أسامة أبو ارشيد
Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on email
Email
Share on telegram
Telegram

رابط مختصر للمادة:

أبعد من انتصارات كروية عربية

أسامة أبو ارشيد
Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

كانت مباراة المغرب مع إسبانيا في دور ثُمن نهائي بطولة كأس العالم 2022 المقامة حالياً في قطر مشبعة بالرمزيات، الظاهرة والضمنية، بما يتجاوز مجرّد منافسة كروية بين منتخبي دولتين. هذه الرمزيات هي ما حرّكت كثيراً من مشاعر الفرح والبهجة لدى المغاربة والعرب بالدرجة الأولى، وكثيرين من شعوب ما يسمّى العالم الثالث بدرجة ثانية. في السياق الجيوستراتيجي، كانت هذه مواجهة بين دولتين، تنتمي الأولى، المغرب، إلى عالم الجنوب، والثانية، إسبانيا، إلى عالم الشمال، مع كل ما يعنيه ذلك من فوارق حضارية وثقافية وسياسية وتكنولوجية واقتصادية بين الكتلتين. ولا يخفى هنا أن هذين الانتماءين المتوازيين يستدعيان تلك الفجوات والحساسيات، فعالم الشمال المترف بنى جزءاً لا يُستهان به من نهضته على أنقاض عالم الجنوب المنهوب وعلى حساب موارده وحرية إنسانه وكرامته. أما تاريخياً، فثمَّة احتكاكٌ بين البلدين لم يتوقف، وإنْ تغيرت المسميات والحدود والجهات الفاعلة.

كان المغرب رازحاً تحت الهيمنة البيزنطية عندما جاءه الفتح الإسلامي في المرحلة بين المنتصف الثاني من القرن السابع الميلادي ومطلع القرن الثامن الميلادي. ومنه، مباشرة، انطلق الفتح الإسلامي الذي امتزج فيه العرب والبربر، نحو شبه الجزيرة الإيبيرية، في الجزء الجنوبي الغربي من القارّة الأوروبية، وكان المسلمون يسمّونها الأندلس، وتتكون اليوم من إسبانيا والبرتغال وأندورا ومنطقة جبل طارق وجنوب فرنسا. ومع تتابع سقوط ممالك الطوائف الإسلامية في الأندلس أمام القشتاليين على مدى القرون الثمانية التالية، استغلّ البرتغاليون التراجع الإسلامي، واحتلوا مدينة سبتة المغربية عام 1415، وألحقتها إسبانيا بمدينة مليلية، عام 1497، ثمّ انضوت المدينتان الساحليتان على البحر المتوسط تحت السيادة الإسبانية. وفي 1912 دخلت إسبانيا المغرب قوة استعمارية في جزئيه الشمالي والجنوبي، ولم ينل المغرب استقلاله عنها وعن فرنسا حتى عام 1956، لكن مع بقاء سبتة ومليلية، وجزر مغربية كالجزر الجعفرية، تحت الاستعمار الإسباني. أما الأثر الأكثر تدميراً الذي أحدثه الإسبان، بالتواطؤ مع الفرنسيين، في المغرب، فكان في الصحراء المغربية التي مارسوا نفوذاً عليها منذ الثلث الأخير من القرن التاسع عشر حتى انسحابهم العسكري منها عام 1976. ومنذ ذلك الحين، وتلك المنطقة الغنية بالثروات المعدنية والسمكية تمثل جرحاً نازفاً في خاصرة المغرب في ظل الصراع مع جبهة بوليساريو على السيادة وشرعية تمثيل سكانها. دع عنك طبعاً، اعتداءات إسبانيا المتكرّرة، مستقوية بالاتحاد الأوروبي، على الثروة السمكية المغربية عبر الصيد الجائر.

قد لا تكون تلك الخلفية ظاهرة في سياق الرمزيات، لكنها حاضرة يختزنها الوعي المغربي والعربي وجزء من عالم الجنوب. إنها الرمزيات الضمنية ذاتها التي تجعل الغالبية العظمى من الشعوب التي تعرضت للانتهاكات والعدوانية الغربية، بجوهرها الأوروبي، تتعاطف مع منتخبات مثل البرازيل والأرجنتين وأوروغواي والمكسيك والسنغال والكاميرون وغانا والمغرب وتونس… إلخ. ولهذا لم تكن فرحة انتصار تونس على فرنسا محصورة بانتصار فريق عربي على فريق أوروبي عتيد، بقدر ما أن ذلك النصر استدعى نوعاً من العدالة المتأخّرة، مهما بدت هامشية، لمن كان مُسْتَعْمَراً على من كان يَسْتَعْمِرُهُ.

أما في سياق الرمزيات الظاهرة، فقد رأيناها في تكاتف الجماهير العربية، وهي تشجع الفرق العربية التي خاضت المنافسات، متجاوزة في ذلك خصومات أنظمتها وحزازياتها. أيضاً، رأيناها في هتاف الجماهير نفسها في المدرّجات لفلسطين ورفع علمها. بل لم يتردّد المنتخب المغربي في أن يساوي العلم الفلسطيني بالعلم المغربي وهو يحتفل بانتصاره التاريخي على إسبانيا، وكأنه يؤكّد على معطى وحدة الأمة العربية وتداعي مشاعرها، ورفض وعيها وضميرها الجمعيين محاولات رسمية تطبيع العدوان على جزء منها.

حمل مونديال قطر رسائل إيجابية كثيرة إلينا نحن العرب، ظاهرة وباطنة، وهي إن أُحسن توظيفها سيكون لها ما بعدها. فطرة شعوبنا تبقى سليمة، وهي لا تزال راسخةً على سجية الوفاء والانتماء، وتبقى فلسطين في وعيها وضميرها. لقد أثبتنا، مرة بعد أخرى، أننا أمة واحدة لا تفرّقنا الفتن والأحقاد التي تُصَنَّعُ لنا. لكن الانتصار في مباراة هنا أو هناك لن يعالج مشكلاتنا البنيوية. لا يكفي الانتصار كروياً على دول إمبريالية، فيما دولنا تتبع لها ولمَّا تنعتق بعد من ربقتها. إننا بحاجة إلى الانتصار في معارك أكبر، كالاستقلال والديمقراطية والحكم الرشيد والتعليم والطب والاقتصاد والتكنولوجيا، وكذلك تحرير أراضينا المحتلة، وقبل ذلك تحرير عقولنا وإراداتنا. كل هذه الرمزيات حاضرة وشديدة الأهمية. وحتى ذلك الحين، لا بأس من بعض فرح يرفع من معنوياتنا. ولعل في الفرحة العارمة التي اجتاحت فلسطين المحتلة بعد فوز المغرب بعض ما يشرح المغزى ويوصل الرسالة.

(العربي الجديد)

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

Related Posts