حسن أبو هنية
Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on email
Email
Share on telegram
Telegram

رابط مختصر للمادة:

أمريكا والتحدي الصيني

حسن أبو هنية
Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

تشكّل الصين “التحدي الجيوسياسي الأكثر أهمية لأمريكا”.. تلك هي خلاصة أول استراتيجية رسمية للأمن القومي للرئيس الأمريكي جو بايدن، وهي استراتيجية أمريكية تطورت بصورة جلية في عهد آخر ثلاثة رؤساء للولايات المتحد. فقد ظهرت إرهاصات التحول في عهد باراك أوباما وتجذرت التوجهات الأمريكية تجاه التحدي الصيني في زمن دونالد ترامب وتأكدت مع جو بايدن، وخلال هذه الحقبة تراجع الاهتمام بالشرق الأوسط وتنامى الانشغال بآسيا المحيط الهادي والتركيز على الصين، ولم يعد “الإرهاب” العابر للحدود يتمتع بأهمية كبرى، وتنامى الحديث عن ضرورة التخلص من سياسة الحرب الأبدية على الإرهاب التي دشنتها الولايات المتحدة بعد هجمات 11 أيلول/ سبتمبر، وهو ما بدأه أوباما بالانسحاب من العراق وتسليمه لإيران وتابعه ترامب واستكمله بايدن بالانسحاب من أفغانستان وتسليم البلاد لطالبان، والتفاوض مع إيران حول البرنامج النووي.

منذ صعود الغرب شكّل الخوف من الأعداء، وليس الثقة بالأصدقاء، ماهية النظام الدولي، وهو ما دفع بكارل شميت إلى تعريف السياسة بتحديد العدو، وعلى مدى عقود عرّفت الولايات المتحدة وحلفاؤها السياسة بتحديد من هو العدو، فمع صعود الولايات المتحدة التي ورثت الإمبراطوريات الأوروبية السابقة عرّف الاتحاد السوفييتي كعدو، وبعد انهياره حلّت مكانه مجموعة متنوعة من التهديدات الصغيرة تحت مسمى “الإرهاب الإسلامي”، حيث شنت الولايات المتحدة حملات وحروبا طالت أكثر من 50 دولة، وغزت أفغانستان والعراق، وفي هذه الأثناء كانت الصين تتقدم بثبات وترسخ من مكانتها الإقليمية والدولية.

لا تتسم استراتيجية الأمن القومي الأمريكي الجديدة حول المنافسة الاستراتيجية مع الصين بالجدة في مبادئها وخطوطها العريضة، لكن ما يسمى بـ”الأفكار الجديدة” التي تناولتها الاستراتيجية في عهد يايدن، هو استهداف الحكومة الأمريكية الصين بشكل أكثر علانية وصراحة، حيث تعرف الصين على أنها “المنافس الأول”، بينما نجد تحولات استراتيجية الأمن القومي الأمريكي حاضرة منذ عهد أوباما، حيث تنامت مخاوف أمريكا والغرب في تشرين الأول/ أكتوبر 2017، عندما أعلن الزعيم الصيني شي جين بينغ في المؤتمر الوطني للحزب الشيوعي، هدفه بنقل الصين إلى مركز الصدارة في الشؤون الدولية، وتأكيده على أن الصين لا تسعى للهيمنة على العالم، لكنه حذر من أنه لا ينبغي لأحد أن يتوقع من الصين قبول أي شيء يعرقل مصالحها، كما ألمح إلى أن صعود الصين سيخلق نظاما عالميا ذا سمات وخصائص صينية.

جاء الرد الأمريكي سريعا على التصريحات الصينية، فبعد ثلاثة أشهر من إعلان شي جين بينغ، أعلن البيت الأبيض في كانون الثاني/ يناير 2018 استراتيجية الأمن القومي الأمريكية المُحدثة رسميا، والتي اعتبر فيها أن صعود الصين يشكل تهديدا، مع إشارة واضحة إلى سرقة الصين حقوق الملكية الفكرية الأمريكية، وتطوير بكين أسلحة متقدمة قادرة على تحييد القدرات العسكرية الأمريكية المتفوقة.

وقد تضمنت الاستراتيجية جملة موجزة لا تزال آثارها على السياسة الأمريكية عميقة، إذ شدّدت على أن “المنافسة الاستراتيجية بين الدول، وليس الإرهاب، هي الآن الشاغل الرئيسي للأمن القومي للولايات المتحدة”.

تبدو وثيقة استراتيجية الأمن القومي الأمريكي في عهد بايدن أكثر عدائية تجاه الصين، وقد تأخر إصدارها نحو 21 شهرا من ولاية بايدن، لكن خطوطها العريضة كانت واضحة على مدار فترة ولاية بايدن، بما في ذلك التركيز على إعادة بناء الشراكات العالمية ومواجهة الصين وروسيا. فقد كتب بايدن في مقدمة وثيقة استراتيجية الأمن القومي: “في جميع أنحاء العالم، الحاجة إلى القيادة الأمريكية كبيرة كما كانت في أي وقت مضى. نحن في خضم منافسة استراتيجية لتشكيل مستقبل النظام الدولي”، وأضاف: “لن نترك مستقبلنا عرضة لأهواء أولئك الذين لا يشاركوننا رؤيتنا لعالم حر ومنفتح ومزدهر وآمن. مع استمرار العالم في التغلب على الآثار المستمرة للوباء وعدم اليقين الاقتصادي العالمي، لا توجد دولة في وضع أفضل للقيادة بقوة وهدف من الولايات المتحدة الأمريكية”. وتنص الوثيقة على أن “التحدي الاستراتيجي الأكثر إلحاحا الذي يواجه رؤيتنا هو من القوى التي تضع الحكم الاستبدادي مع سياسة خارجية رجعية”، وتحدد الصين وروسيا باعتبارهما تحديين خاصين ولكن مختلفين.

تحضر الصين في كافة مفاصل الاستراتيجية الأمريكية الجديدة، وتحدد الصين كمنافس وحيد (اقرأ عدو)، فقد جاء في الوثيقة: “تشكل روسيا تهديدا فوريا للنظام الدولي الحر والمفتوح، وتنتهك بشكل متهور القوانين الأساسية للنظام الدولي اليوم، كما أظهرت حربها العدوانية الوحشية ضد أوكرانيا”. أما “(الصين)، على النقيض من ذلك، هي المنافس الوحيد الذي لديه نية لإعادة تشكيل النظام الدولي، وبشكل متزايد القوة الاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية والتكنولوجية التي تسعى لتحقيق هذا الهدف”.

وتبرز استراتيجية بايدن تراجع الاهتمام بالشرق الأوسط على خطى أوباما وترامب، حيث تؤكد على بداهات السياسة الأمريكية في المنطقة بضمان أمن المستعمرة اليهودية وضمان تفوقها. فقد تعهدت خطة إدارة بايدن بشأن الشرق الأوسط بتوسيع وتعميق علاقات إسرائيل “المتنامية” مع الدول العربية، والحفاظ على اتفاقيات أبراهام وأمن إسرائيل، كما أكدت على التزام إدارة بايدن بحل الدولتين للصراع الإسرائيلي- الفلسطيني. والجملة الأخيرة هي مجرد رطانة بلاغية أمريكية معتادة، وقد غابت السعودية عن أي ذكر في الاستراتيجية.

لم تكن استراتيجية بايدن العدوانية مفاجئة تجاه الصين، فقد عملت إدارة بايدن على تبني نهج أكثر استفزازية، وقد ظهر ذلك بوضوح في التعامل مع تايوان، فقد وصلت رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي، مطار سونغشان في تايوان، في 2 آب/ أغسطس 2022، لتؤكد تضامن الولايات المتحدة مع تايبيه. وصرحت بيلوسي بأن “الكونجرس الأمريكي بشقيه الديمقراطي والجمهوري ملتزم بأمن تايوان وحقها في الدفاع عن نفسها”، في رسالة تحد مباشرة للصين، وتراجع عن التزام الولايات المتحدة بسياسة “الصين الواحدة”، وهو ما يشير إلى التخلي الأمريكي عن مبدأ الغموض الاستراتيجي الذي حكم العلاقة أمريكا بالصين لعقود، والذي كان يتمثل بعدم توضيح موقف واشنطن من دعم تايوان عسكريا في مواجهة احتلال صيني محتمل، وهي سياسة أمريكية مصممة لدرء غزو صيني، وثني تايوان عن إعلان الاستقلال رسميا.

وقد بدأت إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، في التخلي عن هذه السياسة في السنوات الأخيرة، وبرز ذلك بإصدار بايدن ثلاثة تصريحات خلال عام 2021، كان آخرها في تشرين الأول/ أكتوبر من العام الماضي، إذ أكد خلال زيارته لليابان أن واشنطن لديها “التزام” بالدفاع عن تايوان. وقد تزامن ذلك مع وجود مناقشات في الكونجرس الأمريكي حول ما إذا كان يجب على الولايات المتحدة أن تتبنى مبدأ جديدا، وهو “الوضوح الاستراتيجي”، أي التأكيد صراحة بأن الجيش الأمريكي سيتدخل عسكريا لدعم استقلال تايوان في مواجهة الاحتلال الصيني.

تبدو سياسة أمريكا تجاه الصين واضحة بعد أن استقرت على تعريف العدو الجديد، فمنذ صعودها كقوة إمبريالية مهيمنة في العالم تعمل على تحديد عدو محتمل ثم تعمد على شيطنته وتضخيم خطره على الأمن والسلم العالمي. ففي حقبة الحرب الباردة شنت الولايات المتحدة حملة دعائية شعواء ضد الاتحاد السوفييتي باعتباره إمبراطورية الشر، وعقب انهياره حددت عدوها بقوة محدودة تحت مسمى “الإرهاب الإسلامي”، حيث ضخمت من خطره ووصفته بالشر الجذري، واليوم فإن الصين باتت تمثل أصل الشر، إذ لم تدخر إدارة بايدن منذ توليه الرئاسة أي جهد في تضخيم مسألة المنافسة بين القوى العظمى، وباتت مهاجمة الصين سلعة رائجة، والتخويف من صعودها وخطرها فاكهة.

لا تدع الصين مناسبة للتأكيد على أنها لا تشكل تهديدا للولايات المتحدة والعالم، وعلى أنها لم تثر أبدا أي حرب أو صراع، ولم تغز شبرا واحدا من أراضي الدول الأخرى، وأنها تتمسك بمفهوم التنمية السلمية، وتحافظ بنشاط على الاستقرار الاستراتيجي العالمي، وتدعم بقوة النظام الدولي.

لكن الولايات المتحدة لا تفوت فرصة في الحديث عن “الاضطهاد والاستبداد الصيني”، والترويج لـ”التهديد الصيني”، وتضخيم خطر “التحدي الصيني”. ومع تعريف الصين على أنها “التحدي الجيوسياسي الأكبر”، فإنها تؤكد أيضا على إمكانية “التعايش السلمي”، وذلك على أمل أن تتمكن الولايات المتحدة من الفوز بالمنافسة الاستراتيجية ضد الصين بطريقة سلمية وبأقل التكاليف.

وما تعنيه عبارة “التعايش السلمي” للولايات المتحدة هو بقاء وضمان الهيمنة الأمريكية، والاستمرار في تعزيز الانفصال عن الصين وعزلها، وقطع الإمدادات، ورفع الضرائب، وزيادة الاحتواء العسكري ضد الصين، وإغراء دول ومناطق أخرى لمواجهة الصين. وفي محاولة لاحتواء الصين أو على الأقل تقييد حركتها، عززت الولايات المتحدة تحالفاتها مع أستراليا واليابان وكوريا الجنوبية والفيليبين، وشكلت تحالفا من الدول المجاورة للصين، وزادت التعاون الدفاعي مع الهند وأستراليا واليابان.

منذ تبني الولايات المتحدة سياسة العداء للصين وتراجع سياسة حرب الإرهاب، صدرت عشرات الكتب ومئات المقالات حول التحدي الصيني. وقد أعرب الدبلوماسي الأمريكي السابق زالماي خليل زاد؛ عن اعتقاده أنه من بين التحديات التي تواجه السياسة الخارجية لبلاده في الوقت الحالي، هناك تحديان يشكلان الخطر الأكبر المحتمل لأمن البلاد ولمستقبل النظام العالمي. وقال في تحليل نشرته مجلة “ناشونال إنترست” الأمريكية، إن الخطر الأول هو التحدي الذي تفرضه الصين كقوة صاعدة تسعى لتجاوز أمريكا كأبرز قوة في العالم. أما الثاني، فهو روسيا التي تشكل قوة آخذة في الانحسار ترتكب عملا عدوانيا صادما ضد أوكرانيا؛ في محاولة غير ذات جدوى لاستعادة مجد إمبراطوري.

رغم أن الرئيس الأمريكي جو بايدن يواصل سياسة سلفه دونالد ترامب المتشددة حيال الصين، وهو بدوره أخذها من سلفه باراك أوباما، تتباين الآراء الأمريكية حول التحدي الصيني إلى حد التناقض. ففي حين يقال إن الصين هي النجم الصاعد الذي يهدد قوة الغرب، فإن هناك من يرى صورة مغايرة، تستند إلى الكثير من العوامل التي تشير إلى أن الصين قوة متراجعة بسبب ديونها الهائلة وإنتاجها المتقلص ومشكلاتها السكانية وصراعاتها الحدودية.

ويجادل باري آيشينغرين، أستاذ علوم الاقتصاد بجامعة كاليفورنيا في بيركلي، بأن مؤشرات صعود الصين واضحة، فهي الآن تستعد لتجاوز الولايات المتحدة من حيث الناتج المحلي الإجمالي في غضون عقدين من الزمن، وأنها قد أصبحت بالفعل الدولة صاحبة الاقتصاد التجاري الرائد على مستوى العالم. وعلاوة على ذلك، تضخ الصين استثمارات أجنبية في شرايين الاقتصادات في مختلف أنحاء أفريقيا وجنوب آسيا، وتحصل في المقابل على قواعد عسكرية وغير ذلك من الأصول الجيواستراتيجية من شركائها التجاريين المثقلين بالديون. وتعمل مبادرة الحزام والطريق على زيادة استثمارات الصين الخارجية وتعميق روابطها الاقتصادية مع الدول عبر الكتلة الأوراسية.

على الجانب الآخر، يحاجج مايكل بيكلي، وهو عالم سياسي في جامعة تافتس الأمريكية وباحث في كلية كينيدي التابعة لجامعة هارفارد الأمريكية، في كتابه “الفريدة: لماذا ستظل أمريكا القوة العظمي الوحيدة في العالم؟”، بأن أيام الهيمنة الأمريكية لا زالت وفيرة. ومن وجهة نظره التحليلية، “دوام الأحادية القطبية الأمريكية ليس مضمونا، لكنَّ الاتجاهات الحالية تشير بقوة إلى أنها ستستمر لعدة عقود”.

وهو لا يحتفي ولا ينتقد هذه الهيمنة؛ ولكنه يقول ببساطة إنها حقيقة إحصائية، ويسرد رزمة من الأدلة لإثباتها. ويوضح بيكلي في كتابه، بأسلوب استقصائي، أنه لا توجد دولة على استعداد لانتزاع الصدارة الأمريكية، لا من الناحية الاقتصادية، ولا العسكرية، ولا التكنولوجية. ويقيس بطريقة منهجية القوة النسبية للدول اليوم “من خلال حساب الثروة والعتاد العسكري لكل بلد”، ففي حين أن هناك بلدانا أخرى قد تتفوق على الولايات المتحدة في عدد السكان أو في الناتج الاقتصادي الكلي أو في أعداد الجنود، فلا يقاربها أي بلد، حسب بيكلي، من حيث صافي الأصول.

خلاصة القول أن الجدل لا ينقطع في تقييم القوة الأمريكية والقوة الصينية، وطبيعة وشكل النظام الدولي المستقبلي، والنقاش حول الأحادية والتعددية القطبية، لكن الأمر الجلي في السلوك الأمريكي خصوصا والغربي عموما، هو أن الولايات المتحدة الأمريكية ومعها الغرب، تسعى بكل الوسائل والطرق لعرقلة تقدم الصين على كافة المستويات، وبخاصة في مجال التطور التقني. وخلال قمة الدول الصناعية السبع التي عقدت في بريطانيا، بين 11 و13 حزيران/ يونيو 2021، دعا بايدن لإيجاد حل بديل لمشروع “الحزام والطريق” الصيني.

بصرف النظر عن التقييمات حول التحدي الصيني ومدى قدرة الصين على الحد من الهيمنة الأمريكية أو إزاحتها، فإن المؤكد أن أمريكا قد اتخذت الصين عدوها الجديد، وسوف تستخدم كل إمكاناتها لإفشال النموذج الصيني. وفي سياق الحرب الباردة الجديدة سوف نرهق على مدى عقود بسماع الأكاذيب والتضليل، بينما الحقيقة أن العالم يغرق في مزيد من البؤس والفقر والفوضى والحرب وتخريب البيئة ودمار العمران.

(عربي21)

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

Related Posts