أوروبا.. تحديات وانتكاسات تهدد مستقبل الديمقراطية الاشتراكية

أوروبا.. تحديات وانتكاسات تهدد مستقبل الديمقراطية الاشتراكية

الديمقراطيون الاشتراكيون في أوروبا يواجهون انتكاسات سياسية كبيرة في السنوات الأخيرة، تمثلت في هزائم انتخابية رافقها صعود لليمين المتطرف في عدد من دول الاتحاد الأوروبي.

فاليمين المتطرف بنى انتصاراته على مناشدة أحزابه للمواطنين العاديين الذي يشعرون ربما بالإهمال خلال السياسات السائدة، مع التركيز غالبا على استخدام الخطاب المناهض للمهاجرين والمؤسسة لجذب الدعم.

انتكاسة أوروبية

وفي فرنسا، وصلت الجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة إلى الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية لعام 2017، بينما حقق حزب الحرية اليميني في النمسا في يناير/ كانون الثاني الماضي، مكاسب كبيرة في الانتخابات البرلمانية.

وفي الانتخابات المبكرة في إيطاليا عام 2022، اكتسب اليمين المتطرف أيضا شعبية بالغة مهدت لفوزه بالأغلبية.

ويقول فريد حافظ، أستاذ الدراسات الدولية الزائر في كلية ويليامز الأمريكية، إن الديمقراطيين الاشتراكيين يحتاجون إلى “بذل المزيد من الجهد لمعالجة القضايا الأساسية، التي تدفع إلى صعود الشعبوية اليمينية المتطرفة في أوروبا”.

ويضيف للأناضول في مقابلة عبر البريد الإلكتروني: “لقد أتمت الديمقراطية الاشتراكية هدفها بالكامل في تأسيس دول الرفاهية والسياسات الاجتماعية للجميع، لكنها فقدت جاذبيتها لدى الناخبين الذين أعطوا الأولوية للهوية، وهو الأمر الذي تمكن اليمين المتطرف من الاستفادة منه”.

ويوضح حافظ أن الديمقراطية الاشتراكية تحتاج إلى أن تكون “أكثر نشاطًا في تقديم إجابات لأسئلة الهوية، من أجل معالجة مشكلات العنصرية وكراهية الأجانب”.

ويتابع: “يتعين على الديمقراطيين الاشتراكيين فعل المزيد لإشراك المجتمعات المهمشة التي تتسم بالعنصرية، وكذلك الفقراء البيض من الطبقة العاملة، وكليهما من الأكثر تضررا من الصعوبات الاقتصادية”.

رؤية جديدة

ومن الملاحظ أن التحديات التي تواجه الديمقراطيين الاشتراكيين في أوروبا كبيرة وعديدة، ويبدو أن هناك حاجة إلى رؤية جديدة لتلبية احتياجات وتطلعات المواطنين العاديين من مختلف الطبقات والانتماءات.

وإحدى هذه الرؤى يطرحها الحزب الديمقراطي الاشتراكي الأوروبي، الذي يدعو إلى “اقتصاد سوق اشتراكي أوروبي، يعطي الأولوية للعدالة الاجتماعية والنمو الاقتصادي والاستدامة البيئية”.

وتم التعبير عن هذه الرؤية من قبل العديد من قادة الديمقراطية الاشتراكية في جميع أنحاء أوروبا، بما في ذلك المستشار الألماني أولاف شولتس.

وقال شولتس في خطاب ألقاه مؤخرا، إن “اقتصاد السوق الاشتراكي هو الحل للتحديات الرئيسية في عصرنا، بدءا من تغير المناخ إلى الرقمنة، ومن العولمة إلى التغيير الديموغرافي”.

ودعا إلى سياسات تعزز النمو الاقتصادي وخلق فرص عمل، مع معالجة عدم المساواة وحماية البيئة.

وعلى هذا النحو، دعا قادة آخرين من التوجه الديمقراطي الاشتراكي إلى تجديد التركيز على العدالة الاجتماعية والمساواة.

وفي السويد، دعا الديمقراطيون الاشتراكيون إلى إرساء سياسات تمنح “قدرا أكبر من المساواة بين الجنسين، وتعالج مشكلات تغير المناخ”.

وفي إسبانيا، نفّذ الحزب الاشتراكي سياسات تعطي الأولوية لحقوق العمال، بما في ذلك رفع الحد الأدنى للأجور وتعزيز حماية العمال.

