة…..وكذلك لا يناط هذا الأمر بالعبيد, وان حووا قصب السبق في العلوم, ولا تعلق له بالعوام الذين لا يعدون من العلماء وذوي الأحلام, ولا مدخل لأهل الذمة في نصب الإمام. فخروج هؤلاء عن منصب الحل والعقد ليس به خفاء”. ربما غاب عن الجويني ان النظام السياسي السليم يحتاج عقول النخبة وقلوب الجماهير. كما تدحض السنن السياسية ما ذهب إليه هنا. ويكفي النظر في بيعة أول خليفة في الإسلام أبي بكر الصديق, حيث لم يكتف ببيعة الصحابة في اجتماع السقيفة, بل اردفها ببيعة عامة في المسجد في اليوم التالي.

كما يشترط في البيعة ان يكون المبايع والمبايع له كلاهما ممن يملكون الأهلية الشرعية للتعاقد. فلا تكون البيعة الشرعية من غير العاقل, ولا من الصبي, ولا ممن ثبت عليه جرم افقده أهليته الشرعية. واذا كان الصبي غير مؤهل ليبايع غيره, فمن باب أولى ان لا يكون مؤهلا  لأخذ البيعة لنفسه, واستلام أمانة الشأن العام. وما تكرر في التاريخ الإسلامي من بيعة للصبيان أحيانا- حفظا لتوارث السلطة في أسرة بعينها- عبث بأمر الأمة, وخضوع ذليل لأعراف اجتماعية لا صلة لها بالقيم السياسية الإسلامية. وهو امر ورثه المسلمون ضمن ما ورثوه من الثقافة السياسية الساسانية.

لقد كانت أول بيعة سياسية في الإسلام هي بيعة العقبة الثانية, والتي يمكن اعتبارها العقد التأسيسي لدولة الإسلام, إذ بمقتضاها هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة, وبمقتضاها اصبح قائدا سياسيا وعسكريا للدولة الجديدة, رغم أن الأنبياء لا يكتسبون شرعيتهم السياسية من الخلق, بل من الخالق, ولكن البيعة تأكيد من الخلق على التزامهم  بما الزمهم به الخالق من طاعة الأنبياء, أي تحويل هذا الالتزام من الحيز الأخلاقي وسلطة الضمير, إلى الحيز القانوني وسلطة الدولة. وقد ادرك المبايعون بالعقبة المدلول السياسي لبيعتهم , وما يترتب عليها من مخاطر سياسية وعسكرية, فقبلوها عن طيب خاطر, ثم صدقوا ما عاهدوا الله عليه.              يتبع…

(البوصلة)

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

Related Posts