عندما يضلّ الطريقَ من يزعمون علوّ الكعب في السياسة والدبلوماسية، وتصبح تصرفاتهم مخالفة لزعمهم يحار المرء في توصيف حالٍ سَلَب أهل العقول عقولهم عندما حلت محلها عقول مستوردَة، وأصبحت عقول الأغيار أثمن في سوق قطع الغيار!!
نحن نعيش في عالم جديد لم نعهده من قبل، فقد كان السياسيون يتشاركون الفرح والحزن ولو في الظاهر والبروتوكول، فنجد زعيم دولة يهنئ زعيم دولة (ضرة) بتسلّم سلطاته أو زواج أبنائه وبناته، أو موت قريب له أو وزير من وزرائه،ثم يتجاوز المناسبة ويعود إلى المناكفة، أما أن تمر مناسبة استشهاد رئيس وزراء سابق على يد أعداء ندين جرائمهم في الظاهر،ثم لا يظهر علينا تضامن مع ضحايا إجرامهم،فلا نشارك في جنازة الشهيد الكبير ولا يظهر ممثل لنا في المسجد الذي صُلّي عليه فيه فإن ذلك لن يضرّ الشهيد ولن يُشعِر أحبابه بالوحشة، فما الوحشة إلا رداء من انفرد بالجفاء ولم يشارك من يفترض أنهم إخوانه في الضراء، ولا يزيدنا هذا الموقف المخجل لأصحابه لو وعوا إلا قناعة بأن الحقد لا يبني بلدا ولا يدلّ على استقلال ولا سيادة.
إسماعيل عبد السلام هنية لمن لا يعرفه ليس ابن غزة ومخيم الشاطئ وحسب، بل هو ابن قرية الجورة في عسقلان التي نزح منها والده بعد النكبة ليستقر في غزة، وقد كانت حياته تذكّره وتذكّر إخوانه بفلسطين التاريخية التي اعترف بها النظام العربي دولة مستقلة لليهود، وحصروا مطالبتهم بما نسبته ٢٢٪ من أرض فلسطين، وبدل أن نحزن لعدم مشاركة الحردانين في جنازة الخالدين، فإننا نتخذها مناسبة لتذكير من شارك ومن لم يشارك في الجنازة بأنهم ليسوا وكلاء عن أهل فلسطين ليطالبوا بما شاؤوا منها، ويتنازلوا عما شاؤوا، ونرى في اللحظة الراهنة فرصة سانحة لنعلن أن خيار الدولتين خيار ساقط لا اعتبار له في دين ولا شرعة عادلة، ولا وجود إلا لكيان فلسطين العربي المسلم الذي يشكل جزءا من بلاد الشام، لا سيادة عليه إلا لأهله الأصليين الذين أخرجوا من ديارهم بالبلطجة البريطانية اليهودية،
وهذا هو نداء الشهيد القائد يردّ على كل واهم ليختصر جهده غير المبرور، ولئن مات أبو العبد شهيدا فإن نداءه الخالد لم يمت : (لن نعترف بإسرائيل)، فلا سفارة ولا معاهدة ولا خيانة تنسيق ضد دماء الشرفاء بمغيرة شيئا من قناعة أصحاب الأرض أنها أرضهم، وأنهم لا محالة داخلوها فاتحين لا سائحين، ومجاهدين لا منسقين،وثابتين لا مبدلين ولا مغيرين.
أيا كل من فقدناهم في وداع القائد إسماعيل نحيلكم على الأمثال الشعبية التي تعلق على من يرفض القرب والصحبة فإنها تشفي الغليل وتبرئ العليل، ولكنها لا تليق بأسماع الجمهور الأصيل، فسامحونا.
(السبيل)