صعود الشعبوية اليمينية

وبالنسبة للديمقراطيين الاشتراكيين، فإن صعود الشعبوية اليمينية المتطرفة والاستبداد يشكل تهديدا كبيرا لمستقبل الديمقراطية والعدالة الاجتماعية في المنطقة.

ولكن وفقا لحافظ، يمكن أن يمثل هذا الصعود أيضا فرصة كي تحقق الديمقراطية الاشتراكية “عودة كبيرة”.

ويوضح للأناضول أن الآفاق المستقبلية للحركات الديمقراطية الاشتراكية تكمن في “معالجة قضية عدم المساواة الطبقية، والنضال المستمر بين رأس المال مقابل العمل، والتضخم، والأزمات الاقتصادية الأخرى”.

ويشير إلى أن الاستفادة من هذه الفرصة ستعتمد على كيفية “قيادة الاشتراكيين الديمقراطيين وكيفية إرشادهم للناخبين الذين تركوهم لليمين المتطرف، فضلا عن كيفية جذب الناخبين الذين يشعرون بالتهميش”.

لكن في نهاية المطاف، يرى البعض أن الديمقراطيين الاشتراكيين بحاجة إلى “تطوير نهج أكثر شمولية يعالج الأسباب الجذرية لعدم المساواة والتمييز وبناء تحالفات أقوى مع المجتمعات المهمشة”.

ومن خلال القيام بذلك، يمكنهم استعادة الأهمية السياسية، وتوفير بديل قابل للتطبيق أمام الشعبوية اليمينية المتطرفة التي يعتقد الكثيرون أنها تهدد الديمقراطية والمساواة، والعدالة الاجتماعية في أوروبا.

وبالعودة إلى الانتخابات السويدية في سبتمبر/أيلول الماضي، أيد الناخبون الأحزاب اليمينية المتطرفة، مما أدى إلى نتيجة انتخابية غير عادية لبلد به برامج هائلة قائمة على النهج الاشتراكي، أنجزتها الحكومات الديمقراطية الاشتراكية في الماضي.

لكن بالنسبة لرئيس الوزراء السويدي الحالي أولف كريسترسون – تولى منصبه في أكتوبر/تشرين الأول الماضي – وحزبه المعتدل، فهذه أول فرصة لتشكيل حكومة، رغم حصولها على أصوات أقل من تلك التي كان يحظى بها الديمقراطيين في السويد.

العنصرية وكره الأجانب

ووفقًا لحافظ، فإن الديمقراطيين الاشتراكيين، كانوا تاريخيا يركزون أكثر من اللازم على القضايا الاقتصادية، مثل الرفاهية والرعاية الصحية، وأهملوا قضايا الهوية والعنصرية وكراهية الأجانب.

ونتيجة لذلك، تمكنت الأحزاب اليمينية المتطرفة من استغلال هذه القضايا لكسب الدعم السياسي، من خلال تصوير نفسها على أنها مدافعة عن الهوية الوطنية والقيم الثقافية.

ولقد أزعجت الدول الأوروبية التي تتحرك إلى أقصى اليمين العديد من المراقبين.

وفي إيطاليا، وصفت وسائل الإعلام رئيس الوزراء جيورجيا ميلوني، أنها شكلت “أكثر حكومة يمينية متطرفة منذ عهد الفاشي بينيتو موسوليني”.

وشهدت دول أوروبية أخرى مثل المجر وبولندا وسويسرا وفرنسا والمملكة المتحدة موجة صعود للأحزاب اليمينية المتطرفة، التي ارتفع عدد منتخبيها بنسبة 10 بالمئة على الأقل، مقارنة بالسنوات السابقة.

وينظر العديد من أحزاب اليمين المتطرف إلى الاتحاد الأوروبي بعين الريبة أو العداء الصريح، باعتباره تهديدا للسيادة الوطنية “بيروقراطية لا صوت فيها للقوى القومية”.

لكن الأحزاب اليمينية المتطرفة غالبا ما تكون منقسمة بشدة بشأن القضايا السياسية الرئيسية، وتفتقر إلى رؤية مشتركة لما يجب أن يكون عليه المستقبل.

وعلى هذت النحو، تدعم العديد من الأحزاب اليمينية على مضض، حلف شمال الأطلسي “الناتو” بينما تفضل الجماعات اليمينية الأكثر تطرفا الأخرى نهجا مشابها لنهج الرئيس الأمريكي السابق ترامب أي “جعل أمريكا عظيمة مرة أخرى”، مع التركيز على الذات والمصالح الوطنية كأولويات.

(الأناضول)

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: