طريق عودة الحريري إلى حكومة لبنان سالكة… لولا العقبة “المسيحية”

طريق عودة الحريري إلى حكومة لبنان سالكة… لولا العقبة “المسيحية”

رئيس الوزراء اللبناني السابق سعد الحريري

خيَّم مشهدٌ ضبابيٌّ، أخيراً، على الأجواء الحكومية في لبنان، في ظلّ استمرار الخلاف بين القوى السياسية حول الشخصية التي ستُكلَّف تشكيل الحكومة الجديدة، على الرغم من أنّ أسهم رئيس الوزراء السّابق سعد الحريري ارتفعت، وبات من المُسلَّم به أنّ أكثرية الكتل النيابية ستُسمّيه يوم الخميس المقبل في الاستشارات المُلزمة التي أجّلها الرئيس اللبناني مدة أسبوعٍ، بذريعة “بروز صعوبات تستوجب العمل على حلّها”، وأنّ الطريق باتت سالكة لعودته إلى السرايا الحكومية بعدما أسقطت الانتفاضة الشعبية حكومته في التاسع والعشرين من أكتوبر/ تشرين الأول 2019، ولو حصل خرقٌ للعرف السائد بـ”الميثاقية الطائفية”، وهي اليوم المسيحية مع إعلان أكبر تكتلين مسيحيين عدم تسمية الحريري.

ويعتبر الفريق الأول، “تكتل الجمهورية القوية”، (يمثل حزب القوات اللبنانية برئاسة سمير جعجع في البرلمان)، أن حكومة الاختصاصيين يجب أن تشمل الرأس والأعضاء، لكنه في الوقت نفسه، لن يغلق الباب أمام منح حكومة الحريري الثقة أو دعم قراراتها التي تخدم الصالح العام. في حين أنّ الطرف الثاني، وهو “تكتل لبنان القوي” (يرأسه النائب جبران باسيل)، يتناغم مع موقف “القوات” لجهة عدم وضع الحريري في خانة الرئيس المختص والمستقلّ، مع فارق أنّ فريق “التيار”، لطالما ربط عودة الحريري بتوزير باسيل، ما يرفع التحدي بين الرجلَيْن، الذي كسب جولته الأولى صهر رئيس الجمهورية بمجرّد تأجيل الاستشارات، رغم محاولة الأخير، تبرئة نفسه من تُهمة الضغط على الرئيس عون من بوابة حمل الحريري على التراجع أو القبول بمطالب باسيل.

ويقول مصدرٌ في “التيار الوطني الحرّ”، اليوم الاثنين، لـ”العربي الجديد”، إنّ الخلاف مع الرئيس الحريري غير مرتبط بعودة باسيل إلى الحكومة، وما من دافع شخصي وراء رفض تسميته، فالقضية الوحيدة والأساس، ترتكز على أنّ الحريري رئيس حزب سياسي، وسبق أن ترأس الحكومة أكثر من مرّة، ويتحمّل جزءاً كبيراً من الأزمة التي يعاني منها اليوم لبنان، والمبادرة الفرنسية التي يتمسّك بها كما كل الأفرقاء السياسيين، تنصّ على الاختصاص والشخصيات المستقلّة، وتكليفه يعدّ خرقاً لبنودها مع ما سيدخل عليها من استثناءات مرتبطة بوزارة المال أو وزارات الطائفة الشيعية.

ويشدد المصدر الذي فضل عدم نشر هويته، على أنّ باسيل، ليس بوارد التراجع عن موقفه بعدم تسمية الحريري، الذي اتخذ قبل أيام خلال اجتماع المجلس السياسي للتيار الوطني الحر، متمسّكاً بمبدأ أنّه “إذا كانت حكومة اختصاصيين، يجب أن ينطبق هذا المعيار على رئيسها ووزرائها معاً”.
وفي وقتٍ يُحكى فيه عن تحركات فرنسية على مستوى الكتل النيابية لحلّ الخلاف، وخصوصاً بين باسيل والحريري، في ظلّ الحديث عن توسط بعض الشخصيات لتقريب المسافة بين “أصدقاء الامس” قبل يوم الخميس موعد الاستشارات، نفى الطرفان هذه الأنباء، إذ لا كلام مباشراً ولا اتصال ثنائياً حصل، والحريري ينتظر موعد الاستشارات.

ويؤكد عضو “كتلة المستقبل النيابية”، النائب طارق المرعبي، لـ”العربي الجديد”، أن لا خلاف مع النائب جبران باسيل، والاستشارات النيابية الملزمة، هي مساحة ديمقراطية حتى تسمّي كل كتلة الشخصية التي تراها مناسبة لتولي رئاسة الحكومة، على أن يُكلَّف الاسم الذي يحصد العدد الأكبر من الأصوات، علماً أننا نتمنّى في هذه المرحلة بالذات، أن يضع جميع الأفرقاء المصلحة الوطنية العليا فوق كل اعتبار من أجل وقف الانهيار.
ويشدد على أنّ الحريري لن يعتذر، فهو قام بهذا المجهود وحرّك عجلة الاتصالات والمشاورات الأسبوع الماضي، من أجل إعادة إحياء المبادرة الفرنسية التي يعتبرها الفرصة الأخيرة لإنقاذ لبنان، وهو متمسّك بموقفه، والأجواء حتى السّاعة تشي بتكليف الحريري يوم الخميس، ونتمنى على الجميع التضامن لتشكيل الحكومة سريعاً بعد التكليف، فالوقت لا يصبّ في مصلحتنا.

بدوره، يؤكد عضو “كتلة التنمية والتحرير” (تمثل حركة أمل في البرلمان)، النائب قاسم هاشم، لـ”العربي الجديد”، أنّه لم يتبلور أي اتفاق أو تفاهم بعد، علماً أن هناك بعض الإشارات، لكنّها لم تصل إلى حدّ الاتصالات المثمرة، أو انضاج مناخٍ معيَّن، والأمور ما زالت ضبابية، في حين أن موعد الاستشارات ثابت، لكن الأمور تبقى رهن ما ستؤول إليه بعض الاتصالات والمشاورات، فنحن في بلد المفاجآت التي دائماً ما تطلّ برأسها في الربع الساعة الأخير، تماماً كما حصل مساء الأربعاء الماضي، بقرار الرئيس عون التأجيل عشية الاستشارات، بينما كنا نستعدّ لتكليف الحريري، فتشكيل الحكومة علّه يبدد اليأس والإحباط، ويحمل بعض الإيجابيات التي يمكن أن تُبلسِمَ وجع اللبنانيين.
وحول رفض شريحة كبيرة من المواطنين عودة الحريري، مع ما يحمله ذلك من تداعيات بدأت تتسرَّب من الكواليس بولادة تسويات جديدة تعيد إحياء المنظومة السياسية بوجوه مختلفة، يرى هاشم أنّ هذا الموقف لا يعبِّر عن كل الشعب اللبناني، بل عن جزء منه، ولكن الرأي العام يصبّ في أنّ البلد لم يعد يحتمل المماطلة والانتظار، والمعالجات يجب أن تكون سريعة وطارئة واستثنائية لتخطّي هذه المرحلة الصعبة، واجتيازها تفادياً لمزيد من الخسائر. وشدد على أن لا تسويات بين الأفرقاء السياسيين، وما يتمسّك به “الثنائي الشيعي” هو حقٌّ، لكنه يريد حكومة من الاختصاصيين وأصحاب الكفاءة، قادرة ومتجانسة، ومعروفٌ أن كل اللبنانيين لديهم “الهوى السياسي”، وليس بالضرورة أن يكون الجميع من المنتسبين حزبياً، أو ينتمون إلى تنظيم معيَّن.
ويؤكد عضو “التنمية والتحرير” أننا “ككتلة نيابية، حسمنا موقفنا منذ البداية، وسنسمّي الحريري، ونتعاطى بمرونة في مقاربتنا المصلحة الوطنية، ومنفتحون على أي حوار أو نقاش يسرّع في ولادة حكومة فاعلة وقادرة على مقاربة القضايا ومعالجتها، تشكّل بوقت سريع لمهمة إنقاذية”.تقارير عربية

وزير الخارجية اللبناني: الخلافات تضعف موقفنا بمفاوضات ترسيم الحدود

أما عضو “كتلة اللقاء الديمقراطي” (تمثل الحزب التقدمي الاشتراكي برئاسة وليد جنبلاط في البرلمان)، النائب بلال عبد الله، فيقول لـ”العربي الجديد” إنّ أي تأجيل للاستشارات هو غير منطقي، والدستور يلزم بإجرائها من دون أن يشترط موافقة الكتل كلها على شخصية واحدة، ونتمنى ألّا يخضع الموضوع للابتزاز، والحسابات الضيقة لأن لبنان ينهار، والحاجة أكثر من ضرورية للحد الأدنى من الاستقرار الدستوري والمؤسساتي، بحكومة مهمة، تشكل بأقصى سرعة لإنقاذ البلد، ويؤكد عبد الله أنّ الكتلة ستسمّي الحريري، بعدما جرى توضيح بعض المسائل التي كانت عالقة بين جنبلاط والحريري. ونفى أن يكون جنبلاط قد طالب بأي حقيبة وزارية، بل أكد أنه لا يريد ترشيح أي اسم في الحكومة.
ويشير عبد الله إلى أنّ المساعي الفرنسية لم تعد بالزخم نفسه، وتراجعت عن بدايات المبادرة، في حين أنّ البعض يجعل من البلد رهينة سياسات وارتباطات خارجية، ويربط مصير لبنان باستحقاقات دولية وعالمية مثل الانتخابات الأميركية، وكأنّ هناك أي فرق بين من سيفوز بها، أو أثر على بلدنا، وكأننا لا نزال في موقع الاهتمام، بينما نحن نعيش عزلة تامة.
وتؤشّر الأجواء الحالية، على أنّ التكليف وإن حصلَ، فإنَّ تشكيل الحكومة لن يكون بالأمر السهل، وستتفاقم مشكلة اختيار أسماء الوزراء ربطاً بتمسّك “الثنائي الشيعي” بتسمية وزراء الطائفة، في تكرار لتجربة السفير اللبناني لدى ألمانيا مصطفى أديب، إلى جانب التوقيع المطلوب من الرئيس ميشال عون الجمهورية على التشكيلة الوزارية.

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: