القاضي سامر القبج
Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on email
Email
Share on telegram
Telegram

رابط مختصر للمادة:

الانقلاب الاجتماعي (1)

القاضي سامر القبج
Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

إنّ ما نحنُ فيه من قارعةٍ لا يجوزُ أن يُفسَّر بحال أنهُ عقابٌ إلهي؛ فكونُ الأزمات والابتلاءاتِ ومنها الأوبئةُ والكوارثُ عقاباً هو أمرٌ غيبيٌ اختَصَّ اللهُ به؛ فمِن سُنَّةِ الحياةِ أن يتعرَّضَ الإنسانُ لابتلاءاتٍ وأمراضٍ وعِلَلٍ ، قال تعالى: (أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن يُترَكُوٓاْ أَن يَقُولُوٓاْ ءَامَنَّا وَهُم لَا يُفتَنُونَ ) العنكبوت 2           

وقد وُصِفت المصائبُ في التُّراثِ الفكري بأنها “الواعظُ الصَّامت” لأنَّ مثلَ هذه الحوادثَ والسُّننِ الكونيَّةِ  تهُزُّ الإنسانَ وتوقظُ فكرَه  ليراجعَ نمطَ حياتِهِ، قال تعالى: ( وَمَا مَنَعَنَآ أَن نُّرسِلَ بِٱلأٓيَٰتِ إِلَّآ أَن كَذَّبَ بِهَا ٱلأَوَّلُونَ وَءَاتَينَا ثَمُودَ ٱلنَّاقَةَ مُبصِرَة فَظَلَمُواْ بِهَا وَمَا نُرسِلُ بِٱلأٓيَٰتِ إِلَّا تَخوِيفا ) الإسراء 59

ومن أجل أن نكونَ واقعيين؛ فلا نتوقَّعُ تغيُّراً جوهرِيّاً أو مُهِماً على مستوى سلوك الأفراد، فالإنسانُ بطبعِهِ عجولٌ ونسيٌ؛ وسيرجعُ الناسُ إلى ما اعتادوهُ وأَلفوهُ؛ ولا بُدَّ أن يستأنِفوا حياتَهم كما اعتادوها إن استطاعوا لذلك سبيلاً.

 ونحنُ لا شكَّ مُقبِلون على رُكودٍ اقتصادي كبير؛ كالذي حصل سنة 1929 م، وكذلك ألمَحَ الكثيرون من أربابِ السِّياسةِ والاقتصادِ في أرجاءِ المعمورةِ أنَّنا مُقبلونَ على زمنِ الرُّكودِ والبَطالةِ والفقرِ، وأنَّ الدُّنيا ستتغيَّرُ بعد الوباءِ كما تغيَّرت بعدَ الكسادِ الأوَّلِ؛ وبعدَ الحربِ العالميَّةِ الثانية؛ وبعد الحادي عشر من سبتمبر؛ ولكنَّ التَّغيُّر بعدَ هذه القارعة سيكونُ هائلاً ومُذهلاً.

أما عندنا في الأردن فقد صرَّح وزيرُ الماليَّةِ : “الأردنُّ جزءٌ من الاقتصادِ العالمي، وسيتأثَّرُ سلباً بهذا الوضع ؛ ونتوقَّعُ أن يكونَ الأثرُ الماليُّ والاقتصاديُّ على الأردنّ عميقاً؛ وأن يؤثِّرَ هذا على الإيراداتِ العامَّة، مُضيفاً أنّ هناك تحدِّياتٍ أوجدتها أزمةُ كورونا. وإنه من المتوقع اتخاذُ قراراتٍ ماليةٍ صعبةٍ خلالَ المرحلة المُقبلة

كلُّ ما تقدم مقدمةٌ لما سيؤولُ إليه الأمرُ من عاداتٍ اجتماعيةٍ اعتادها النَّاسُ من قبل سواءً أكانت صواباً أم غيرَ صواب؛ فلا بد من التَّغيير.

ومنها عاداتٌ اجتماعيَّةٌ اعتادها الناسُ؛ ولا علاقةَ للشريعةِ بها؛ وتلك العاداتُ إما معنويةً كالمصافحةِ والتَّقبيلِ والمعانقة؛ وأخرى ماديةٌ مُكلفةٌ أبرزُها العُرفُ الفاسدُ وهو عُرفٌ لا تُقرُّهُ الشريعةُ؛ وكذلك لايُقرُّهُ أصحابُ الفِكرِ السَّوي، ومنه تكاليفُ الزَّواجِ؛ وتكاليفُ الوفاةِ ؛ فرغمَ بساطةِ الإسلامِ في مُراعاةِ هاتين المُناسبتين؛ إلا أنَّنا وضعناهما في قالَبٍ  غيرِ قالَبِها مما أدى إلى انهيارٍ في منظومة القيم.

وبما أننا مقبلونَ على أعوامٍ متقلِّبةٍ بيولوجياً؛ وبالتالي على سِنينَ كسِنِيِّ يوسُف أي سنينَ شدادٍ يأكلنَ ما قدَّمتُم، لنقولَ لهذا الشعبِ المِسكين (أَلَيسَ مِنكُم رَجُلٌ رَّشِيد).

ألا تستحقُّ هذه المرحلةُ أن نُغيِّرَ نمطَ حياتِنا؛ فنتقدَّمَ للأمام حيثُ الهديُ الرَّبانيُ في الوسطيَّةِ؛ والخُلُقُ النَّبويُّ في اليُسر ورفعِ الحرجِ .

ولا أكتُمكُم حديثاً أنَّ جميعَ المُحاولاتِ من صُنَّاعِ القرارِ والمُتنفِّذينَ وشُيوخِ العشائرِ والوثائقِ الوطنيَّةِ والعائليَّة والعشائريةِ أثبتت فشلَها في التَّقدُّمِ  نحو روحِ الشَّريعةِ؛ حتى إنَّ رجال الدّين – إن جازت التَّسمية – شاركوا في مثلِ هذه المهازلِ الاجتماعيَّةِ فأضفَوا عليها شرعيَّةً زائفةً؛ بدل أن يكونوا مُصلحين اكتَفوا بكونِهِم صالحين؛ وتمثَّلوا بقولِ أبي العلاء:

فلما رأيتُ الجهلَ في النَّاسِ فاشيا                    تجاهلتُ حتى قيلَ أنِّيَ جاهلُ

فوا عجباً كم يدَّعي الفضلَ ناقصٌ              وواأسفاً كم يُظهر النَّقصَ فاضِلُ

واعتقدَ الناسُ مخطئين؛ أنَّ في تلك الجُموعِ المُبعثَرَةِ رفعٌ لرأسِ العَشيرةِ وبيان قُوَّتِها؛ وأنه كُلّما حشدوا لتلك المُناسبةِ من ألقابٍ رنَّانةٍ كصاحبِ دولةٍ ومعالي وعُطوفة وباشا وبيك؛ كلما قَوِيت شوكَتُهُم وارتفعوا فوقَ الناس والقانون.

قبل أشهُرٍ اتَّصل معي القائمونَ على جمعيَّةِ  العَفافِ لإصدارِ “وثيقة العفاف للمناسبات الاجتماعية” ، وطلبوا منّي أن أُبيِّنَ لهم التَّأصيلَ الشَّرعيَّ لمثل هذه الوثيقة؛ وحاولتُ إقناعَهم أنَّ مثل هذه الوثائقَ محكومٌ عليها بالفَشلِ وأنَّها تُولدُ ميتةً؛ إلا أنَّ اللهَ سبحانه بحُكمِهِ وحِكمَتِهِ قدَّر أن يُغيِّر الجاهليةِ بمخلوقٍ لا يُرى بالعَين، وهذا قِمَّةُ التَّحدّي؛ فلم يُرسِل مخلوقاً عِملاقاً يدوسُ ناطحاتِ السَّحاب وينفُخُ في الهواء فيقتُل، ويرفعُ يدَهُ فيسفِكُ الدِّماء،بل (فيروسٌ مبرمجٌ )؛وكائنٌ دقيقٌ غيرُ مرئِيٍّ؛ عطَّلَ الآلةَ وألزَمَ النّاسَ بيوتَهم؛ بثَّ فيهم الرُّعبَ والخوفَ والقلقَ والأرقَ وأورثَهُم الاكتئابَ، أفقرَ غَنِيَّهُم وأمرَضَ صحيحَهُم وأماتَ سقيمَهُم وأبطلَ فسادَهُم ليأتيَ الرَّدُ الصاعقُ من السَّموات (يَومَ هُم بَٰرِزُونَ لَا يَخفَىٰ عَلَى ٱللَّهِ مِنهُم شَيء لِّمَنِ ٱلمُلكُ ٱليَومَ لِلَّهِ ٱلوَٰحِدِ ٱلقَهَّار) ِ١٦ غافر

ما أجملَ أن يتخلَّى البشرُ عن قيمةٍ ساميةٍ فينتصرُ لها ربُّ البشر.

فيا أيُّها الراشدونَ في هذا البلد ويا أيُّها المُصلحونَ، ما يعلمُ جنودَ ربِّكَ إلا هو؛ وهذه وثيقتُكُم تخلًّى عنها الحُكماءُ والعلماءُ والوجهاءُ؛ فحملها المخلوقُ الصَّغيرُ صاحبُ الوزنِ المعدومِ؛ هذا الفيروس نصَرَ قضيَّتَكُم؛ وإنّ من واجبي أن أُبيِّنَ بعضَ الأحكامِ الشَّرعيَّةِ لتلك المناسباتِ الاجتماعيَّةِ التي يعتقدُ البعضُ أنها من رَحِمِ الشَّريعةِ والشَّريعةُ منها بَراء؛ وذلك في مقالين آتيين إن شاءالله.

وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله رَبِّ العلمين.

القاضي – سامر مازن القبج
عضو المحكمة العليا الشرعية

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

Related Posts