لميس أندوني
Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on email
Email
Share on telegram
Telegram

رابط مختصر للمادة:

القمع والاستبداد يتساقطان في أحضان “إسرائيل”

لميس أندوني
Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

نستطيع قول الكثير عن الابتزاز الأميركي الفاقع لإخضاع السودان لتطبيع العلاقات مع إسرائيل. ولكننا لم نكن لنصل إلى هذا المنحدر، لولا عقود من القمع والاستبداد وتدمير أسس الاقتصاد الوطني في معظم الدول العربية، كما سقطت دول في حضن إسرائيل، نجا اقتصادها، لفشلها في بناء دولة المواطنة.

غيّب القمع والاستبداد الشعوب ومنعاها من التعبير عن إرادتها الحرّة، وأصبح القرار بأيدي أنظمةٍ تهرول نحو التطبيع، طامعة برضى أميركا وقوة إسرائيل التي أصبحت الحامية لها، لأنه لا ثقة لهذه الأنظمة بشعوبها، تريد شعوبا وفق الطلب، لا مساحة لحرية أو مشاركة في تقرير مصيرها. وبذلك، لا خروج لنا من قعرٍ لا نهاية ظاهرة له إلا برفض الاستبداد الذي ينفذ من خلاله المستعمر.

انشطر السودان قسمين في عام 2015، نتيجة تدخل غربي وإسرائيلي في جنوب السودان، ولم يكن ليخسر وحدته، لو أن حكام السودان من رؤساء وعسكر أسسوا لدولة القانون، وليس لنظام استبدادي قمعي، وتم استثمار مقدّرات البلاد ببناء اقتصاد منتج وقوي، وإنْ يعد التدخل الخارجي عاملا لا يستهان به، غير أن قمع الشعوب وإهانتها والتنكيل بها بوابة التدخل الخارجي الأوسع.

ما يحدث دليل على تراجع كاسح للوعي القومي العربي، بما يعنيه هذا الوعي من تضامن والتزام بالسيادة والاستقلال ورفض الاستعمار. ما نراه هو غيابٌ لهذا الوعي وتغييبٌ له مُمنهجان، ففقدت هذه الشعارات معناها، ولم تعد، بالنسبة لأنظمة عديدة، سوى وسيلة تسويغ وتبرير للقمع وسلب الحريات وإلقاء عشرات آلاف المناضلين والمثقفين والمعارضين في الأقبية والسجون. كما أن هناك ظاهرة يجب أن نعترف بها من دون مواربة، أن كثيرين ممن نشأوا في ظل الأنظمة القومية حدثت لديهم ردة فعل قوية ضد الشعارات الوطنية القومية، لأنها أضحت مرادفة للطغيان والكبت، ما يجعل بعضهم فريسةً سهلةً لأي مؤسسة غربية، حتى صهيونية، لتجنيده للعمل معها، أو ترديد مفاهيم تخدم إنشاء أجيال تقبل التبعية، بل والاستعمار، وترحب بها.

الصورة أعمق وأكثر تعقيدا، لكن القصد هنا دعوة إلى مواجهة تداعيات القمع المنظم تحت أي شعار كان، من دون إغفال الاستعمار، فالاستعمار ليس شيئا من الماضي، إنما هو حاضر بأشكاله القديمة والجديدة، لكن التركيز على دور المستعمر، من دون الاعتراف بخطايا الأنظمة والثقافة السياسية، لا يمكّن من النهوض أو التفكير باستراتيجية مستقبلية.

ودائما ما تركّز الكتابات التقدمية على قمع النظم التبعية، وهذا طبيعي، لأن هذه الأنظمة عملت وبشكل مخطط على خنق الحركات والأحزاب التحرّرية، وعلى منع المفاهيم القومية والتحررية ومفاهيم العدالة الاجتماعية من التجذّر في المجتمعات العربية. وما تعرّضت له الأحزاب اليسارية والقومية من عمليات اعتقال وإبعاد وتعذيب من هذه الأنظمة شاهد على ذلك. على أنه يحسن الاعتراف بفشل الأنظمة العربية التي رفعت شعارات التحرر والمقاومة، من دون بناء مجتمعات حرة لا يتعرّض أفرادها للتوقيف والاعتقال والاستجواب بسبب أفكارهم. وإذا كانت لهذه الأنظمة إنجازاتها في مجالات أخرى من بناء الدولة، لكنها إنجازات تهدمت، كما رأينا في العراق، بفعل الغزو الأميركي أولا، وبفعل اختراق الوعي الغاضب والمخنوق أصلا من كبت أجهزة الأمن والمخابرات الحريات.

عملت أميركا على حصار الأنظمة الوطنية وإضعافها، لكن تشوه العلاقة بين مواطني الدولة القومية وأجهزة الدولة نفسها يسّر هذه المهمة. ومن السهل تذكّر مؤتمرات قومية وتقدمية، كانت تعقد في عواصم هذه الدول، وكنا نطرب لشعاراتها، لكننا أهملنا شعور المواطن الخائف المرتجف خوفا من أنظمةٍ كان كثيرون يرون فيها خلاصا وملاذا، وقد جعلت إهمال قضية حقوق المواطنة مؤسسات الدول والمجتمعات قابلة للنخر والتفتيت. ولا يصدر الحديث هنا عن نقد استشراقي، تماهياً مع المؤرخ البريطاني برنارد لويس، الذي وضع علمه وكتبه وثقافته في خدمة الفكرة الاستعمارية، ومنها تغطيته “الفكرية” الزائفة وتشريعها الغزو الأميركي للعراق عام 2003، لكن القمع وغياب التنمية الاقتصادية أوجدا مجتمعاتٍ عربية، أثبتت هشاشتها أمام أساليب الاستعمار الجديدة.

غياب الحريات والعدالة الاجتماعية وحدهما، على أهميتهما القصوى، لم يكن ليُضعف العالم العربي تدميرا للوعي والطاقات، لولا تتابع الهزائم أمام إسرائيل، ولكن الضربة الكبرى كانت في احتلال العراق، فالنكبة الفلسطينية، على دلالتها من حيث انتصار مشروع استعمار في قلب العالم العربي، كانت حدثا محفزا لموجة حركات اليسار والقومية العربية، بينما مزّق سقوط بغداد ونزفها غير المتوقف أسس الوعي القومي والتحرّري العربي. جاء احتلال العراق بداية عملية إفقاد الأمل بقدرة الشعوب على التحرّر، بما توالت معه من تداعيات، من قبيل إشعال الطائفية والصراعات الإثنية، سبلا لتمكين السلطات التي جاءت مع الاحتلال الأميركي، والتي عملت على تجذير أفكار واتجاهات انعزالية وانكماشات قطرية لكل شعب عربي على حدة، وبذلك أضعفت إلى حد الشلل الفكر القومي التحرري. وأفقدت نتائج ما أحدثه الاحتلال الأميركي في العراق الشعوب العربية، أو الأغلبية فيها، الثقة بقدرتها على التغيير، على الرغم من شعلة أمل أيقظتها الانتفاضة الفلسطينية، وصمود الفلسطينيين في قطاع غزة المحاصر، ومواجهة حزب الله مع إسرائيل عام 2006، غير أن احتلال العراق كان زلزالا عمّق من تبعية الأنظمة للإرادة السياسية الأميركية التي أصبحت أكثر وقاحة بتبعيتها وتواطئها مع سياسات أسيادها. ثم بدأ الشعب العربي يستعيد الحلم بانطلاقة انتفاضات الأجيال الجديدة في عام 2011، لكن قوى الاستبداد والتدخل الغربي واجهت الموجة، وبرز دور التنظيمات المتطرّفة، مثل تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وغيره، ما مكّن قوى الثورة المضادة من الانتصار، وعاد ثالوث الاستبداد والتبعية والإفقار الاقتصادي إلى مراكز الحكم والقوة. أي أن عوامل الإحباط طغت وبقوة على المشهد العربي، ما جعل الحلف الإماراتي -الإسرائيلي العلني، والذي انضمت إليه البحرين ممكنا، ثم جاء الاستفراد بالسودان في ابتزاز بشع، ليكون مثالا جديدا على غياب صوت الشعوب في تقرير مصيرها وتسليمها للهيمنة الصهيونية – الأميركية.

ليس هدف المقالة هنا دب اليأس، بل الدعوة إلى مواجهة الاستبداد، فقد كشفت الانتفاضات العربية غياب قيادة واعية موحدة للشباب المنتفضين، تربط بين قضايا الحريات ومسألة التحرّر الوطني، بفكر حر مدني لا مذهبي، من دون التبرير للإقصاء والإلغاء لأي خصم أيدولوجي. ولهذا لا تعني الدعوة إلى مقاومة التطبيع مع إسرائيل رفع الشعارات في ذلك على أهميتها، بل توضيح الرابط بين التطبيع وتعميق التبعية الاقتصادية، وبالتالي الإفقار والقمع، فلا يمكن تمرير مشاريع هيمنة خارجية من دون كبت للحريات واستغلال فئات واسعة من المهنيين والعمال، ومن ثمّ إفقار وتدهور معيشي يزيد أغلبية الناس معاناة وبؤساً.

والدعوة هنا إلى ربط مقاومة التطبيع بالنضال ضد الاستبداد، ومن أجل العدالة الاجتماعية وحقوق المواطنة وتحقيق الحريات العامة، فالمسائل ليست منفصلة، وفصلها يخدم مشروعي الاستبداد والتطبيع معا، فالمواطن العربي يجب أن يشعر أن النضال يخدم حقوقه في العيش والحياة الكريمة، وإلا لا معنى لأي شعارات أو تحرّكات.

(العربي الجديد)

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

Related Posts