الذكرى الأولى منذ 25 عاما بدونها.. كيف غطّت شيرين أبو عاقلة النكبة؟

الذكرى الأولى منذ 25 عاما بدونها.. كيف غطّت شيرين أبو عاقلة النكبة؟

البوصلة – لم تمنعها الرصاصة الإسرائيلية -التي اغتالتها قبيل أيام من ذكرى النكبة- من ترك بصمتها كما في كل عام، إذ بدأت شيرين أبو عاقلة تغطيتها باكرا من قرية “شعب” شرقي مدينة عكا، شمال فلسطين المحتلة، ورافقت ميدانيا مسيرة عودة سنوية نحو قرية معيار المهجرة.

مشت شيرين مع اللاجئين قائلة “جاؤوا ليقولوا للاحتلال ذكرى استقلالك هي نكبتنا، جلبوا أطفالهم في تمرير واضح لحق العودة من الكبار حتى الصغار”.

لم يكن نصا مسجلا، بل ارتجلت شيرين بإتقان يعكس خبرتها الطويلة، غير مدركة أن هذا التقرير الذي بُث في السادس من مايو/أيار عام 2022، سيكون آخر تقاريرها عن اللاجئين وحلم العودة والنكبة، حتى استشهدت على أبواب مخيم جنين؛ أحد أبرز شواهد نكبة الفلسطينيين المستمرة منذ 74 عاما.

لم تكن شيرين ابنة القدس فحسب، بل تجولت في كل أراضي فلسطين التاريخية، حتى تركت في كل قرية ومدينة محبين بكوها بحرقة حين رحلت، وقال بعضهم ممن كبر على صوتها وتغطياتها “كأنهم قتلوا صديق طفولتنا”.

باعثة على أمل العودة

تحلّ ذكرى النكبة الفلسطينية هذا العام من دون الشهيدة شيرين أبو عاقلة، التي حرصت عبر ربع قرن من عملها الصحفي على تغطية الذكرى وكأنها تغطيها لأول مرة، باحثة عن قصص اللاجئين غير المحكية، متجولة بين أطلال القرى المهجرة، باعثة على أمل العودة بكلمات متزنة وصوت هادئ ولغة واثقة ومهنية عالية.

ومنذ انضمامها لشبكة الجزيرة عام 1997 قدّمت شيرين عشرات التقارير الصحفية عن ذكرى النكبة، التي يتم إحياؤها رمزيا في 15 مايو/أيار من كل عام، وقدمتها بأسلوب سهل ممتنع، فكانت مكثفة غنية توصل الفكرة بكل سلاسة خلال 3 دقائق فقط، مقدمة عبر 25 عاما أرشيفا توثيقيا وإعلاميا يوَثق ويدرَس.

عودة لحظية للجولان 2011

رصدت الجزيرة نت جزءا من تغطيات شيرين لذكرى النكبة بدءا من عام 2011، في الذكرى 63 للنكبة، حيث شهدت قتل الاحتلال 5 لاجئين فلسطينيين حاولوا عبور الحدود السورية نحو هضبة الجولان المحتلة، واستطاع بعضهم عبور السياج الفاصل لدقائق معدودة.

وقالت شيرين حينها “حققوا حلمهم ولو لبعض الوقت، الجيوش مهما كانت قوية لن تضمن حدودا آمنة ما دام خلفها أصحاب حق ترفض الاعتراف بهم”.

وفي العام ذاته، ظهرت شيرين بقالب مختلف، حيث أطلت من داخل أستوديو الجزيرة في رام الله، مع ضيوفها الذين حاورتهم حول الثورات العربية وأثرها على النكبة. وكشف هذا اللقاء عن براعتها في التقديم وإدارة اللقاءات، بعيدا عن براعتها الميدانية الإخبارية.

حاضرة في مخيمات اللجوء

أفردت شيرين الكثير من تغطياتها في ذكرى النكبة للمخيمات الفلسطينية، فزارت مخيم بلاطة في نابلس عام 2013، لتسلط الضوء على مركز “يافا الثقافي”، الذي جمع مقتنيات اللاجئين ودوّن التاريخ الشفوي من زمن النكبة عام 1948، ليبقي الذكرى حاضرة في ذهن الأجيال القادمة.

في عام 2014 كان قصة أبو عاقلة من مخيم الجلزون شمال رام الله، لتوثق شهادة اللاجئ المسن عطا شراكة الذي يحلم بالعودة إلى قريته بيت نبالا قضاء الرملة.

وقفت شيرين في نهاية تقاريرها أمام الكاميرا قائلة بأمل “العودة حق وليست مجرد حلم، وكما قال الشاعر الفلسطيني محمود درويش أنا هنا، وهنا أنا”.

وقريبا من الجلزون كانت شيرين في مخيم الأمعري عام 2019، لتلتقي اللاجئ من الرملة رياض فليفل الذي يصر على العودة بعد 71 من اللجوء، وتحدثت في التقرير ذاته عن تأثير الانقسام الفلسطيني وصفقة القرن على ذكرى النكبة وحق العودة.

قرى القدس المهجرة

كان لقرى القدس المهجرة من تغطية شيرين نصيب كبير، فاستضافت عشرات المهجرين من جيلي النكبة الأول والثاني، وعادت مع بعضهم إلى قراهم لتقف على أطلالها، وتوثق وجودا فلسطينيا دامغا فيها، كما فعلت عام 2020 حين استقلت مركبتها برفقة المقدسي يعقوب عودة ليزور قريته المهجرة لفتا غربي القدس.

بين الماضي والحاضر

ومن يافا عروس البحر فنّدت شيرين رواية من قالوا إن فلسطين أرض بلا شعب، متجولة في شوارع المدينة القديمة عام 2018، وهي تروي حكاية 4 دور سينما كانت قائمة فيها قبيل النكبة، لتقابل بعدها في نفس التقرير الفنان عامر الشوملي مخرج فيلم “المطلوبون 18″، متحدثة عن حال السينما الفلسطينية قبل النكبة وبعدها.

دمجت شيرين بين الماضي والحاضر عند حديثها عن النكبة، ففي عام 2014 التقت بشبان من يافا تحدثوا عن التحديات والصعوبات التي يواجهها الفلسطينيون في داخل الخط الأخضر للحفاظ على هويتهم في الذكرى الـ66 للنكبة.

أنسنة ظاهرة

وفي مدينة رام الله التي نالها السواد الأعظم من تغطيات شيرين أبو عاقلة الميدانية عموما والنكبة خصوصا، نقلت عام 2015 حكاية عازفين ومغنين فلسطينيين عملوا على جمع الأرشيف الفني قبل النكبة، وأعادوا إنتاج أسطوانات موسيقية قديمة ضمن مؤسسة “نوى”.

وبرفقة اللاجئة الثمانينية فاطمة شراكة، زارت شيرين عام 2017 معرض “قول يا طير” الفني في رام الله، لتستذكر معها حكايات اللجوء داخل المعرض الذي ضم صورا ومقتنيات توثق ذلك.

سألت المراسلة المخضرمة ضيفتها عن الذي حملته معها عند تهجيرها من قريتها بيت نبالا، فأجابت الأخيرة متأثرة “لحاف وفرشة وزيت وزعتر”.

ختمت شيرين تقريرها ذاك قائلة ” كل لاجئ حمل معه ما اعتبره عزيزا على قلبه، حمل وثائقه ومفتاح بيته موقنا أنه سيعود يوما ولو بعد عقود”.

هكذا، عرفت شيرين دائما كيف تستنطق ضيفها، وتتصرف بحسها الإنساني قبل الصحفي؛ فكانت موادها علامة فارقة في ذكرى النكبة، تلتصق بذاكرة كل من شاهدها.

الجزيرة نت

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: