عمّان – البوصلة
تثير المستشارة بشرى عربيات في هذه الحلقة من سلسلة تصريحاتها “التربوية” التي تنشرها “البوصلة” العديد من الأسئلة المهمّة حول العملية التعليمية، دفعها لها مجموعةٌ من المشاهدات: وهي كيف نتعلَّم؟ وهل علينا أن نتعلَّمَ كيفَ نتعلَّم؟
وتجيب عربيات على أسئلتها بالقول: “أرى أنه يجب أن نتعلم كيف نتعلَّم، وذلك كي نرتقي بأنفسنا ومجتمعنا”.
وتتابع: ربما يقولُ قائلٌ هذه فلسفة، وأجيب ربما تكون كذلك، لكن لِمَ لا إذا كانت الدَّوافع للتساؤل مهمة، وتصبُّ في مصلحة الجميع، أفراداً ومجتمعات، فما هي هذه الدوافع التي جعلتني أثير هذا التساؤل؟
مشهد خيمة تعليمية من غزة
وتوضح عربيات بالقول: لا أخفي أن أهمَّ دافع هو مشهدٌ استوقفني على شاشة إحدى الفضائيات قبل أيام لمعلمة جمعت أطفالاً في غزة في ظل هذه الظروف القاسية، يجلسون على الأرض في خيمةٍ متواضعة، لا يوجد لوح أو طباشير، استبدلتهم هذه المبدعة بقصاصات من الورق تقوم بتعليقها في دبابيس.
وتستدرك بالقول: لكن المشهد الأهم هو أسلوب العطاء وأسلوب التحفيز، وفي المقابل تفاعل هؤلاء الأطفال لا مثيلَ له، إنهم متعطِّشون للعلم والمعرفة – ومن حقهم ذلك بالتأكيد – تراهم يرددون الكلمات، والأناشيد وتراها لا تملُّ منهم.
وتضيف: لذلك سألتُ نفسي هذا السؤال أنه علينا أن نتعلَّمَ كيف نتعلَّم فهذا النموذج من الصمود والعطاء لا مثيلَ له فعلاً؟.
نموج من “أمّ الأسود”
وتقول الخبير التربوية: قرأتُ يوماً مقولة تقول أن أفضلَ العلم ما طُلِبَ من قِلَّة، وهذا صحيح لأن هذا يدفعُ الطلبة للتميز، فليسَ كلُّ العطاءِ مالاً، هناك طلبة متميزون بكل ما تعني هذه الكلمة من معنى، علماً بأنهم يذهبون إلى مدارسهم مشياً على الأقدام مسافاتٍ ليست بالقليلة.
وتتابع: وقد رأيتُ نماذج من هؤلاء الطلبة، وتشرَّفتُ بتدريس تلك الطالبات التي كانت تأتي من منطقة “أمّ الأسود” إلى مدرسة وادي السير الثانوية وذلك في بداية رحلتي التعليمية، كُنَّ يأتين مشياً على الأقدام صيفاً وشتاءً وكانت الحصة الأولى تبدأُ الساعة السابعة صباحاً آنذاك، وكنا أحياناً نبدأ الحصة الساعة السادسة والنصف – وقتاً إضافياً للتوجيهي –.
وأضافت: إنّني لم أسمع منهنَّ تذمُّراً أو أي شكوى، وكانت مجموعة متميزة متفوقة حين كان التوجيهي بعيداً كلَّ البعد عن أسئلة الاختيار من متعدد، وعن استخدام الآلة الحاسبة.
وأكدت عربيات: أنّ منهنَّ من درست الطب أو الهندسة بتفوق لا مثيل له، لم نسمع أو نرى معدل المائة كرقم، لكن رأينا تميزاً من نموذج من الطلبة الذي أعتقد أنه لن يتكرر، فأنا أتحدث عن تجربة تدريس الفيزياء والرياضيات للصفوف الحادي والثاني عشر، وليست تجربة تدريس الرياضة أو الفن – مع أهمية كل المباحث – لكن الفكرة أنهم كانوا يعرفون كيف يتعلمون.
تسرب الصف العاشر
وتتابع الخبيرة التربوية حديثها: قرأتُ قبل أيام عن دراسة منشورة تتعلق بنسبة تسرُّب طلبة الصف العاشر سواءً من الذكور أو الإناث، وهذا سبب آخر جعلني أتساءل أن نتعلم كيف نتعلم؟ فلماذا تتسربُ هذه الفئة العمرية؟
وتجيب على سؤالها السابق بالقول: لا بد من وجود عدة أسباب أهمها أنهم لا يعرفون كيف يتعلمون، ولكن لا شك أن هناك أسباب أخرى منها أن بعض المدارس وكثير من المعلمين والمعلمات نماذج طاردة غير جاذبة للطلبة، ناهيك عن عدم وجود متابعة من أولياء الأمور، إضافة إلى التشتت الفكري للطلبة من خلال الإستخدام الخاطئ للوسائل التكنولوجية، الأمرُ الذي جعلهم أضاعوا الهدف من التعليم، وجاءت الطَّامةُ الكبرى في فكرة تشعيب الطلبة بعد نهاية الصف التاسع العام الماضي.
واستدركت بالقول: ونحن نعلم أن معظم مدارسنا الحكومية والخاصة غير جاهزة لمثل هذا الوضع، الأمرُ الذي دفع بالطلبة للتسرب من المدارس لأنهم لم يعرفوا يوماً كيف يتعلمون!!
وأضافت: فقد رأيتُ بعيني طلبة في هذه المرحلة يبيعون الخضار على الطرقات بداية العام الدراسي الماضي – تزامناً مع بدء التشعيب – ولا شك أن البيع ليس عيباً لكنه مصيبة في حال أن المدرسة التي تمَّ تحويلهم لها للمسار المهني لم تكن جاهزة، وقد سألتهم وسمعت منهم ذلك، المصيبة الأكبر ليست في أن هذا الطالب وجدَ ” بسطةً ” ليبيع خضار، المصيبة تكمن أين تقضي الطالبات المتسربات وقتها في هذه المرحلة العمرية؟ وأهلها يعتقدون أنها داخل الحرم المدرسي!!
وتقول عربيات: لو قمنا بعقد مقارنة بسيطة بين مدارس القطاع الحكومي والخاص، ربما يلتزم طلبة القطاع الخاص بالدوام – ليس حباً في التعليم – لكن لأن هناك خط مباشر بين أولياء الأمر والمدرسة، وربما يكون حجم التسرب أقل، لكن هذا لا يعني أبداً أنهم يعرفون كيف يتعلمون، إذ رأينا نماذجاً تحملهم الشهادات ولا يحملونها، من خلال حملة ” إن تدفع تترَّفع ” ، وهي حملة غير معلنة بالتأكيد، لكنها موجودة في كثير من المدارس الخاصة، للأسف الشديد
وشددت عربيات أنه يجب على الجميع أن يفهم وأن يتعلم لماذا وكيف يتعلم، فليست الفكرة في قضاء وقت خارج البيت في مكان يسمى المدرسة أو الجامعة، لأننا نلاحظ ومنذ سنوات – شئنا أم أبينا الإعتراف – أن منظومة التربية والتعليم تنهارُ بشكلٍ ملحوظ
وتشير إلى أنّه ليس هذا فحسب، إذ أن من المهم أن يعرف كل معلم ومعلمة لماذا اختار مهنة التعليم، لأني أخشى أن تكون المهنة قد اختارت كثيراً منهم – بسبب عدم وجود وظيفة أخرى فيها مزايا العطل الرسمية – وإنَّ هذا التراجع في منظومة التربية والتعليم يعطي مؤشراً كبيراً أن مهنة التعليم قد اختارتهم، وليتها لم تفعل!
وختمت حديها بالقول: خلاصة الأمر علينا أن نتعلم كيف نتعلَّم، وأن نتعلَّم كيف نقوم بعملية التعليم لأن الأجيال أمانة في أعناق جميع القائمين على العملية التعليمية، وأمانة في أعناق أولياء الأمور، فهل من مستمع؟ نأملُ ذلك.
بيانات رسمية حول الصفوف الأكثر تسربًا
جديرٌ بالذكر أنّ بياناتٍ رسميةً، كشفت أن عدد المتسربين في المدارس الأردنية وصل بنهاية العام الماضي، إلى 10.372 متسربا، جلّهم من الذكور وبالصف العاشر الأساسي.
ووفقا للبيانات الصادرة عن دائرة الإحصاءات العامة، وصلت المملكة نسخة منها، بلغ عدد المتسربين للصف العاشر الأساسي 2008 متسربين “1217 من الذكور، 791 من الإناث”، وللصف التاسع الأساسي 1874 متسربا “1123 من الذكور 751 من الإناث”، وأقل عدد من المتسربين خلال العام الماضي، هم ضمن صفوف طلبة الأول الابتدائي وبعدد بلغ 543 طالبا وطالبة.
ووفقا للبيانات بلغ متوسط عدد الطلبة لكل شعبة 2022/2023 نحو 24.4 طالبا لكل شعبة، ومتوسط عدد الطلبة لكل معلم 2022/2023 نحو 15.6 طالبا لكل معلم.
وبلغ عدد الطلبة في المراحل الأساسية والثانوية من مجموع السكان للعام الدراسي 2022/2023 نحو 20%.
وفيما يتعلق بالمدارس المنتشرة في المملكة، فالحكومية منها بلغ 4062 مدرسة تضم 60.464 شعبة مدرسة، يدرس فيها 1.6 مليون طالب وطالبة.
أما التعليم الخاص فبلغ عدد المدارس 3234 مدرسة تضم 29 ألف شعبة يدرس فيها 555.141 طالبا وطالبة، وبذلك تشرف وزارة التربية والتعليم على 54% من المدارس في المملكة، والتعليم الخاص يشرف على 43% منها و2% تحت إشراف وكالة الغوث، و1% تحت بند ” حكومية أخرى”.
أما عدد المعلمين في المدارس الحكومية فوصل بنهاية العام الماضي، 96.288 معلم ومعلمة، وعدد مدرسي التعليم الخاص 42.86 ألف معلم ومعلمة، بحسب بيانات الإحصاءات العامة.
(البوصلة)