تبعية دار الإفتاء.. السيسي يحسم جولة في صراعه مع شيخ الأزهر

تبعية دار الإفتاء.. السيسي يحسم جولة في صراعه مع شيخ الأزهر

الطيب والسيسي

معركة جديدة يبدو أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي كسبها هذه المرة بمواجهة شيخ الأزهر أحمد الطيب، حيث وافق مجلس النواب على تعديلات لقانون دار الإفتاء، رغم اعتراضات الطيب وهيئة كبار العلماء.

ووافق النواب أمس الأحد على تعديل قانون تنظيم دار الإفتاء بما ينص على تبعيتها لمجلس الوزراء بدلا من وزارة العدل، واعتبارها كيانا دينيا مستقلا، وهو ما رفضه بعض النواب وممثل الأزهر باعتباره يمس استقلالية الأزهر.

وينهي القانون الطريقة التي اعتمدت عام 2012 في عهد الرئيس الراحل محمد مرسي والتي تقضي بانتخاب المفتي من خلال اقتراع سري مباشر، يصوت فيه أعضاء هيئة كبار العلماء التي يترأسها شيخ الأزهر.

في المقابل، يؤسس القانون لآلية مغايرة توقف سلطة هيئة كبار العلماء عند اختيار ثلاثة مرشحين للمنصب من داخل الهيئة أو من خارجها، ثم ترفع ترشيحاتها تلك لرئيس الجمهورية الذي منحه القانون سلطة مطلقة في الاختيار من بين المرشحين الثلاثة، كما منحه الحق في التمديد للمفتي بعد أن يبلغ السن القانونية.

من جهتها أكدت اللجنة المشتركة من لجان: الشؤون الدينية والأوقاف، والخطة والموازنة، والشؤون الدستورية بالبرلمان -في تقرير سابق- أن مشروع القانون يهدف إلى إعادة تنظيم دار الإفتاء ومنحها الشخصية الاعتبارية المستقلة والاستقلال.

ووفقا لتقرير اللجنة المشتركة، يهدف مشروع القانون لإعادة تنظيم كل ما يتعلق بالمفتي من حيث: وضعه الوظيفي، وإجراءات تعيينه واختياره، ومدة شغله للمنصب، والتجديد له، وسلطاته، واختصاصاته، ومن ينوب عنه في تسيير شؤون الدار بوجه عام في أحوال معينة.

مخالفة دستورية وكيان مواز

وخلال جلسة الموافقة على القانون، قال ممثل الأزهر محمد الضويني الأمين العام لهيئة كبار العلماء إن مشروع القانون يعتدي على اختصاصات الأزهر، مشيرا إلى أن أي هيئة دينية يتم إنشاؤها تعد جزءا لا يتجزأ من رسالة الأزهر “ومن يقُل بغير ذلك يشكل مخالفة صريحة للدستور” مطالبا بأن تكون تبعية دار الإفتاء للأزهر الشريف.

وحذر الضويني من تغول دار الإفتاء على الأزهر بقوله “إذا زرعت الفتنة والخلاف بين الأزهر الشريف والمؤسسات الدينية، وسمح لدار الإفتاء بالتغول على اختصاصات الأزهر الشريف، فلن نجني إلا خطابا متباينا”.

وأوضح الأمين العام لهيئة كبار العلماء أن دار الإفتاء ليس لها استقلالية الرأي الشرعي، مشيرا إلى أن هناك مسائل يتم العودة فيها في الأساس لهيئة كبار العلماء، وأن (هذا) القانون -بالإضافة إلى مخالفته للدستور- يعمل على إنشاء كيان مواز للأزهر، وهو ما يتجاوز حدود الخلاف على الاختصاص.

ومساء السبت الماضي، نقلت وسائل إعلام محلية نص خطاب أرسله الأزهر لرئيس البرلمان علي عبد العال، يتضمن رأي هيئة كبار العلماء في القانون، مؤكدا أن مواد هذا المشروع تخالف الدستور وتمس باستقلالية الأزهر والهيئات التابعة له، وعلى رأسها هيئة كبار العلماء وجامعة الأزهر ومجمع البحوث الإسلامية.

وأوضح الخطاب أن الدستور نصّ على أن الأزهر هو المرجع الأساس في كل الأمور الدينية والشرعية التي في صدارتها الإفتاء.

وأضاف أنه غير صحيح ما ذكر في مقدمة القانون من أن هناك فصلا بين الإفتاء والأزهر منذ نحو 700 عام، وأن هناك كيانا مستقلا (دار الإفتاء) مؤكدا أن مقر الإفتاء في القدم كان في الجامع الأزهر.

وتابع أن جميع مناصب الإفتاء في مصر طوال العصر العثماني كانت في يد علماء الأزهر: وأشهرها إفتاء السلطنة والقاهرة والأقاليم، موضحا أن مشروع القانون المقترح تضمن عُدوانا على اختصاص هيئة كبار العلماء بالأزهر واستقلالها.

معركة جديدة

وقال مغردون ونشطاء إن القانون الجديد يعتبر معركة جديدة بين السيسي والطيب، وذلك في إطار المعارك المستمرة بين الطرفين، على غرار قضايا الطلاق الشفهي وما سمي تجديد الخطاب الديني ومسؤولية التراث عن العنف والإرهاب، وهي القضايا التي أثارت جدلا بين الطرفين، وبعضها كان على الهواء مباشرة.

وتعد السلطة الوحيدة التي لا يملكها السيسي أو يسيطر عليها بشكل تام هي سلطة تعيين شيخ الأزهر أو عزله، بفضل تحصين المنصب بعد جهود حثيثة قادها الطيب عام 2012 لإقرار تعديلات بعض أحكام القانون رقم 103 لسنة 1961، المتعلقة بإعادة تنظيم الأزهر والهيئات التي يشملها.

وفي يونيو/حزيران 2016، أطلق الطيب “إستراتيجية الأزهر” في الإصلاحِ والتَجديد، والتي تتضمن 15 محورا، وتعتمد على وسائل التواصل الحديثة سواء من خلال شبكات التواصل الاجتماعي أو المحطات الفضائية والصحف وغيرها.

لكنه طالما اشتكى من إغلاق القنوات التلفزيونية والصحف أبوابها أمام الأزهر ومشايخه، مشيرا إلى أنه “كانت هناك حملة على الأزهر الشريف” وأنها تصب في مصلحة “داعش” (تنظيم الدولة الإسلامية).

ولا يترك السيسي مناسبة إلا يدعو فيها إلى ضرورة “تجديد الخطاب الديني” محمّلا مشيخة الأزهر مسؤولية الاستجابة لدعوته التي صرّح بها في الأول من يناير/كانون الثاني 2015، خلال احتفال الدولة بالمولد النبوي الشريف، مطالبا بما وصفها بثورة دينية لتغيير المفاهيم الخاطئة.

وخلال الاحتفال بالمولد النبوي العام الماضي، هاجم شيخ الأزهر ما وصفها بـ “الصيحات التي دأبت على التشكيك في قيمة السنة النبوية وفي ثبوتها وحجيتها والطعن في رواتها” كما هاجم الدعوات “المطالبة باستبعاد السنة جملة وتفصيلا من دائرة التشريع والأحكام والاعتماد على القرآن الكريم فحسب”.

ويبدو أن خطاب شيخ الأزهر أثار حفيظة السيسي الذي أنهى كلمته المكتوبة، ثم اشتبك مع ما ذكره الطيب بشكل مباشر، مؤكدا أن خطاب شيخ الأزهر دفعه للحديث خارج السياق قليلا، مضيفا “أرجو ألا يفهم أحد كلامي على أنه إساءة إلى أي أحد”.

وتساءل السيسي “من أساء إلى الإسلام أكثر: الدعوة إلى ترك السنة النبوية والاكتفاء بالقرآن فقط، أم الفهم الخاطئ والتطرف الشديد؟ ما سمعة المسلمين في العالم الآن؟”.

ويعود الخلاف بين الطيب والسيسي إلى مواقف الأول الرافضة للعنف، والتي بدأت في أعقاب “أحداث الحرس الجمهوري” يوم 8 يوليو/تموز 2013 بعد خمسة أيام من الانقلاب الذي قاده السيسي عندما كان وزيرا للدفاع على الرئيس المنتخب (مرسي) حين قتل الجيش عشرات المعارضين. فقد طالب الطيب بفتح تحقيق قضائي، وتشكيل لجنة للمصالحة الوطنية، وإطلاق سراح جميع المعتقلين.

وكانت المرة الثانية في أعقاب فض اعتصام معارضي الانقلاب في ميدان رابعة العدوية يوم 14 أغسطس/آب 2013 بالقوة، مما أدى إلى مقتل وجرح آلاف الأشخاص، وأعلن الطيب حينها -في بيان صوتي- تبرؤه مما حدث، قبل أن يعتزل في مسقط رأسه بالأقصر.

وفي أعقاب تولي السيسي الحكم منتصف 2014، برزت الخلافات على السطح، وتحولت المؤتمرات التي تجمعه بشيخ الأزهر إلى ساحات مقارعة تتسم بالشد والجذب والهجوم الصريح والتلميح، فضلا عن أزمات متتالية مثل أزمة تكفير تنظيم الدولة، حيث رفض الطيب في 11 ديسمبر/كانون الأول 2014 تكفير التنظيم كما دعت وسائل الإعلام المحسوبة على النظام.

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: