ماذا وراء دعوة السيسي لتسليح قبائل “ليبية”؟

ماذا وراء دعوة السيسي لتسليح قبائل “ليبية”؟

“لدينا مساحة تقدر بمليون 760 ألف كلم مربع ماذا نفعل بها!؟ ماذا لو حصلنا على 10 مليون (نسمة) إضافة، كلهم قادرين على تغيير وجه ليبيا، لم لا ؟!”

هذا ما قاله الجنرال الانقلابي الليبي خليفة حفتر، في مايو/أيار 2019، عن سعيه لتوطين 10 ملايين مصري في ليبيا.

لكن هذه المرة بدأ القلق يساور فئات من الليبيين بشكل جدي من توطين قبائل مصرية في إقليم برقة (شرق)، يعادل عددهم 5 أضعاف سكان الإقليم، بعد دعوة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، لتدريب وتسليح قبائل ليبية وتأليبها ضد الحكومة الشرعية.

** هل قصد السيسي تسليح قبائل مصرية من أصل ليبي؟

لكن قد لا تكون هذه الدعوة موجهة بالضرورة إلى القبائل الليبية فقط، بل ليس من المستبعد أن تكون موجهة أيضا إلى القبائل المصرية من أصول ليبية.

فقبائل برقة دعمت حفتر، منذ اليوم الأول لعملية الكرامة في 2014، وتم تدريب أبنائها وتسليحهم، سواء في مصر أو في ليبيا عبر مستشارين عسكريين.

وشارك شباب قبائل برقة الداعمة لحفتر، في قتال الجيش الليبي التابع للحكومة المعترف بها دوليا، بدعم مصري واضح وإن لم يكن معلنا.

لذلك من الغريب الحديث عن تدريب وتسليح قبائل برقة، في الوقت الذي تولت القاهرة تدريب وتسليح مليشيات حفتر، التي ينتمى أغلب عناصرها إلى قبائل برقة، منذ سنوات.

وقبائل برقة فقدت الآلاف من أبنائها في حروب حفتر المتعددة، لكنها اليوم أحوج ما تكون للسلام وحقن الدماء، بعد أنها أنهكتها المعارك، فلماذا يتم إعادة تسليحها مجددا؟

فليس من المستبعد أن يكون المقصود بتدريب وتسليح القبائل الليبية، تلك التي استوطنت منذ عقود طويلة، الصحراء الغربية المصرية، بسبب حروب قبلية أو نزاعات سياسية، على غرار قبائل أولاد علي.

ومحاولة القاهرة إثارة هذه النعرات القبلية وإحياء الصراعات السياسية القديمة، عبر إعلامها، وشبكات التوصل الاجتماعي، سوى عملية شحذ إعلامي لدفع القبائل المصرية من أصول الليبية لإرسال أبنائها للقتال داخل الأراضي الليبية، سواء كمرتزقة في صفوف حفتر، أو ضمن حملة “مستبعدة” للجيش المصري في ليبيا.

** المجال الحيوي المصري في ليبيا

فالحديث عن خط أحمر مصري يمتد من مدينة سرت (450 كلم شرق العاصمة طرابلس) إلى قاعدة الجفرة الجوية (650 كلم جنوب شرق طرابلس)، يعني عمليا جعل تقسيم ليبيا أمرا واقعا.

والتقسيم في هذه الحالة يخدم بالدرجة الأولى النظام المصري الذي ينظر إلى إقليم برقة، الغني بالنفط وقليل السكان، كمجال حيوي للتوسع.

فعدد سكان مصر يفوق 100 مليون نسمة، لكن ثروات البلاد لا تكفي لحل أزمات الفقر والبطالة.. لذلك فإن نقل جزء من الكتلة البشرية من غرب مصر إلى شرق ليبيا، يمثل أحد الخيارات الاستراتيجية للقاهرة، خاصة وأن إقليم برقة يضم منطقة الهلال النفطي، التي تستحوذ على 80 بالمئة من المنشآت النفطية.

وفي الوقت الذي استوردت فيه مصر أكثر من 12 مليار دولار من البترول في السنة المالية 2018/2019، فإن ليبيا أنتجت في 2010 أكثر من 1.6 مليون برميل يوميا، حيث تملك أكبر احتياطي نفطي في إفريقيا بإجمالي 48 مليار برميل.

فالهلال النفطي الواقع في شرق ليبيا يستحوذ لوحده على 60 بالمئة من صادرات النفط في البلاد، وهذه الثروة الهائلة واقعة حاليا تحت سيطرة مليشيات حفتر، لذلك وضعت القاهرة بالقرب منها خطا أحمرا.

ويمكن أن تحل هذه الثروة النفطية الكثير من أزمات النظام المصري، سواء عن طريق هبات نفطية مقابل الدعم العسكري والسياسي لمليشيات حفتر، أو بيعها بأسعار مُخفظة، أو من خلال شركات إعادة الإعمار والاستثمار، أو عبر توظيف العمالة المصرية والاستفادة من تحويلاتها بالعملة الصعبة..

فقبل سقوط نظام معمر القذافي في 2011، استوعبت ليبيا مليونين من اليد العاملة المصرية، لكن بعد تدهور الأوضاع الأمنية بها عاد أغلبهم إلى بلادهم، مما فاقم أوضاعهم الاجتماعية وأضاف أعباء على حكومة بلادهم.

** هل سيتم إعادة توطين قبائل أولاد علي في برقة؟

فقبائل أولاد علي، إحدى فروع قبائل بنو هلال، يقدر عدد أفرادها بنحو 10 ملايين نسمة (مشايخها يزعمون أنهم 15 مليون)، ونقل هذه الكتلة البشرية إلى برقة الليبية، التي لا يتجاوز مجموع سكانها مليوني نسمة، يعني تغيير جذري في التركيبة السكانية للإقليم.

والأكيد أن ذلك لن يتم بين ليلة وضحاها، لكنه مشروع يمتد لسنوات، قد لا تقل عن 10 أعوام، وقد يستمر لعشرات السنين.

وهناك قلق لدى بعض الليبيين من أن يؤدي توطين هذا العدد الكبير من قبائل “أولاد علي”، في شرق ليبيا، إلى عمليات تهجير مستقبلية لقبائل برقة لأسباب قبلية وتاريخية.

وإذا حدث هذا السيناريو فإن التاريخ حينها سيعيد نفسه، فقبل 10 قرون هاجرت قبائل بنو هلال وبنو سليم من مصر إلى شمال إفريقيا بحثا عن الكلأ والماء، وبتحريض من الدولة الفاطمية، أسقطوا إمارات متمردة عليها مثل الدولتين الزيرية (في ليبيا وتونس والجزائر) والحمادية (أجزاء من الجزائر)، واستوطنوا المنطقة بأعداد كبيرة.

** أي دور ستلعبه قبائل أولاد علي في ليبيا؟

وقبائل أولاد علي، تربطها بقبائل الحرابي الليبية (العبيدات، الحاسة، الدرسة، وأولاد حمد) رابطة دم قوية، رغم ما كان بينهما من نزاعات قبلية اضطر الأولى إلى النزوح لمصر، لكن هذه العلاقات تقوَّت مع الزمن بفضل المصاهرة.

فأحمد قذاف الدم، ابن عم معمر القذافي، مثلا أخواله من محافظة البحيرة (شمال)، من قبائل أولاد علي، والذي لجأ إليهم عندما تداعى النظام في بلده الأم.

كما أن أعيان قبائل أولاد علي، بحكم رابطتي الدم والمصاهرة حاولوا قبل سقوط نظام معمر القذافي في 2011، التوسط بينه وبين قبائل الشرق، وأرسلو موفدين عنهم إلى ليبيا، مما يعكس سعيهم للعب دور سياسي يتخطى الحدود بين البلدين.

لكن هل تكفي قرابة الدم والمصاهرة في دمج 10 ملايين شخص، في دولة لم يبلغ عدد سكانها الإجمالي حتى 7 ملايين نسمة، دون أن يُخل ذلك بالأمن الاجتماعي والانسجام السكاني في ليبيا؟ خاصة وأن هناك من يعارض هذه الفكرة سواء في غرب البلاد أو حتى من شرقها.

كما أن إضافة 10 ملايين نسمة إلى إقليم برقة سينقل الثقل السكاني من غرب البلاد إلى شرقها، وستطرح حينها تساؤلات عميقة ومعقدة، على غرار تقسيم الثروة، ونقل العاصمة من طرابلس إلى الشرق مجددا.

لذلك فإن رغبة بعض أعيان قبائل برقة في دعوة الجيش المصري للتدخل عسكريا في ليبيا، رغم معارضة مثقفين من المنطقة، قد يجلب الوبال لبلادهم، وربما سيكونون مستقبلا أقلية في أرضهم، وقد تختفي ليبيا من الخرائط مثلما اختفت أمم قبلها، إن لم يتفطن شعبها إلى حجم المؤامرة التي تحاك ضدهم.

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: