القاضي سامر القبج
Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on email
Email
Share on telegram
Telegram

رابط مختصر للمادة:

الانقلاب الاجتماعي 2

القاضي سامر القبج
Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

ونُتمُّ ما بدأناهُ عن الانقلاب الاجتماعي الذي تفرضُهُ علينا جائحةُ كورونا فقدَّرَ اللهُ لنا أن تكونَ هي المؤدِّبُ والمُربّي والمُغيِّر؛ وبذلك يتأكَّدُ قولُ اللهِ سبحانه:” لَا تَحۡسَبُوهُ شَرّٗا لَّكُمۖ بَلۡ هُوَ خَيۡرٞ لَّكُمۡۚ ” النور 11   وقوله تعالى:” وَعَسَىٰٓ أَن تَكۡرَهُواْ شَيۡئ‍ٔٗا وَهُوَ خَيۡرٞ لَّكُمۡۖ وَعَسَىٰٓ أَن تُحِبُّواْ شَيۡ‍ٔٗا وَهُوَ شَرّٞ لَّكُمۡۚ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ وَأَنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ” البقرة 216.

ومن ذلك الخير مشروعا الزّواج والوفاة؛ واللذان أصبحا يُشكِّلانِ عِبئاً مادياً مُرهقاً على خلافِ مبادئِ الشَّريعةِ الإسلاميَّةِ المتميِّزة ببساطتها ويُسرها، ونبدأُ بمشروعِ الزَّواج والذي أصبح عائقاً أمام أبسطِ حقوقِ الإنسان من أن يُكَوِّنَ أسرةً ويبتعدَ عن الحرام؛ وبعد أن كان مشروعُ الزّواجِ من أوَّله إلى آخره ومنذ زمن الرِّسالةِ وحتى ما قبل خمسينَ عاماً أو يزيد لا تُعدّ تكاليفُهُ مُرهِقةُ، أصبح اليوم هذا المشروعُ والذي يبدأ من الجاهةِ مُروراً بحفلة الخِطبة وما يتبعُها من احتفالاتٍ فرعيةٍ للوداع والحِنّاءِ وانتهاءً بحفلةِ الزّفافِ وما يتبعُها من حفلاتٍ فرعيةٍ من مُباركاتٍ ونحوِها؛ وبما يحملُ هذا المشروعُ من شراء الذَّهبِ(الشبكة)والملابسِ والأثاثِ وتجهيزِ البيتِ لتنوءُ بالعُصبةِ أولي القُوَّةِ؛ وبات هذا المشروعُ  من المستحيلات كالغول والعنقاء والخِلِّ الوَفِّي؛ ونتج عنه عُزوفٌ جبريٌّ من الشباب عن الزواج؛ مما أدى إلى ظُهورِ ما يزيدُ على مائةٍ وثلاثينَ ألف فتاةٍ تجاوزت الثلاثينَ من العمر لم يسبق لها الزواج؛ وأدّى كذلك إلى ظُهور الفواحش بصفتها البدائلَ المُحرَّمة والتي تُتلفُ المجتمع؛ والكبت وما يحويه من ويلات.

ويتبجَّحُ الآباءُ وأولياءُ الأمورِ اليوم؛ بأنهم لا يأخذون لجيوبهم شيئاً ولكنهم لن يقبلوا لبناتهم بالقليل حفاظا على قيمة بناتهم؛ فالمهرُ دينارٌ والتَّكاليفُ مائةُ ألفٍ؛ وما مثَلُهُم إلا كمثَلِ أصحابِ السَّبتِ الذين احتالوا على رَبِّهم فحوَّلهم اللهُ قردةً وخنازير؛ ويتمسَّك أصحابُ السَّبتِ هؤلاء بأنَّ الحديثَ النَّبويَّ مفادُهُ (أقلُّهُنّ مهراً أكثرهُنّ بركة) ومهر البنت دينارٌ أردنيٌ واحدٌ، ونسي هؤلاء أو تَناسَوا حديث النبي ﷺ ” أعظمُ النِّكاحِ بركةً أيسرَهُ مؤونة ” أخرجه أحمد والنسائي ، وفي روايةٍ أخرى لهما (أعظمُ النساء بركةً أيسرهُّن مؤونة).

 والمؤونةُ تأتي هنا بمعنى التكاليف؛ فصاحبةُ البركةِ هي الأقلُّ مهراً والأقلُّ تكاليف والأيسرُ في إتمام هذا المشروع.

وكيف كان هذا المشروعُ في زمن النبيِّ ﷺ ؟

أولاً: كان الصحابيُّ الجليل عبد الرحمن بن عوف من أغنياء الصحابةِ؛ حتى إنّ تركته على حسبِ قولِ أصحابِ السِّيَر (اثنين وثلاثين مليونا وستِّ مئة وأربعين ألفا) من الغرامات الذهبية؛ أي أنها شارفت على المليارين من الدولارات؛ مع أنه خرج عن جميع ماله أكثرَ من مرَّة.

قَدِمَ عبدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَوْفٍ المَدِينَةَ ،فَرَآهُ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، بَعْدَ أيَّامٍ وعليه وضَرٌ مِن صُفْرَةٍ ( الطيب)، فَقَالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مَهْيَمْ يا عَبْدَ الرَّحْمَنِ؟ قَالَ: يا رَسولَ اللَّهِ، تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً مِنَ الأنْصَارِ قَالَ: فَما سُقْتَ فِيهَا؟ فَقَالَ: وزْنَ نَوَاةٍ مِن ذَهَبٍ، فَقَالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أوْلِمْ ولو بشَاةٍ. رواه البخاريُّ في صحيحه.

 من فوائد هذا الحديث أن المجتمعَ المدنيَّ يومَها لم يَكُن يعدّ الزَّواجَ حدَثاً مُهماً؛ بل إنّ عبدَ الرَّحمنِ خطبَ وتزوَّج ولم يكن رسولُ الله ﷺ يعلم بذلك حتى إنه لم يُقِم حفلةَ زفافٍ مما جعل النَّبي ﷺ يُخبرهُ أنَّهُ لا بدّ من الإشهار على قَدرٍ مُعيَّنٍ (أولم ولو بشاةٍ) والشَّاةُ عادةً يُدعى إليها ثلاثونَ شخصاً وبهم يحصُلُ الإشهار.

ومن فوائده أيضاً أنَّ المهرَ الذي دفعه عبدُ الرحمنِ بنُ عوفٍ وهو من طبقة الأغنياء وأصحاب رؤوس الأموال كان يساوي غرامين وربع الغرام من الذهب.

ثانياً : جَاءَتِ امْرَأَةٌ إلى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَقالَتْ: يا رَسولَ اللَّهِ، جِئْتُ أهَبُ لكَ نَفْسِي، قالَ: فَنَظَرَ إلَيْهَا رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَصَعَّدَ النَّظَرَ فِيهَا وصَوَّبَهُ، ثُمَّ طَأْطَأَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ رَأْسَهُ، فَلَمَّا رَأَتِ المَرْأَةُ أنَّه لَمْ يَقْضِ فِيهَا شيئًا جَلَسَتْ، فَقَامَ رَجُلٌ مِن أصْحَابِهِ، فَقالَ: يا رَسولَ اللَّهِ، إنْ لَمْ يَكُنْ لكَ بهَا حَاجَةٌ فَزَوِّجْنِيهَا، فَقالَ: وهلْ عِنْدَكَ مِن شيءٍ؟ قالَ: لا واللَّهِ يا رَسولَ اللَّهِ، فَقالَ: اذْهَبْ إلى أهْلِكَ فَانْظُرْ هلْ تَجِدُ شيئًا، فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ، فَقالَ: لا واللَّهِ ما وجَدْتُ شيئًا، فَقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: انْظُرْ ولو خَاتَمًا مِن حَدِيدٍ، فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ، فَقالَ: لا واللَّهِ يا رَسولَ اللَّهِ ولَا خَاتَمًا مِن حَدِيدٍ، ولَكِنْ هذا إزَارِي – قالَ سَهْلٌ: ما له رِدَاءٌ – فَلَهَا نِصْفُهُ، فَقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ما تَصْنَعُ بإزَارِكَ إنْ لَبِسْتَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا منه شيءٌ، وإنْ لَبِسَتْهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ منه شيءٌ، فَجَلَسَ الرَّجُلُ حتَّى إذَا طَالَ مَجْلِسُهُ قَامَ، فَرَآهُ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مُوَلِّيًا، فأمَرَ به فَدُعِيَ، فَلَمَّا جَاءَ قالَ: مَاذَا معكَ مِنَ القُرْآنِ. قالَ: مَعِي سُورَةُ كَذَا وسُورَةُ كَذَا، عَدَّدَهَا، فَقالَ: تَقْرَؤُهُنَّ عن ظَهْرِ قَلْبِكَ قالَ: نَعَمْ، قالَ: اذْهَبْ فقَدْ مَلَّكْتُكَهَا بما معكَ مِنَ القُرْآنِ.رواه البخاري

من فوائد هذا الحديث أن ّالنبي صلى الله عليه وسلم لم يطلب منه تكوينَ نفسِهِ لجلبِ مهرٍ؛ بل أنهى الموضوعَ في ساعته وقُضي الأمر.

ثالثاً : أنَّ سيدَنا عثمانَ بن عفان الذي كان يُجهّز الجيوش لإعلاء كلمة الله لكثرة ماله واشتهار عطائِه؛ والذي تزوج ابنتي رسولِ الله صلى الله عليه وسلم رُقية ولما تُوفيت تزوّجَ أختَها أمَّ كُلثوم حتى لُقّب ب (ذي النورين)، أما عليٌ بن أبي طالب فقد تزوَّج فاطمةَ الزَّهراء.

والمعلومُ أنَّ النبيَّ محمداً صلى الله عليه وسلم هو أفضلُ البشر؛ وأن بناتِه هُنَّ الأفضلُ لأنهن بضعةٌ منه؛ وأنَّ قيمَتَهُنّ أعلى وأغلى القِيم؛ ومع ذلك كان مهرُهُنّ يسيراً ومقبولاً حتى روى الترمذي في سننه؛ قال عمرُ بن الخطابِ : ألا لا تغالوا صَدُقةَ النساءِ . فإنها لو كانتْ مكرمةٌ في الدنيا أو تقوى عندَ اللهِ ، لكان أولاكُم بها نبيّ اللهِ صلى الله عليه وسلم . ما علمتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم نكحَ شيئا من نسائه ، ولا أنْكحَ شيئا من بناتهِ ، على أكثرَ من ثنْتَيْ عشرةَ أوقيةً. وهي تعادلُ (1500) غرام فضة؛ ويوازي من الذّهب (215) غرام؛ فتحسِب سعر غرامات الفضة وسعر غرامات الذهب وتأخذ متوسّط القيمة فيكون المهرُ بمجموعه لا يتجاوز خمسة آلاف دينا أردني؛ وأكَّد الأئمة ألا يُزاد َعلى مهرِ بناتِ رسولِ الله ﷺ؛ حتى قال ابن تيمية عنه “أنه جاهل وأحمق” الفتاوى 32/194.

ولنَعُد إلى مشروعِ الزَّواجِ وإلى أوَّلِ بداياته؛ وهي الجاهةُ فإنها لم تكن في عصر السّلف الصالح ولا عندنا في بلاد الشام و كانت الجاهة تسمى الطلبة  وتقتصر على خمسة رجال فقط يضمنون ابنهم في أن يُحسنَ معاملةَ الفتاةِ؛ ويكونُ الرجالُ الخمسةُ مُتضامنين في كفالة هذا الخاطب ومزكِّين له آخذينَ على يدِه في حال ظُلمِهِ للزَّوجةِ أو تعسُّفِهِ في استعمال حقِّه المشروع؛ وكانت الجاهةُ تنطلقُ عند البَدو في حالتين؛ الأولى إذا تم رفضُ الزّوجِ سابقاً فتسيرُ الجاهة كمحاولة لجلبِ المُوافقة؛ والحالةُ الثانيةُ إذا كان المهرُ كبيراً يزيد على أعراف النّاس وعاداتهم فتسيرُ الجاهةُ للتخفيف عن الخاطب.

أما جاهات اليوم والتي يزيد عددها على عشرات الرجال بل المئات؛ ويكتُبُ الإعلام أنه توجهت جاهةٌ برئاسةِ دولته وثُلةٌ من أصحاب المعالي والعطوفةِ والسَّعادةِ، فهذا بدعةُ ضلالةٍ في الشّرع وبدعةٌ  في العُرف  أفرزتها الانقلابات الاجتماعيةُ في فترة الثمانينات وما بعدها وهي غريبة عن المجتمع الأردني.

أمّا سائرُ المصاريفِ من شراءِ الذَّهبِ والملابسِ والحفلاتِ فهو أمرٌ محكومٌ بالشّرعِ لا بالعُرف؛ فلا إسرافَ ولا تبذيرَ ولا تكلُّف؛ وبذلك تعود إلى السّهولة واليُسر؛ وتنخفضُ تكاليفُ الزّواجِ إلى مهرٍ مُقدَّرٍ معقولٍ ومقدورٍ عليه؛ ووليمةِ عرس يُدعى إليها الدَّرجةُ الأولى من الأقارب.

فبعد أن تذهب الجاهةُ بخمسة رجال أقارب لا صاحبَ منصبٍ فيهم؛ بل الأبُ والجدُّ والعمّ والخالُ يُزكّون الزَّوجَ ويَضمنونه فذلك أفضلُ من جاهةٍ بها ألفُ رجُلٍ ولكن إن  تعرضت الزوجةُ للأذى لا تجدُ واحداً منهم يَحُلّ الإشكال. وللحديث بقية

وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله رَبِّ العلمين.

*القاضي سامر مازن القبج: عضو المحكمة العليا الشرعية

(البوصلة)

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

Related Posts