العمري: الحج بأعدادٍ قليلة تحقيقًا لمقاصد الشريعة بحفظ النفس

العمري: الحج بأعدادٍ قليلة تحقيقًا لمقاصد الشريعة بحفظ النفس

عمّان – رائد الحساسنة

أكد القاضي الشرعي الدكتور أشرف العمري في تصريحاتٍ إلى “البوصلة” أنه على الرغم من شعورنا بالحزن والأسى لما سيكون عليه موسم الحج لهذا العام من أعدادٍ قليلة جدًا وغياب الحشود الكبيرة بسبب جائحة كورونا، إلا أنه يتوجب علينا أن لا نؤذي أنفسنا ومشاعرنا لا سيما وأنّ هذا الأمر يحفظ الصالح العام ويحفظ النفوس كأحد مقاصد الشريعة.

وقال العمري: “إن ملايين المسلمين متشوقون لأداء الحج؛ ولكنهم اعتادوا في الأوضاع الطبيعية على “تقييد الحج” بسبب المسائل التنظيمية، على الرغم من ملاءتهم المالية وأمن الطريق وإمكان المسير كما يقول الفقهاء، فلم يكن كل راغبٍ بالحجّ يتمكن من ذلك سابقًا، والقيود المفروضة سببها المصلحة العامة لمحدودية الأماكن في المشاعر المقدسة وعدم القدرة على استيعاب تلك الملايين”.

وأشار إلى أن التحديد والتقييد في الحج مرتبط بمقاصد الشريعة حتى يتمكن المسلمون من أداء المناسك بشكلٍ مريح وجيد، وأن لا يكون هناك زحام شديد يؤذي الناس ويضر بأحد مقاصد الشريعة وهو حفظ النفس، منوهًا إلى أن ما استجد لهذا العام زيادة المحددات، وبعد قرار قرار السعودية إقامة الحج بأعداد قليلة،بسبب الوباء الجديد الذي يُخشى على الناس منه، أصبح كل من يعيشون خارج السعودية لديهم العذر.

ونوه إلى أن التفسير الفقهي للاستطاعة في الحج يتمثل في القدرة المالية وأمن الطريق وإمكان المسير، مشيرًا إلى أن كلها متوفرة لكن إمكان المسير غير ممكن، بسبب احتمالية انتشار الوباء إلى بلاد المسلمين الأمر الذي قد يضر بالصالح العام وقد تؤول بمقصد من مقاصد الشريعة وهو حفظ النفس للفساد.

وقال العمري: إن حرمة الدماء في تعاليم ديننا الحنيف أشد عند الله من حرمة الكعبة نفسها، وكل ذلك من باب الحفاظ على حياة الناس والحفاظ على كرامة المسلمين وحفظ دمائهم، مؤكدًا أنه عندما تقدر الجهة صاحبة العلاقة في الحج أن هناك مخاطر من اجتماع هذا القدر الكبير من الناس فإن هذا الأمر يمنحنا العذر لعدم أداء هذه الفريضة لهذا العام.

ووجه العمري رسالة لكل من تعذر عليه الوصول للحج بسبب الجائحة مفادها أن لا يحزن لا سيما وأنه معذورٌ شرعًا، مؤكدا في الوقت ذاته “أننا نتوجه إلى رب رحيم وربٍ غفور ولا نحسب الأمور بالحسبة المادية والحسابات الدنيوية، فالله مطلع على السرائر والقلوب والأحوال وتوجه النفوس وتشوقها نحو المسجد الحرام ومنى وعرفة والمشاعر المقدسة”.

وأضاف، “إننا قد نشعر بالحزن والأسى على الصعيد الجمعي، لما سنشاهده من أعداد قليلة في مكة والمشاعر المقدسة، ليست كما اعتدنا عليه من تلك الحشود الكبيرة التي جاء في الأحاديث أن الله يباهي بها الملائكة، لكن عزاءنا في ذلك وجود العذر”.

ماذا تقول المذاهب في الحج؟

ونوه العمري إلى أن هناك مذاهب وآراء فقهية في أداء فريضة الحج؛ فمنها رأيٌ فقهيٌ معتبرٌ يقر أنه يجب الحج على الفور لمن ملك القدرة المادية والجسدية وملك المسير فعليه فورًا أن يحج، مستدركًا لكن من المذاهب من ترى أداء الحج على التراخي حتى لمن استطاع إلى ذلك سبيلا بشرط ما يسمّيه الفقهاء “شرط السلامة وخوف الفوت” وأن لا ينتظر الإنسان حتى يمرض أو لنهاية عمره، فلا يستطيع الحج.

وقال: “إن دائرة الإفتاء العام في الأردن ترجح أن أداء فريضة الحج يكون على التراخي ضمن الشروط المعتبرة للفقهاء وهو رأي الشافعية في هذه المسألة”.

ولفت العمري إلى مسألة مهمة عند الفقهاء تتعلق باتساع وقت أداء بعض الفرائض، موضحًا أنه إذا حانت الصلاة فالأفضلية لأدائها في أول الوقت، ولكن وقت الصلاة وقت اتساع ويمكن أن نصلي في منتصف الوقت وفي آخره وكله وقت أداء.

ونوه إلى أن الفقهاء يرون في أداء فريضة الحج كما في الصلاة أن “من استطاع إليه سبيلا” ربما توجب أداء الحج على الفور، لكن المذهب المعتبر أنّه يمكن أداؤها على التراخي بشرط أن لا يفوت الوقت.

ووجه العمري رسالة للأفراد الذين حرموا من الحج لهذا الموسم بالقول: لا يؤذي الإنسان نفسه ولا يؤذي مشاعره ويبقى التوجه القلبي موجودًا وحب الذهاب إلى البيت الحرام موجودًا، فلعل الإنسان تكون لديه نيّة وعزيمة في القلب على أنه لو مكن من الذهاب إلى الحج لأدى الشعيرة، فلو قضى الله أمرًا كان مفعولاً بالنسبة للعمر لعل الله عز وجلّ أن يكتب له الخير.

وأوضح أن الإنسان إن كان له مال وأولاد وكان قادرًا ولم يحج يستطيع أن يوصي بالحج لمن بعده، ومن كان لديه وفرة في المال ولم يستطع الحج هذا العام فإن بإمكانه أن يدخر هذا المال للعام القادم لعل الله أن يهيئ له الأسباب لأداء الحج في الأعوام القادمة.

مثال عملي من السيرة

وقال العمري: قدوتنا في هذا النبي صلى الله عليه وسلم عندما أراد أن يعتمر فمنعته قريش من العمرة، أصاب المسلمين الشعور بالأسى، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم آثر الصلح وآثر حقن دماء المسلمين ورجع بناء على صلح الحديبية المعروف، ثم اعتمر في العام الذي يليه وسميت عمرة القضاء.

وتابع، “نحن عندما نتأسى بالنبي صلى الله عليه وسلم في كل ظروف حياتنا الدنيوية ومصائبنا بأن الإنسان عندما يصيبه شيء من البلاء ويدرس السيرة يجد في فعل النبي عليه السلام وحياته يجد الكثير من المصائب التي نقع فيها بحياتنا سواء مصيبتنا في أزواجنا وآبائنا وأموالنا وأولادنا، وكل ذلك حتى نتأسى بالنبي وهو القدوة ونحتسب عند الله ويكون لدينا أمل في المستقبل أن هذه الشعيرة قائمة وستقوم”.

ولفت القاضي الشرعي إلى “أننا كنا نتحدث عن إغلاق المساجد ونتأذى من عدم قدرتنا على الذهاب إليها لكننا كنا نقول إن المساجد ستفتح ونعود للصلاة، وإن شاء الله المشاعر ستفتح ويعود الناس إلى بيت الله الحرام ولكن وفق إجراءات يتوفر فيها حفظ الصحة والسلامة العامة حتى لا يتأذى الناس”.

عبادات القلوب

وأشار العمري إلى ثغرة موجودة في عالمنا العربي والإسلامي متمثلة في عدم الموازنة بين عبادات الجوارح وعبادات القلوب، لا سيما وأن الناس في غالبيتها تركز على الشعائر الجسدية وعبادات الجوارح، منوها بالقول: نحن لدينا نقص في عبادات القلوب المتعلقة بتصرفات الإنسان المسلكية الذاتية عندما نتحدث الصبر والتضحية ومنظومة الأخلاق بشكل عام.

وأكد أن العبادات القلبية يجب أن نتدرب عليها في حياتنا اليومية، منوها إلى أن كثيرًا منا أدى شعيرة الحج ورأى كيف أن جزءًا من الناس لا يلتزمون بأخلاقيات الحج ويتجاوزون حتى وهم بجوار بيت الله الحرام، مشيرًا إلى أن الأمر الإلهي والتوجيه القرآني جاءت الحاجة إليه ليحث على أنه “لا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج”، لا سيما وأن النفس البشرية عندما تضعها في ظروف صعبة تتجه تلقائيا نحو الجدال وبعض السلوكيات.

وشدد على أن هذه البيئة الصعبة التي يمكن أن يتعرض لها الإنسان خلال أداء شعائر الحج، موجودة في بلده وحيه وأسرته، وبالتالي يجب أن يتمثل هذه المعاني في كل مكان سواء في عمله أو في حياته أو طريقه أو في تجارته أو أداء مهمته وواجباته في عمله.

وأكد العمري على ضرورة أن نأخذ الإسلام من هذا المنظور المتكامل كعقيدة نؤمن بها وعبادات نطبقها بعضها متعلقة بالجوارح وأخرى متعلقة بالقلوب وهي ليست أقل أهمية من عبادات الجوارح، متسائلا في الوقت ذاته: ما الذي يفرق المسلم ما بين أن يكون مرائيا أو مخلصا أن يكون منافقا أو أن يكون مؤمناً، ما الذي يفرق بين الأمرين؟ هي القلوب، على حد تعبيره.

وختم حديثه إلى “البوصلة” بالقول: “نحن بحاجة أن نراجع هذه المنظومة في حياتنا وأن نرجع الميزان الخاص بها في الحياة، لأن بعض الناس لا يكون لديهم هذا الميزان واضحًا، فتجدهم يفضلوا أعمالاً على أخرى ويهمشوا قضايا هي كبيرة ويكبروا قضايا ليست كذلك، وهذا ما يؤدي للانفصام في الحياة ويحدث الخلل في سلوكنا في تعاملنا مع ديننا ودنيانا”.

(البوصلة)

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: