عمّان – البوصلة
قالت المستشارة بشرى عربيات في سلسلة أحاديثها التربوية لـ”البوصلة“: كنت قد تطرقت في أحاديث سابقة حول “أجيال خارج التغطية”، وناقشت حالة التِّيه الذي يعيشُ فيها هذا الجيل، ليس فقط فئة الطلبة لكنها حالةٌ تشمل المجتمع بأكمله، حتى أن الأسرة لا تخصص وقتاً للتحدث مع أبناءها وبناتها إذ أنَّ “كلٌّ واحدٍ يلهو على موبايله” تماماً كما قيلَ يوماً “كلٌ يغني على ليلاه”، ويا ليتها بقيت كذلك، لكن يبدو أنَّ ليلى اختفت وتاهت تماماً في زمن الإدمان الإلكتروني.
وتابعت حديثها لـ “البوصلة” بالقول: كما تحدثت سابقًا عن الصيام الرَّقمي أو الإلكتروني لأننا بحاجة – كمجتمع – إلى صحوة فكرية من غفلةٍ أصابت المجتمع بأكمله نتيجة الإستخدام الخاطئ لوسائل التكنولوجيا، ويبدو أنَّ هذا هو المقصود من تسارع انتشار الهواتف الذَّكيَّة والتطبيقات المختلفة، أن يصل المجتمع إلى حالةٍ من الغفلة والتيه ، بحيث لا تكادُ تجدُ طفلاً أو طالباً إلاّ وهو يحملُ بين يديه هاتفاً خلوياً – على الأقل – وفي حالات أخرى يرافقة جهاز التابلت، الأمر الذي تسبَّبَ بالضرورة إلى حالةٍ من الإدمان الإلكتروني بين فئة الطلبة، ناهيك عن الإدمان الإلكتروني بين المعلمين وأولياء الأمور
ولفتت إلى أنّه في العطلة الصيفية، لم نعد نسمع أو نشاهد أنشطة معينة تعملُ على تفريغ طاقات الطلبة بالإتجاه الصحيح – إلا ما ندَر – الأمرُ الذي يستدعي السؤال، حتى متى نبقى في حالةٍ من الإدمان الإلكتروني؟ وحتى متى نصحو من غيبوبةِ تسمى التكنولوجيا السَّلبية، ذلك لأن معظم ما تتابعه الأجيال عبر هذه الوسائل غير مفيد للعقل والسلوك معاً، تراهم في الطرقات بأوضاعٍ غريبة وهم يتابعون شاشة الهاتف الخلوي وغيرها من الأدوات!
الواجب الأكبر على الأسرة
وقالت الخبيرة التربوية: مما لا شكَّ فيه أن الدور الكبير للحدِّ من هذه الظاهرة يقع على عاتق الأسرة أولاً، لكن ماذا لو غابَ هذا الدَّور – وهو غائب في معظم الأحيان – ما هو دور المدرسة والجامعة ووسائل الإعلام في الحدِّ من هذه الظاهرة؟ لنبدأ بدور الأسرة التي تعمل على توفير هذه الأجهزة لأبنائها دون رقيبٍ أو حسيب، الأمر المهم للأم أو الأب أن أمن البيت مستتب، ولا توجد فوضى ومشاكل بين الأبناء، كلٌّ منهم يلهو باستخدام هذه الأجهزة، لكنهم لا يدركون أنَّ هذا الصَّمت القاتل يخبئُ خلفَهُ مصائب ومشاكل، قد تظهرُ فجأةً في سلوكيات الأبناء والبنات، عندئذٍ يدركُ أولياء الأمر أنهم فقدوا السيطرة على أبنائهم وبناتهم، وعندئذٍ يعرفون – وقد لا يعرفون – أنهم السبب وراء تلك السلوكيات من خلال عدم المتابعة ومن خلال عدم توفير حُسن الرِّعاية
ونوهت إلى أنّه لا يقفُ الأمر عند الأبناء داخل الأسرة، فقد تجدُ الأم أو الأب ” مهووسين ” بما يروهُ ويتابعوه عبر الموبايل، الأمر الذي يُنذرُ بأخطارٍ كبيرة تُهددُ أمنَ الأسرة والمجتمع، وهذا ليس مستغرَب بالتأكيد لأننا نسمعُ ونقرأُ عن تلك الأخطار المنتشرة في المجتمع، ومع ذلك لا نرى أي مؤشر للتنبيه من أخطار هذا الإدمان!
واستدركت بالقول: أما بالنسبة للمدارس، فلا تسألوني لماذا تراجعت منظومة التربية والتعليم معاً، بالتأكيد أنَّ هذا الإدمان الإلكتروني هو أحد أهمّ الأسباب لهذا التراجع، بدءاً من الإستخدام الخاطئ لهذه الأدوات داخل الغرف الصَّفيَّة، مروراً بعدم القيام بإجراء التجارب العلمية بسبب الإعتماد على فيديوهات موجودة عبر الفضاء الإلكتروني، وانتهاءً بعدم وجود متابعة حقيقية للمعلمين داخل المدرسة.
وأكدت أنّ هذا يعتبر نوع من أنواع تقصير الإدارات، وذلك عندما يكون مشرف المبحث هو نفس الأستاذ – على سبيل المثال – إضافةً إلى أنَّ تُجار التعليم انتشروا وصار الإستثمار في التعليم بفتح مدرسة منتشراً وبقوة، واعتبار الطلبة مجرد أرقام في سجلِّ الأرباح، وهنا لا بد من الإشارة إلى مجموعات ” الواتس والفيسبوك ” وغيرها من المجموعات الخاصة بالمدارس – حكومية أو خاصة – والتي عملت على فقدان المعلمين والمعلمات للمصداقية، والهدف الأكبر عندهم هو عدد – الللايكات – على منشورٍ معين، وهذا أدَّى بالضرورة إلى إدمانٍ إلأكترونيّ كانت نتيجته تراجع في منظومة التربية قبل التعليم!!
نتيجة حتمية
وأشارت إلى أنّ ما نسمع ونقرأُ عنه من جرائمَ منتشرة في المجتمع – حتى لو كانت قليلة – هو نتيجة حتمية لهذا الإدمان، ذلك لأن الشخص المجرم لا يستخدم عقله، فقد غاب العقلُ منذ فترةٍ طويلة، وغاب الرَّقيب بسبب مشاهد الأفلام التي يتابعوها، وبالتالي غاب الشعور بمخافة ربِّ العالمين، فترى هذا أو هذه يقومون بتنفيذ جريمة بدون تفكير، مجرد تقليد لما تابعوه عبر الفضاء الإلكتروني – غير المنضبط – لأنه متاحٌ لجميع الفئات العمرية، ولكن يتم تحليل ذلك السلوك بعد حدوث الجريمة، وللأسف أن العقاب لا يتوافق مع حجم الجريمة.
وأضافت بالقول: لذلك يجب أن لا يُستهان بتلك الجرائم الناتجة عن الإدمان الإلكتروني، وأقترح أن تكون العقوبات متناسبة مع الحدث، وأن يكون الجزاء من جنس العمل، لأنَّ من أمنَ العقوبة أساء الأدب، لكن من المهم أن لا ننسى دور المجتمع بأكمله للحدِّ من هذه السلوكيات، صحيح أنه يقال أنَّ آخرُ الدَّواءِ الكيّ ، لكن على المجتمع دور كبير في نشر الوعي سواءً عن طريق وسائل الإعلام – والتي ينبغي أن تقومَ بدورٍ كبيرٍ وفاعل – أو عن طريق ورشات تدريبية توعوية تنطلق من المدارس والجامعات، إضافةً إلى مؤسسات المجتمع المدني، ذلك لأن العبءَ كبير، يحتاج إلى جهودٍ كبيرة ومكثفة من جميع فئات المجتمع
وتابعت حديثها: مما لا شك فيه أن الإدمان الإلكتروني يمسّ وبقوة عقول الأطفال، كيف لا وقد مسَّ وبشدة عقول اليافعين والمتعلمين والمثقفين، لكن تأثيره على عقول الأطفال أكبر لأنهم ما يزالون في مرحلة تكوين المعرفة، تمتصُّ عقولهم ما يقعُ أمامهم قولاً أو فعلاً تماماً مثل الإسفنج الذي يمتصُّ الماء، لذلك ينبغي الحذر الشديد من تعرُّض فئة الأطفال لوسائل التكنولوجيا فترات طويلة، الأمرُ الذي سوف يؤدي وبقوة في المساس بعقولهم، عندئذٍ لا ينفعُ علاج ما يمكن أن يصلَ إليها هؤلاء!
وختمت الخبيرة التربوية بالقول: إن فكرة الصيام الإلكتروني – كما أسلفت – قد تساعد في نشر الوعي، لكن كما يقال أن فاقدُ الشيء لا يعطيه، فكيف يمكن إقناع طفل أو شابٍ يافعٍ بذلك وهو يرى والديه مدمنين إلكترونياً، وكذلك المعلمين، لذلك علينا البدء بأنفسنا حتى نتمكن من التأثير في الآخرين، ولنعلم جميعاً أنَّ رحلة الألف ميل تبدأُ بخطوةٍ واحدة، لذلك علينا أن نبدأَ ولا نستهين بأي فكرة قد تساهم في التخلُّص من الإدمان الإلكتروني.
(البوصلة)