“ومما لا يعلمون”

“ومما لا يعلمون”

نشرة ” فَاعتبِرُوا ” 63

“ومما لا يعلمون”

د. عبدالحميد القضاة

      إن المتأمل في هذا الكون، يجد أن الثنائية فيه ممتدة من الذرة إلى المجرة، والثنائية موجودة في كل شيء، مصداقا لقولـه تعالى: “وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ”.

      الثنائية حتى عند المخلوقات الأكثر تطورا، والأكبر حجما من الميكروبات فيه إعجاز عظيم لمن يمعن النظر فيه، ففيه الذكر، وفيه الأنثى، ومنه ما جمع الصفتين فكان الجنس الثالث.

      الأعجب والأغرب من هذا كله، أن تكون ذكورة وأنوثة في عالم الميكروبات، هذه المخلوقات الدقيقة المجهرية، منها ما يقوم مقام الذكر، ومنها ما يقوم مقام الأنثى .

      الخلية البكتيرية الذكرية فيها مادة وراثية إضافية، خارج نطاق كروموسومها الوحيد تعطيها صفة الذكورة، وتسمى الذكر ، أما التي لا توجد فيها هذه المادة الوراثية تسمى الأنثى.

      يظهر على جسم الذكر شعيرات دقيقة جدا، من بينها شعيرة أطول من غيرها، أسطوانية الشكل، مفرغة من الداخل تسمى شعيرة الجنس، والأنثى لا تملك مثل هذه الشعيرة، ولكن لديها أماكن معينة اسمها المستقبلات، تستطيع شعيرة الجنس الذكرية أن تلج للأنثى منها.

      وظيفة شعيرة الجنس الرئيسية، هي ربطُ الذكر بالأنثى،  ومن ثم تمرير جزء من المادة الوراثية من خلالها إلى الأنثى، والأنثى التي تستقبل مثل هذه  النسخة من المادة الوراثية الذكرية تحوِّل جنسها إلى ذكر، فينمو عليها شعيرات جنسية، وتتصرف حسب جنسها الجديد.

      ومن العجيب أيضا أن بعض البكتيريا الأنثوية، أثناء هذه العمليات يمكن أن تكتسب جزءاً من المادة الوراثية الذكرية،  فتصبح جنسا ثالثا، ظاهرها أنثى وباطنها مخلوط . فسبحان الله ذو الجلال والمقدرة، الذي قال لنا في محكم تنزيله ما يشير إلى مثل هذه الحقائق حيث يقول : “سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ”.

مصائب قوم عند قوم فوائد

      العالم «هانز زنسر» كان أحد علماء جامعة هارفرد المرموقين، ورغم أنه ألّف العديد من الكتب المرجعية في علم الجراثيم ؛ إلاّ أنه دخل التاريخ من أوسع أبوابه بعد أن ألّف كتابه الشهير الصغير”الفئران والقمل والتاريخ”عام 1935م، حيث أثبت فيه أن الميكروبات من أهم القوى الطبيعية غير المرئية المؤثرة على البشرية في السلم والحرب، وقد استشهد على ذلك بما حدث لجيش نابليون عندما غزا الأراضي الروسية عام1812م بنصف مليون عسكري، حيث قتلت جرثومة التيفوس أكثرهم فلم ينجُ منهم إلاّ القليل،هذا المرض الذي تُسببه جرثومة تعيش أصلاً على القمل والقراد وبراغيث الفئران، ثم تنقله إلى الإنسان، ينتشر بسرعة عجيبة في الأوساط المكتظة، وهذا ما حدث لجيش نابليون، فعاد من سلم منهم أدراجه، راضيا من الغنيمة بالإياب….فسبحان الله على عظيم قدرته من خلال مخلوقاته التي لا نبصرها”وما لا تبصرون”.

(البوصلة)

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: