الاقتصاد المصري .. بين عام مرسي وأعوام السيسي

الاقتصاد المصري .. بين عام مرسي وأعوام السيسي

مقارنة ظالمة بين نتائج وأولويات اقتصادية لرئيس مدني منتخب ديمقراطياً استمر في الحكم لعام واحد فقط، عملت خلاله الآلة الأمنية والمخابراتية بكامل قوتها لإفشاله، وآخر انقلابي اغتصب السلطة وبقي فيها ست سنوات كاملة ولا يزال، اتحد معه كل أصحاب المصالح، وطوعت السلطات التنفيذية والقضائية والتشريعية لخدمة أهدافه فكانت النتيجة المزيد من إفقار الشعب وإذلاله.

كان هم الرئيس محمد مرسي الأول الاكتفاء الذاتي من القمح، وعلى الرغم من العقبات التي تراكمت خلال أعوام حكم حسني مبارك وعلي رأسها تبعية القرار المصري للخارج، الذي أدى إلى إهمال إنتاج القمح محلياً والاعتماد على استيراده من الخارج بأسعار تخضع لسياسة السوق العالمية، اتبع مرسي استراتيجية أدت إلى أن تقفز إنتاجية القمح في السنة المالية 2012/2013، من 7 ملايين طن إلى 9.5 مليون طن بزيادة 30% عن السنة المالية 2011/2012، على الرغم من أن مساحة الأرض المزروعة بالقمح لم تزد على 10% من مجمل المساحة المخصصة للزراعة.

سياسة مصر الخارجية وتراجع دورها إقليمياً ودولياً

في المقابل تشير إحصائيات الإدارة العامة للتقديرات الإحصائية بشأن مساحات القمح لموسم 2020، أنها تبلغ 3 ملايين فدان تقريباً، وهي أقل بنصف مليون فدان عن أرقام وزارة الزراعة، وهو الأمر الذي أدى إلى انخفاض الإنتاجية بمليون طن كاملة مقارنة بالعام الماضي لتصبح الإنتاجية 8.5 مليون طن فقط، مما أدى إلى استيراد مصر 13 مليون طن.

وبالنسبة إلى قيمة الجنيه، فبينما استقر سعر صرفه عام مرسي عند حوالي 7.5 جنيه للدولار الواحد، استمرت انخفاضات قيمة الجنيه في عهد السيسي لتفقد العملة المحلية أكثر من 100% من قيمتها خلال السنوات الست، ليستقر سعر الجنيه حالياً عند حوالي 16.5 جنيه للدولار الواحد تقريباً، وكان ذلك نتيجة لمجموعة من السياسات الاقتصادية التي فرضها صندوق النقد الدولي على مصر للحصول علي قرض بقيمة 12 مليار دولار بنهاية عام 2016.

وبينما رفض الدكتور محمد مرسي وبإصرار المساس بأسعار السلع المدعمة، رفع السيسي الدعم بالكامل عن المحروقات والكهرباء، كما رفع أسعار الخدمات الحكومية، وفرض ضريبة القيمة المضافة، كما رفع الضرائب الجمركية ثلاث مرات متوالية، ورفع أسعار المواصلات العامة، وهي السياسات التي تسببت في رفع معدلات التضخم إلى ما يزيد على 33% عام 2018، قبل أن يتلاعب النظام بمعادلة حسابه بتغيير سنة الأساس إلى عام 2018 بدلاً من عام 2010، ما جعل رقم التضخم الحالي الذي يبلغ حوالي 14% في المتوسط مزيفاً إلى حد كبير.

وفيما يتعلق بملف الديون الداخلية والخارجية، فقد اعتمد الدكتور مرسي -رحمه الله- على ودائع الأصدقاء من كل من تركيا وقطر، للحفاظ على أرصدة الاحتياطى من النقد الأجنبي، وبعد تردد كبير وافق على طلب قرض من صندوق النقد بقيمة 3 مليارات دولار فقط، سعياً لشهادة جدارة حول الاقتصاد المصري من الصندوق.

كما أنه لم يفرط في القروض الداخلية، ولمتتعد القروض الداخلية إذ بلغ الدين المحلي في منتصف عام 2013، حوالي 1.527 تريليون جنيه (85.7 مليار دولار)، تمثل 82.1% من الناتج المحلي الإجمالي، بينما بلغ الدين الخارجي 43.2 مليار دولار، تمثل 16.3% من الناتج المحلي الإجمالي، ليصبح إجمالي الديون 98.4% من الناتج المحلي الإجمالي.

صفقة الغاز المصرية مع إسرائيل كمن يطلق النار على نفسه

في المقابل أفرط السيسي في الاقتراض داخلياً وخارجياً، ما أدى إلى ارتفاع حجم الديون الخارجية المستحقة على مصر إلى نحو 112.67 مليار دولار بنهاية ديسمبر/كانون الأول 2019، تشكل 35% من الناتج المحلي الإجمالي، بينما ارتفع إجمالي الدين العام المحلي بنهاية ديسمبر/كانون الأول الماضي إلى 4.355 تريليون جنيه (ما يزيد عن 275 مليار دولار)، وبما يشكل ما يقارب 70% من الناتج المحلي الإجمالي، وأصبحت مدفوعات الفوائد عن الديون الداخلية والخارجية 566 مليار جنيه تلتهم ما يقارب 45% من الإيرادات العامة.

وعلى الرغم من ادعاءات منع الرئيس مرسي للسياحة فإن أرقام الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء تشير إلى زيادة معدلات السياحة في يونيو/حزيران 2013 بنسبة 16.5% مقارنة بالشهر نفسه من 2012، إذ زاد عدد السائحين من 8.2 إلى 9.2 مليون سائح، وهي الزيادات التي فشل السيسي في تحقيقها قرابة أربعة سنوات بعد حوادث الطائرة الروسية والسياح المكسيكيين، ثم سقوط الطائرة المصرية القادمة من فرنسا، ولا تزال السياحة الروسية تتمنع على السوق المصرية حتى الآن.

كما أعفى الرئيس مرسي 52.5 ألف من المزارعين المتعثرين في سداد ديونهم لبنك التنمية والائتمان الزراعي، وهو البنك الذي حوَّله السيسي إلى بنك تجاري يمارس الأعمال المصرفية العادية، ولا ينصب اهتمامه على المزارعين والقطاع الزراعي كما كان منذ نشأته.

وبالنسبة إلى تحسين الأوضاع المالية للعاملين بالدولة، فقد استفاد 1.9 مليون موظف من رفع الحد الأدنى للأجور، كما استفاد 1.2 مليون معلم من الكادر الخاص بالمعلمين، كما استفاد 750 ألف إداري من تحسين أوضاع العاملين الإداريين بالتربية والتعليم والأزهر، واستفاد 150 ألف عضو هيئة تدريس و58 ألف خطيب وإمام من تحسين أوضاعهم.

وبالطبع فإن مقارنة ذلك مع رفع السيسي للحد الأدنى للأجور بعد خمس سنوات من حكمه إلى 2000 جنيه في ظل معدل التضخم 33% لا تزال في صالح الرئيس مرسي، لا سيما بعد قرار السيسي زيادة بدل المهن الطبية بقيمة 700 جنيه فقط وتحت وطأة جائحة كورونا، الأمر الذي يصور الفارق الضخم بين توجهات الرجلين الاقتصادية، بخاصة للطبقات المتوسطة والفقيرة.

وتشير الإحصاءات كذلك إلى زيادة الصادرات المصرية غير البترولية في يونيو/حزيران 2013 بنحو 21% مقارنة بالشهر نفسه من العام 2012، وأن الصادرات زادت خلال الشهور الستة الأولى في عام 2013 بنحو 17% مقارنة بالفترة نفسها من عام 2012، في مقابل سنوات السيسي الست التي لم تشهد الصادرات المصرية فيها تطوراً يذكر على الرغم من الانخفاض الدامي للعملة الوطنية.

تنعكس توجهات الحاكم علي الأرقام الاقتصادية المتحققة، وبون شاسع بين رئيس يضع نفسه خادماً للشعب، يسكن في شقة بالإيجار، ينصب اهتمامه على الفقراء والمعوزين، وبين آخر يقترض لينفق على حمايته الشخصية، وجنون عظمته، ولبناء القصور الرئاسية، ويجمد الأموال في مشروعات غير ذات جدوى اقتصادية، ولو بقي في الحكم مئة عام فلن يزداد الفقراء إلا فقراً، ولن يورث إلا نتائج الاستبداد من ظلم وضغائن وانشقاقات مجتمعية. رحم الله الرئيس الشهيد الدكتور محمد مرسي.

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: