تونس: ماذا تريد عبير موسي؟

تونس: ماذا تريد عبير موسي؟

تثير تحركات ومواقف رئيسة الحزب الدستوري الحرّ عبير موسي تساؤلات المتابعين للمشهد السياسي في تونس. فقد تمكنت من تسليط الأضواء عليها في وقت قصير، بفضل خطابها الشعبوي وأدائها الذي حيّر أنصارها وخصومها على حد سواء.
وقامت موسي بالتشويش على كل جلسات البرلمان، الذي شارف على الانتهاء من عامه الأول، وهي لا تفوّت افتتاح جلسة دون اقتناص الفرصة للتنكيل بغريمها التاريخي، زعيم حزب النهضة ورئيس البرلمان راشد الغنوشي.

وبعد سقوط لائحتها الأولى في الجلسة العامة حول رفض التدخل الأجنبي في ليبيا، التي تستهدف دولاً دون غيرها، رفض مكتب البرلمان لائحة ثانية أعدتها موسي لتصنيف جماعة “الإخوان المسلمين” منظمة إرهابية لعدم استجابتها للشروط الشكلية. ورداً على ذلك، حشدت أنصارها في شارع الحبيب بورقيبة في العاصمة تونس مستهدفة خصمها الأوحد تقريباً، الغنوشي، الأمر الذي اعتبره مراقبون تجييشاً من قبل حزبها وتحريضاً على العنف وبثاً لخطاب الكراهية.


وكتب الأمين العام للحزب الجمهوري، عصام الشابي، على حسابه في “فيسبوك”، تعليقاً على سقوط لائحة “الدستوري الحر” في البرلمان: “بعد رفض عرض مشروع لائحة (نائب رئيس شرطة دبي) ضاحي خلفان لاعتماد تصنيف (الرئيس المصري عبد الفتاح) السيسي لجماعة الإخوان المسلمين كجماعة إرهابية، الديمقراطية التونسية تعود إلى ثوابتها وترفض البقاء تحت ضغط الابتزاز السياسي”. من جانبه، وصف مساعد رئيس البرلمان عبد اللطيف العلوي، في حديث لـ”العربي الجديد”، ما تقوم به موسي بأنه “ضرب من الجنون والتحريض والدعوات للحروب الأهلية والحروب بالوكالة لمصلحة نظامي السيسي و(ولي عهد أبو ظبي محمد) بن زايد وغيرهما”. واعتبر العلوي، وهو قيادي في ائتلاف الكرامة، أن موسي “تبحث عن تسميم الحياة السياسية، وضرب النسيج الاجتماعي، وتدمير التعايش السلمي، والقبول بالآخر الذي يميز تونس”.

وجعلت موسي من معارضة حركة “النهضة” واستهدافها أساس البرنامج السياسي لحزبها، حتى تحولت إلى حديث المتابعين لشؤون البرلمان والسياسة في تونس. وقد صنعت شكلاً جديداً من المعارضة لم تعرف له المعارضة البرلمانية المؤسساتية مثيلاً، من خلال قدرتها على ابتكار وسائل احتجاج، وصلت إلى حد قطع الجلسات والتشويش عليها ووقف النشاطات والتفنن في الاعتصامات تحت قبة البرلمان. وأغرقت موسي البرلمان باللوائح والعرائض والرسائل الاحتجاجية والبيانات الاستنكارية والندوات الصحافية، ونشرت في قاعة البرلمان لافتات تحمل شعارات وعبارات مستفزة لخصومها. كما أنها قامت برفع صور الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة، في محاولة لاحتكار الإرث الدستوري البورقيبي وافتكاك راية المعارضة.

ولا تبالي موسي بوصمها بالمعارضة الهدامة والفوضوية، ولا اتهام خصومها لها بالعمالة والتبعية لقوى وأجندات خارجية، في مقدمتها الإمارات. كما لا تهتم لوابل الانتقادات بسعيها إلى تعطيل المجلس التشريعي وضرب التجربة الديمقراطية في تونس، ولا للاتهامات التي تلاحقها بالشعبوية، بل على العكس تعتبر ممارستها من صميم المعارضة الديمقراطية البناءة. ورأى المحلل عبد المنعم المؤدب، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن “موسي تبحث عن احتكار المعارضة والحداثة وموروث الحبيب بورقيبة وتركة العائلة الدستورية، من خلال سياستها المبنية على ترذيل خصومها ومنافسيها، وحتى أبناء جلدتها السياسية، والنيل منهم بشتى الوسائل المتاحة”. واعتبر أن “موسي مصابة برهاب الإسلام السياسي، وهي تعتمد فزاعة الإسلاموفوبيا لضرب خصومها”. وقال: “لا أحد يعلم ماذا تريد موسي، ولا أين تريد أن تصل بممارساتها، وإلى أي مدى ستتواصل ممارساتها السياسية الغريبة؟”، مشيراً إلى “أنها ممارسات خطيرة، مجهولة العواقب والأهداف”.

وكانت موسي (45 سنة) عضوا في حزب التجمع الدستوري المنحل، بعد سقوط نظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي في 2011، حيث كانت تشغل منصب أمينة عامة مساعدة مكلفة بالمرأة التجمعية في مركزية الحزب. ويرى البعض أن موسي كانت وفية لمدرسة “التجمع” وللنظام السابق، حتى وإن كان منبوذاً من قبل غالبية الشعب الذي عانى ويلات الاستبداد لسنوات، وهي استثمرت سياسياً وانتخابياً في ذلك لاستقطاب بقايا النظام القديم.
لكن الأمين العام لحزب التجمع الدستوري المنحل، محمد الغرياني، رأى أن “عبير موسي تسيء للفكر الدستوري وللعمل السياسي”، مشيراً إلى أنه “ليس من حقها، هي أو غيرها، التحدث باسم الدساترة والبورقيبيين، ومحاولات احتكار هذا الأمر تسيء لتاريخ العائلة الدستورية”. وهاجم موسي في أكثر من مناسبة، معتبراً أن ما تقوم به من تشويش وفوضى لا يمت للعمل السياسي بشيء. ويتبرأ العديد من سلالة “التجمع” ومناضلي العائلة الدستورية من موسي وحزبها، معتبرين أن ما تقوم به سطو على إرث تاريخي يعود لجميع التونسيين. وذهب خصومها إلى اعتبار أن ما تقوم به يتجاوز محاولات تثبيت موقعها في المشهد الإعلامي من خلال الخطابات الشعبوية والتقليعات السياسية المثيرة، بل إنه يصب في مخطط خارجي لوأد الثورة التونسية وإحباط المسار الديمقراطي.
وقال رئيس كتلة حركة النهضة في البرلمان نور الدين البحيري، في تصريحات صحافية أخيراً، إن رئيسة الحزب الدستوري الحر “جزء وحلقة من مخطط إقليمي لإسقاط الثورة التونسية، ولاستهداف مؤسساتها الديمقراطية المنتخبة”. واعتبر أن “موسي تتحرك خارج الدولة، ولا تؤمن بالثورة ولا تحترم دستورها، وهي جزء من معادلة هدفها إسقاط الثورة التونسية، عنوانها الإمارات وخلفان والعربية وسكاي نيوز”.
وأثارت موسي حنق جميع النواب من مختلف الكتل، غير أن رفضهم وتنديدهم بممارساتها يتراوحان من كتلة إلى أخرى، بين التصريح والتحفظ. ونددت النائبة عن حركة الشعب ليلي الحداد بممارسات موسي، معتبرة أن كل ما تقوم به يمثّل اعتداء على الديمقراطية. وأضافت أن “موسي صورة للفاشية، وأن حزبها حزب فاشي”. وتابعت: “موسي التي تندّد بالعنف تمارس العنف السياسي أيضاً، وليس لها أي عمل تقوم به سوى إغراق البرلمان في المناكفات والصراع الثنائي مع النهضة”.
وبعيداً عن الأهداف التي تحرك موسي لتبرير ممارساتها، فإن مستقبلها السياسي يطرح نقاط استفهام. واعتبر المحلل محمد الغواري، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن “مستقبل موسي وحزبها مبهم وآيل للسقوط والاندثار، على غرار جميع الأحزاب التي بنت برنامجها على معارضة النهضة، حتى نسيت ما ينفع الناس. التاريخ يعيد نفسه من أبواب مختلفة، وحتى إن تمكنت موسي من افتكاك تاج المعارضة وسحبت من رصيد الأحزاب الدستورية والوسطية والتقدمية خلال الانتخابات المقبلة، فإنها ستصطدم بواقع المطالب الشعبية في غياب برنامج اجتماعي واقتصادي”. ولفت إلى أنها “تتغذى سياسياً من صدامها ومعارضتها لشخص راشد الغنوشي، وهي بذلك مهددة بالإفلاس السياسي في حال مغادرته البرلمان، إذ لن تجد بعده ما تسوقه لمناهضي حزب النهضة في البلاد”.

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: