“أضحى الأردن”.. إحراج اجتماعي بسبب ضيق الحال

“أضحى الأردن”.. إحراج اجتماعي بسبب ضيق الحال

يجعل ارتفاع الأسعار، الذي تفاقم خلال العام الحالي بسبب آثار جائحة كورونا والحرب الروسية على أوكرانيا، عيد الأضحى هاجساً يخيف أرباب أسر كثيرة، خاصة ذوي الدخل المحدود، حيث ارتفعت أسعار مختلف السلع، بالتزامن مع تآكل نسب كبيرة من المداخيل، ما دفع بعض الأسر إلى تغيير أولوياتها وعاداتها المتعلقة بالعيد، والتركيز على محاولة الإنفاق على المتطلبات الأساسية من مأكل ومسكن وعلاجات، على حساب شراء مستلزمات العيد، لكن ذلك لا يمنع استمرار أسر أخرى في مواكبة التقاليد الاستهلاكية.

وتقدم الأسر الأردنية الكعك والحلوى للضيوف في العيد، والعيديات للأطفال والنساء، ويتبادل أفرادها الزيارات، وتصطحب بعضها الأبناء في رحلات إلى أماكن مثل المجمعات التجارية ومراكز الألعاب لشراء الهدايا لهم. وتحتل طقوس إعداد الحلويات من كعك ومعمول مكانة مهمة لدى مختلف شرائح المجتمع الأردني، وتجتمع بعض الأسر قبل العيد للمشاركة في إعداد المعمول والكعك ضمن جلسات ويحضر الأطفال للمشاركة في بعض التحضيرات. وتظل بهجة العيد عند الأطفال التعبير الأكثر وضوحاً عبر ارتداء ملابس جديدة، وانتظار الأقارب لإعطائهم عيديات تمهيداً لشراء ألعاب وحلويات.

يقول الموظف علي المناصير، لـ”العربي الجديد”: “العيد مناسبة للفرح والتواصل الاجتماعي، لكنه أصبح اليوم مناسبة مكلفة بسبب ارتفاع الأسعار، ما يفسد فرحته وخطط إجازته”، يضيف أن “الدعوة لترشيد الاستهلاك مجرد كلام نظري، فكل أب يبذل قصارى جهده لشراء ملابس جديدة لأطفاله، ولا أحد يستطيع تجاوز الأشقاء بعدم تقديم عيديات وهدايا، ففي مجتمعنا يصعب أن تغلق الباب وتجعل نفسك في عزلة في العيد”.

ويتذكّر أن الأسعار كانت مختلفة قبل عشر سنوات، “فأسعار الأضاحي ارتفعت حوالي 30 في المائة، وكذلك تكاليف المواصلات والمشتقات النفطية بنسبة 25 في المائة على الأقل. ومن يريد جلب أضاح يجب أن يستدين، فثمنها نصف راتب شهر تقريباً”. بدوره، يقول نبيل أحمد، وهو صاحب بقالة صغيرة، لـ”العربي الجديد”: “يأتي العيد، لكن الأوضاع الاقتصادية التي ترافقه لا تبعث على السعادة والفرح. تراجع البيع خلال الفترة الأخيرة، وباتت موارد معظم أصحاب المحلات الصغيرة لا تكفيهم لتسديد تكاليف الإيجار والكهرباء والماء والتراخيص. والأوضاع المادية السائدة تجبرنا على الاقتصاد في الإنفاق على كل شيء. وهذا العام لن أستطيع تقديم أضحية والوفاء بالتزامات أخرى، مثل شراء ملابس للعائلة وتقديم عيديات، وربما أقدم عيديات للأهل والأقارب على حساب الأضاحي، أو العكس”.

من جهتها، تقول وفاء الزعبي، وهي ربة منزل، لـ”العربي الجديد”: “اشترينا ملابس جديدة للأطفال، وسنذبح أضاحي. العيد لا يكتمل إلا بفرحة الأطفال وذبح الأضاحي وتنفيذ زيارات عائلية والتواصل مع الأصدقاء والأقارب. إنه يوم فقط في العام، ويجب إيجاد أجواء فرح، خاصة للأطفال”.
وتراوح أسعار الأضاحي في الأردن بين 170 و250 ديناراً (250 و350 دولاراً)، فيما يبلغ متوسط سعر ملابس الطفل 15 ديناراً (23 دولاراً)، وكيلوغرام الحلويات 5 دنانير (7 دولارات).

ارتفعت أسعار الأضاحي 30 في المائة (خليل مزرعاوي/ فرانس برس)
ارتفعت أسعار الأضاحي 30 في المائة (خليل مزرعاوي/ فرانس برس)

ويعلّق أستاذ علم الاجتماع حسين الخزاعي، في حديثه لـ”العربي الجديد”، بأن “الناس يجب أن يبتعدوا عن العادات والتقاليد والقيم وسلوكيات الإنفاق في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة الحالية، ويوجهون مداخيلهم إلى الاحتياجات الأساسية والضرورية للأسرة، تمهيداً لتجنب الوقوع في ديون وقروض. والأردنيون عموماً باتوا غير قادرين على الاستدانة بعضهم من بعض بسبب الفقر والظروف الاقتصادية الصعبة. معظمهم باتوا تحت خط الفقر أو من متوسطي الدخل، ونحو 80 في المائة منهم يقل دخلهم عن 500 دينار (700 دولار)، خاصة المتقاعدين والموظفين الصغار”. ويدعو الخزاعي إلى تجنب إحراج الآخرين، وعدم طلب ديون لشراء أضاح، “إذ يجب أن يعذر الناس بعضهم بعضاً، حتى بسبب عدم القيام بزيارات العيد، خاصة من محافظة إلى أخرى، بسبب ارتفاع أسعار الوقود، وأنصح باعتماد التهاني الإلكترونية على مواقع التواصل الاجتماعي أو عبر الهاتف”.

وحول شراء ملابس العيد، يوضح الخزاعي أن “غالبية العائلات من ذوي الدخل المحدود، ولا تشتري ملابس إلا في العيد، وبالتحديد عيد واحد وليس عيدين، علماً أنه من البديهي أن تتعامل العائلات مع الأعياد بواقعية، وتتجنب شراء ملابس إذا كان ثمنها يتجاوز قدراتها. وأدعو إلى إعداد الحلويات في المنزل كي لا تكون مكلفة، والتحكم بالكمية والنوع، فهذه ظروف مجتمعنا التي يجب أن نتأقلم ونتعايش معها”، ويرى أن “الظروف المالية الصعبة، وعدم القدرة على الإنفاق في العيد وتبادل الزيارات سيخلق عزلة، وربما سوء فهم وعدم تقدير، ومشاكل اجتماعية وخلافات بين أفراد الأسر، خاصة أولئك الذين اعتادوا تبادل الزيارات”. ويسأل الخزاعي: “24 بالمائة من أرباب الأسر في الأردن عاطلون من العمل، فمن أين سيأتون بالعيديات ومستلزمات العيد وتكاليف تنفيذ الواجبات الاجتماعية؟”.

يرى أن التكافل الاجتماعي المادي “هو السبيل الأفضل لمساعدة الفقراء خلال هذه الفترة، ومن الجيد مثلاً أن يتبرع من يملك مبلغاً بسيطاً لا يكفي لشراء أضاح لأسرة فقيرة كي تستطيع توفير بعض مستلزمات العيد، فتقديم المال للفقراء يدخل البهجة والسعادة إلى القلوب، وهو تصرف مقبول اجتماعياً، إذ لا يجب الاكتفاء بتوزيع لحوم الأضاحي”.

العربي الجديد

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: