د. رامي عياصرة
اصبحت العلاقة بين الاردن وايران حديث النخب السياسية بعد مفاجأة الاتفاق السعودي الايراني برعاية صينية بما تحمل الكثير من الدلالات والتي سيكون لها الكثير من المآلات على خارطة العلاقات و التحالفات في المنطقة.
الاتفاق المعلن متشعب الاتجاهات والقراءات اقليميا ودوليا ويطرح اسئلة كبيرة من صنف تراجع الدور الأمريكي الواضح والى أي حد يمكن أن يصل هذا التراجع؟
وهل على الدول الحليفة لها أن تعيد حساباتها بشكل جذري وحقيقي وتبحث بالفعل عن تحالفات جديدة او تقوم بتنويع خياراتها وتعدد علاقاتها ؟
تأثير هذا كله على سلوك المشروع الصهيو.ني تجاه ايران وتجاه السعودية ذاتها التي كانت مستهدفة بالاتفاقات الابراهيمية بالخطوة التالية.
وهل سيعيد هذا الاتفاق العلاقة بين السعودية وايران الى حالة الجوار الحذر أم سينقلها الى حالة تقارب وتفاهم على مختلف ملفات المنطقة في لبنان وسوريا واليمن والعراق؟
في تقديري انه من المبكر الحكم على هذه النقطة تحديدا، ولابد من اعطاء المزيد من الوقت لاتضاح طبيعة العلاقة من جديد.
لا شك ان الاتفاق له ما بعده، واعاد ترتيب المنطقة واولوياتها من جديد ، ولكن ما اود الحديث عنه في هذه السطور يتركز على كيفية التعامل الاردني الأمثل تجاه هذا الواقع الجديد الذي اوجده الاتفاق السعودي الايراني.
تلام الدبلوماسية الأردنية بأنها قامت بخطوة سحب سفيرنا من طهران تضامنا مع الموقف السعودي وقتها بسبب حرق السفارة السعودية، صحيح اننا كنا نتمتع بعلاقات طيبة مع السعودية وقتها ولكن التضامن مع الاشقاء لا يبنى على حساب مصالح الدولة الاردنية خاصة عندما تكون خطوة بهذا الحجم ؛ اذ تمثل خطوة سحب السفير اقصى درجات التصعيد في العرف الدبلوماسي.
اعتقد اننا كنا بغنى عن مثل هذه الخطوة وكان ينبغي التعبير عن التضامن مع الاشقاء بطريقة أخرى اقل حدّة.
كنت خلال الفترات السابقة من الذين يطالبون باعادة سفيرنا الى طهران بل وارسال شخصية اردنية سياسية قوية ومعبرة توحي بجدية الاردن للتعامل مع ايران على اساس الند للند وضمن نطاق حسن الجوار ولتحقيق مصالح الدولة الاردنية خاصّة مع وجود المليشيات الايرانية قرب حدودنا الشمالية، ونفوذها الكبير في العراق، ودخولها على خط ملف القضية الفلسطينية، هذه ثلاثة ملفات هامّة وحيوية جدا للاردن جميعها تحتاج لتفاهمات من نوع معين مع ايران.
اذن عندما كنا نقول أن علينا اردنيا التعامل مع ايران سياسيا وليس طائفيا، كنا نستهدف تحقيق المصالح العليا للدولة الاردنية دون النظر الى غيرها.
ولكن ما مضى مضى ، والسؤال الذي يطرح اليوم وبإلحاح يقول: ما هو التعامل الأمثل مع ايران ؟
البعض يطرح باندفاع ضرورة عودة علاقاتنا مع ايران واعادة سفيرنا باسرع وقت.
باعتقادي أن هذا الطرح وبهذه الكيفية فيه نفس السلوك السابق من التعامل بردة الفعل بدلا من الفعل السياسي الهادئ والرزين الذي يجب أن تتمتع به الدبلوماسية الأردنية.
لا يصح ان نعيد ذات الخطأ ببناء مواقفنا تبعا لمواقف الآخرين، ولا ان تكون ردة فعل على أفعال الآخرين ، وانما حسب ما تمليه علينا مصالحنا الحقيقية دون تردد او استعجال.
مع عودة السفير الأردني الى طهران لكن بعد مفاوضات وتفاهمات ولو بالحد الأدنى مع الجانب الإيراني بحيث تعود العلاقة على ارضية واضحة تؤسس لعلاقة فيها من تبادل المنافع وعلى اساس المصالح المشتركة.
الأهم من وجهة نظري أن لا تخضع توجهاتنا باعادة العلاقة مع ايران لمجاملة الولايات المتحدة الأمريكية التي تريد ان تحفظ ماء وجهها بعد الاتفاق الذي جرى ، او أن نخضع لحسابات الكيان الصهيو.ني وشدة حساسيته من الجانب الإيراني.
والا سنكون قد وقعنا بنفس الخطأ مرة أخرى سواء علمنا ذلك ام لم نعلم.
لنجعل القاعدة الاصيلة في نسج علاقاتنا الخارجية هي مصالحنا العليا فقط، مع ضرورة الفصل بين مسارات العلاقات الأخرى، بمعنى ان لا تكون علاقة الاردن مع الولايات المتحدة على حساب علاقته مع ايران، ولا تكون علاقتنا مع السعودية على حساب علاقتنا مع قطر وهكذا.
من واجب الدبلوماسية الأردنية ان تنجز علاقاتها الخارجية وفق رؤيتها التي تستند على تحقيق مصالحها دون مجاملة او اندفاع او تردد.