عمّان – البوصلة
أكدت الخبيرة التربوية بشرى عربيات في تصريحاتٍ لـ “البوصلة” أنّ ازدياد أعداد المدارس الخاصة بشكلٍ كبيرٍ جدًا لم ينعكس على العملية التربوية والتعليمية، معبرةً عن أسفها الشديد من أنّ كثيرًا من هذه الاستثمارات بهذا القطاع لم يكن هدفها بناء جيلٍ أفضل أو الحصول على نوعية تعليم أفضل؛ بل كانت من “أجل جني وكسب المال على حساب عملية التربية قبل التعليم” على حد تعبيرها.
وقالت عربيات: نلاحظُ منذ سنوات ازدياداً في أعداد المدارس الخاصة، هذه الزيادة لم تنعكس إيجابياً على نوعية التعليم، بل على العكس، فقد تعدَّدت المدارس والتعليم واحدُ، بل إن الأمانة العلمية تقتضي أن نعترف أنَّ التعليم في تراجعٍ ملحوظ، إذاً الفكرة لا تكمن في عدد المدارس بالتأكيد، بل إنها تكمن في الإعداد الجيد لكل ركن من أركان التعليم ابتداءً بالمبنى المدرسيّ، مروراً بالمدراء القائمين على المدارس، وكادر المعلمين، إضافة إلى تجهيزات المختبرات العلمية والمهنية وصالات الرياضة وحتى الساحات التي يحتاجها الطلبة عند بدء اليوم الدراسي وخلال الإستراحة.
ولفتت إلى أنّ “كل هذه المقوِّمات تكاد تكون مفقودة في كثير من مدارس القطاع الخاص، ناهيك عن الأبنية المستأجرة سواءً في القطاع الحكومي أو الخاص، لكن تتفاقم المشكلة في أبنية المدارس الخاصة، ذلك لأن الطلبة يدفعون مبالغ مالية معينة مقابل توفير بيئة مدرسية صحية بحيث يتوفر للطلبة مساحة في الغرفة الصفية ومساحة أخرى في الساحات، إضافة إلى المختبرات، لكن هذا مفقود بكل ما تعني الكلمة في العديد من مدارس القطاع الخاص، وتحديداً المستأجر منها، لكن لا يقف الحال عند الأبنية المستأجرة فقط”.
إقرأ أيضًا: خبيرة تربوية تحذر: أجيالٌ مهدَّدةٌ بفقدان الهوية بعد فقدان اللغة

جيل أفضل أم ارباح أكثر
وأوضحت عربيات أنّ الإستثمار في التعليم بدأ منذ سنواتٍ ليست بالبعيدة، والمقصود بالاستثمار ليس من أجل بناء جيلٍ أفضل، بل من أجل جني وكسب المال على حساب عملية التربية قبل التعليم، إذ دخل قطاع التعليم تُجار لا يقرؤون ولا يكتبون، وهذا ليس عيباً بحد ذاته إذا كان الهدف توفير فرص التعليم لكافة شرائح المجتمع، ولكن أن يكون الهدف رقماً في سجلِّ الأرباح فقط دون توفير خدمة تعليم محترمة، فهذه هي إحدى المصائب الكبرى التي نزلت بالتعليم!
وأشارت إلى أنّه “من هنا بدأت الحكاية، كيف يتم ترخيص المدارس الخاصة، وما هي الأسس والشروط اللازمة لأي مستثمر يرغب في الإستثمار بالتعليم؟ ومن يتابع تلك المدارس بعد ترخيصها؟ ومن يحفظ للطلبة حقوقهم دون التعذُّر بأنه طالما لا تصل وزارة التربية والتعليم شكاوى، فالتعليم بخير، أبداً أيها السادة، التعليم ليس بخير ومن يقول غير ذلك فإنه مخطئ بالتأكيد، أو ربما يكون مستثمرًا على أقل تقدير”.
وعبّرت عن أسفها من أنّ “الأمر زاد سوءاً في تدريس البرامج الأجنبية منذ مراحل الطفولة المبكرة، الأمر الذي دعا أصحاب المصالح الخاصة إلى إدِّعاء تدريس البرامج الأجنبية دون مراعاة أبسط الشروط اللازمة لذلك، لكن للأمانة العلمية فقط تمَّ مراعاة زيادة الأقساط بحجة تدريس برامج دولية مختلفة، فزادت الأقساط والأرباح مقابل خدمة تعليم أقل من متواضعة، وفي المقابل لا يمكن التدخل في شؤون هذه المدارس دون شكوى وهنا يكمن السؤال، هل يُعقل أن ننتظر شكاوى أولياء الأمور الذين ربما يخافون على مستقبل أبنائهم في حال تمَّ طيّ صفحة الشكوى بفنجان قهوة؟ أو ما شابه ذلك”.
تغوّل على التعليم
ولم تقف الخبيرة التربوية عند هذا الحد بل شددت على أنّ “الموضوع كبير وخطير، وذلك بسبب تغوُّل بعض أصحاب المدارس والمصالح الخاصة على التعليم، نعم أقول أن هذا تغوُّل على التعليم بكافة أركانه، فأنا لم أذكر الظلم الذي يتعرض له بعض المعلمين والمعلمات في القطاع الخاص من حرمان من الرواتب، فهذا موضوع آخر ومهم أيضاً، لكن المقصود اليوم تصنيف مدارس القطاع الخاص إعتماداً على معايير دقيقة يتم تطبيقها على جميع مدارس القطاع الخاص دون استثناء، بعد ذلك سنجد أن الأمور بدأت بالسير في الإتجاه الصحيح تلقائياً، ذلك لأنه من أمِنَ العقوبة أساء الأدب، فكيف لو أمِنَ المساءلة؟ إنه لن يسيء الأدب فحسب، بل سوف يسيء إلى العملية التعليمية، ولا عجب!”.
وتساءلت عربيات: “هل يُعقل أن يكون التوجيهي على سبيل المثال لا الحصر، ضمان لشركة معينة في إحدى المدارس؟! نعم ضمان، تماماً كما يتضمن المزارع قطعة أرض لمحصول معين، أو كما يتضمن أحدهم قطعة أرض مواقف سيارات، تُرى ما هي معايير ضمان جزءاً من صرح علمي لتدريس مرحلة الثانوية العامة فقط ؟”.
وختمت حديثها بتوجيه رسالة مفادها: “أنّ أبناءنا الطلبة ليسو أكياساً من الرز أو السكر على رفوف المحلات التجارية، وليسو عُلب فول يتم استبدالها عند انتهاء الصلاحية، وليسو أرقاماً في سجلات تجار العلم الذين يطمعون بأرقام ربحٍ لامتناهية، بل هم عماد المستقبل، وهم الأمل المنشود لبناء الأوطان، لذلك يستحق الأمر منا جميعاً متابعة هذا الموضوع، كما أنه يجب علينا تسليط الضوء على ما يحدث في الساحة التعليمية التربوية، ولنتذكر قول الحسين الباني: (فلنبنِ هذا البلد، ولنخدم هذه الأمة)”.
إقرأ أيضًا: خبيرة تربوية تحذر من “عناكب الجهل” وتطالب بمواجهتها بـ “نشر الوعي”

انخفاض أعداد الطلبة في المدارس الخاصة
يذكر أنّ منتدى الاستراتيجيات الأردني، أكد أنّ عدد الطلبة المنتسبين للمدارس الحكومية للعام الدراسي 2020/ 2021، ارتفع بنسبة 3ر11 بالمئة، مقارنة بالعام الدراسي 2019/ 2020، فيما انخفض عدد الطلبة في المدارس الخاصة بنسبة 19 بالمئة لنفس الفترة.
وأشار المنتدى في إحصائية صادرة عنه حول أعداد الطلبة في مدارس وزارة التربية والتعليم (الحكومية) والمدارس الخاصة للعام لدراسي 2020/ 2021 في مختلف المحافظات، إلى أن محافظة العاصمة تأتي بالمرتبة الأولى من حيث أعداد الطلبة المنتسبين للمدارس الخاصة بنسبة 33 بالمئة، وفي المدارس الحكومية 67 بالمئة، تليها محافظة العقبة بنسبة 24 بالمئة في المدارس الخاصة و76 بالمئة في المدارس الحكومية.
وبين أن محافظتي المفرق ومعان من أعلى المحافظات بأعداد الطلبة المنتسبين إلى المدارس الحكومية وبنسبة 95 بالمئة في المحافظتين على حد سواء.
نزوح نحو المدارس الحكومية
وأدّى انتقال طلبة من المدارس الخاصة إلى المدارس الحكومية إلى اكتظاظ في بعض المديريات خصوصا في القصبات في عمّان وإربد والزرقاء، وفق وزارة التربية والتعليم.
وكانت وزارة التربية والتعليم أكدت انتقال أكثر من 214 ألف طالب إلى المدارس الحكومية في العامين السابقين، كما انتقل في العام الدراسي الحالي أكثر من 26 ألف طالب من المدارس الخاصة إلى المدارس الحكومية.
إقرأ أيضًا: عربيات: ستستمر معاناة المجتمع من آثار “الفاقد التعليمي” ما لم تتم معالجته
(البوصلة)