أرقام مثيرة عن النفط السوري.. مستقبل شرق الفرات الخفي

أرقام مثيرة عن النفط السوري.. مستقبل شرق الفرات الخفي

نفط شرق الفرات

يشكل شرق سوريا موقعاً إستراتيجياً بالمنطقة والعالم ليس لاحتوائه على الاحتياطي النفطي لهذا البلد فقط، بل لأنه بوابة وعقدة تواصل ربط كل من تركيا بالعالم العربي وإقليم كردستان العراق الغني بالنفط وإيران بالغرب. وبالتالي قد يشكل مستقبلاً عقدة التحكم بالطريق الرئيسي لمرور النفط والغاز باتجاه أوروبا.

هذه الأهمية الاقتصادية والجغرافية جعلت شرق سوريا عقدة صراعات حالية بين القوى العالمية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية وروسيا وتركيا وإيران.

في أرقام
تشكل الاحتياطيات النفطية في سوريا نحو 0.14 على مستوى العالم، وكانت تنتج يومياً ما يقدر بنحو ثلاثمئة ألف برميل قبل بدء الاحتجاجات المناهضة لنظام الأسد عام 2011، إلا أن هذا الرقم انخفض لنسب متدنية وصلت لنحو أربعين ألفاً بعد خسارة هذا النظام معظم الحقول النفطية شرق البلاد لصالح تنظيم الدولة الإسلامية حتى عام 2017 لتنتقل السيطرة إلى “قوات سوريا الديمقراطية”(قسد) وفق باحثين سوريين.

ويؤكد موقع “أويل برايس” الأميركي في تقريره الصادر الشهر الماضي إن احتياطي النفط في سوريا يشكل نحو ملياري برميل، ويتركز في الجزء الأكبر منه في محافظة دير الزور (شرق) أي أنه احتياطي ضئيل بالنسبة للسعودية والتي يبلغ الاحتياطي فيها 268 مليار برميل.

مواقع الحقول النفطية
تتركز معظم الحقول النفطية المعلن عنها بالقرب من الحدود مع العراق ومع تركيا. وتضم محافظة دير الزور أضخم الحقول النفطية بالبلاد، تليها الحسكة. ويعد حقل العمر أكبر حقول البلاد وأشهرها ويقع في ريف دير الزور. إضافة للآبار والحقول المحيطة به كحقل العزبة، وتخضع كلها لسيطرة “قوات سوريا الديمقراطية”.

ويعتبر حقل التنك ثاني أكبر الحقول النفطية في دير الزور، وتسيطر عليه كذلك “قوات سوريا الديمقراطية”.

ولا ينتج حقلا الورد والتيم الخاضعان لسيطرة النظام غربي الفرات سوى مردود ضئيل كونهما محطة ضخمة للنفط القادم من حقلي العمر والتنك، في حين توجد حقول أخرى مثل الجفرة وكونيكو الشهير لإنتاج الغاز، وحقول ديرو والجفرة والخراطة وتنتج يومياً أكثر من ألفي برميل الوقت الحالي.

وفي محافظة الحسكة يوجد حقل رميلان الذي يضم أكثر من 1322 بئراً إضافة لأكثر من 25 بئراً للغاز. وتقع تلك الحقول بمناطق الشدادي والجبسة والهول في ريف الحسكة الجنوبي، بالإضافة للحقول الواقعة بالقرب من منطقة مركدة وتشرين كبيبية في ريف الحسكة الغربي، وهي ضمن سيطرة قوات قسد.

كما تضم محافظة الرقة بعض الحقول الصغيرة المتوزعة بريفها الشرقي، وتخضع لسيطرة “قوات سوريا الديمقراطية”.

أما محافظة حمص فتضم حقولاً عديدة أبرزها في ريفها الشرقي مثل الشاعر وهو من أبرز الحقول السورية وينتج ما يقدر بنحو ثلاثة ملايين متر مكعب يوميا بالإضافة إلى حقول الهيل وآراك وحيان وجحار والمهر وأبو رباح في منطقة تدمر. وتوجد حقول نفطية يستخرج منها نحو تسعة آلاف برميل يومياً تديرها القوات الروسية بشكل مباشر.

ويوجد الاحتياطي السوري من الغاز (حسب تقديرات) عام 2017 في منطقة تدمر وقارة وساحل طرطوس وبانياس وهو الأكبر، وهذا يجعل سوريا إن تمّ استخراج هذا الغاز ثالث بلد مصدر للغاز عالميا.

الإنتاج الحالي
يقول غسان اليوسف رئيس المجلس المدني لمحافظة دير الزور إن إنتاج الحقول النفطية حالياً يقدر بثلاثين ألف برميل يوميا تستخرج جميعها من حقول العمر والتنك إضافة لحقول وآبار كثيرة بمناطق مختلفة من المحافظة.

ولا توجد أرقام حقيقية معلنة عن إنتاج النفط في ظل حكم نظام الأسد منذ 1973 حيث يعتبر من أسرار الأمن القومي، لكن مع خلافة بشار أبيه حافظ الأسد في السلطة بدأ بالتصريح عن تلك الأرقام كجزء من سياسة الشفافية التي انتهجها حينها، ولكن كانت جزء بسيطا من حقيقة النفط الموجود وفقاً للباحث الاقتصادي يونس الكريم.

ويقول الكريم للجزيرة إن النفط السوري يتم تقسيمه لأجزاء ما قبل بداية الحراك في البلاد. في حين تباع كميات كبيرة بشكل غير معلن وبأسعار مخفضة، لذلك لا يمكن تخمين حجم الإنتاج إلا أن الارقام التابعة لوزارة النفط تتحدث عن ثلاثمئة ألف برميل يومياً.

ويشير أيضا إلى أنه -وفقاً لتصريحات لرجل أعمال أميركي يعمل في غلوبال ديفيلوبمنت كوربوريشن (GDC)- تستطيع الإدارة الذاتية التابعة لـ “قوات سوريا الديمقراطية” إنتاج أربعمئة ألف بئر في حال استثمر بشكل صحيح، وهو ما يدل على أن أرقام وزارة النفط غير صحيحة حول الإنتاج السابق قبل بداية الأحداث بل تفوقها بكثير.

حجم التصدير وأين يتوجه؟
يتفق باحثون ومراقبون سوريون على أن النفط لم يكن يدخل ضمن ميزانية الدولة في عهد عائلة الأسد الأب والابن، وأن دخل فهو بأرقام مزيفة.

ويقول د. سهيل الحمدان للجزيرة -وفقا لإحصائيات وورقات بحث عمل عليها- إن النفط ‏ينتج كميات كبيرة بالمنطقة الشرقية، ولكن نظام الأسد ومنذ منتصف الثمانينيات كان ‏‏يدخل جزءاً منه إلى الموازنة ويبيع الباقي لحسابه. ‏فقد كان الإنتاج الحقيقي منذ منتصف الثمانينيات وحتى 2008 (وقت الأزمة المالية العالمية) يتراوح ما بين 1.4 و1.6 ‏مليون برميل يوميا يدخل رأس النظام ثلاثمئة ألف برميل (بالمتوسط) إلى خزينة الدولة والباقي يسرقه. ويضيف الحمدان أنه عشية قيام الثورة وبعد انكسار أسعار النفط عالمياً وخروج بعض الآبار عن الإنتاج كان الإنتاج الحقيقي 850 ألف برميل يومياً، أدخل للخزينة فقط 150 ألفا والباقي يتم بيعه لحساب الأسد وعائلته.

جهة التصدير والإيرادات
يصدر النفط الذي يقع تحت سيطرة مسلحي “قوات سوريا الديمقراطية” لثلاث وجهات رئيسية أبرزها نظام الأسد، ومن ثم مناطق سيطرة المعارضة، وجزء منه باتجاه إقليم كردستان العراق وفقاً لمراقبين.

ويقول الكريم إن للنظام السوري حصة الأسد من النفط حيث يشتريها عبر وكلاء له ويمر عبر طرق برية ونهرية مختلفة ويتم تكريره، وقسم منه يتم إرساله إلى لبنان مقابل أخذ “قطع أجنبي”. في حين يتجه القسم الآخر نحو سيطرة المعارضة عبر الطرق البرية، وترسل جزء منه إلى كردستان العراق ثم تعاد عملية بيعه داخل سوريا.

ووفقاً لـ “أويل برايس”فإن “قوات سوريا الديمقراطية” -التي استولت على معظم الحقول من قبضة تنظيم الدولة- تبلغ أرباحها شهريا نحو عشرة ملايين دولار شهريا من عمليات بيع النفط حيث تبيع البرميل الواحد بثلاثين دولاراً وفقا للموقع ذاته.

تقاسم الكعكة
تدخلات الدول في سوريا ليس سببها النفط فقط كونه لم يعد سلعة اقتصادية مهمة “حالياً” بسبب انخفاض أسعاره واكتفاء الدول منه نسبياً، وتزايد الاعتماد على الطاقة الكهربائية والشمسية وغيرها، وإنما لمصالح أخرى إستراتيجية وجيوسياسية. والنفط مكمل ثانوي على الرغم من توافره بكميات اقتصادية في سوريا، وفقاً للحمدان.

من جهته يرى الباحث والمهندس الكيميائي مهند الكاطع أن سوريا بالنسبة لروسيا منطقة نفوذ إستراتيجية وإحدى نقاط الارتكاز المتبقية لها بالشرق الأوسط وعلى المتوسط والتي لا يمكن أن تفرط بها.

ويضيف: لتركيا كذلك مصالحها كدولة حدودية مع سوريا وتخشى من تزايد النفوذ الأجنبي على حدودها مما يدفعها باتجاه اتخاذ قواعد بالعمق السوري لحفظ مصالحها، وبالتالي نحن نتحدث عن جملة من المصالح والنفوذ لعدة قوى عالمية في دولة مهمة مثل سوريا.

ويتفق مع ذلك وائل علوان الباحث بمركز جسور للدراسات حيث يقول إن القوات الأميركية تسيطر على مصادر القوة بالمناطق التي تنوي فرض رؤيتها للحل فيها، وهذا سبب تمسكها بشرق سوريا من أجل الحفاظ على مواقعها ونفوذها بالمنطقة كلاعب مؤثر و”ضمان عدم عودة خطر تنظيم الدولة” والتحكم بمصادر الطاقة ومنع نظام الأسد من الاستفادة منها وتقويض النفوذ الإيراني في هذا البلد والذي يشكل تهديداً إقليمياً للمصالح المشتركة الأميركية الإسرائيلية. (الجزيرة)

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: