إضرابات الغلاء في بريطانيا.. “عسكرة” الخدمات لمواجهة تعطّل الحياة

إضرابات الغلاء في بريطانيا.. “عسكرة” الخدمات لمواجهة تعطّل الحياة

أمام المزيد من إضرابات العمال التي تعرقل ممارسة الحياة اليومية في بريطانيا وفشل الحكومة في التعامل معها لغاية اليوم، تعهد رئيس الوزراء ريشي سوناك بقوانين جديدة “صارمة” تهدف إلى الحد من هذه الإضرابات، لكنه لم يوضح الشكل الذي ستتخذه هذه القوانين التي في حال تشريعها ستعني تجريم حق الناس في الاحتجاج.

ورد ستيفن موريس، الأمين العام لـ “نقابة عمال إنكلترا” على هذه التهديدات وإعلان الحكومة عن التوجه لتضييق الخناق على الإضرابات وتجريم المتظاهرين، بقوله لـ”العربي الجديد” إنّ ذلك يتناقض مع الديمقراطية وحقّنا في التعبير عن رفضنا لما يجري.

ويكمل أنه “ينبغي أن يتمتع الناس بحق التظاهر السلمي وحق الإضراب عند الحاجة إلى ذلك، وإلا سنجد أنفسنا عرضة للاستغلال ضمن مكان العمل.

وفي جميع الأحوال، إن كان لا يمكننا الانسحاب من العمل في ظلّ ظروف معينة، فإننا نعود إلى قوانين عمل القرن الثامن عشر”.

يضيف موريس: “بخصوص مطالبات زيادة الأجور، فإن النقابات ينبغي أن تطالب بأمور معقولة وبالإمكان تحمّلها. ويلفت إلى أنّ القضية هنا أكبر مما تبدو عليه في الوقت الراهن نتيجة أزمة المعيشة التي نتجت عن الإغلاق. فهناك العديد من الأعمال والشركات الخاصة التي ستتوقف عن العمل في الواقع لحماية الخدمات العامة”.سياحة وسفر

وتأتي موجة الإضرابات في وقت تواجه ملايين العائلات التي تستعد للاحتفال بأعياد الميلاد ورأس السنة، أسوأ أزمة معيشية منذ عقود فضلاً عن المزيد من الإضرابات التي تعرقل الحياة اليومية، بدءاً من تعطيل وإلغاء العديد من الرحلات وعمليات تسليم الهدايا وبطاقات المعايدة إلى تهديد حياة الناس.

تشمل موجة الإضرابات التي تهزّ بريطانيا كلًّا من الممرضين وموظفي السكك الحديدية وعمال البريد وسائقي حافلات لندن وأفراد أمن يوروستار ووكلاء قوة الحدود والجوازات وموظفي الأمتعة في مطار هيثرو والمعلمين الاسكتلنديين وفاحصي القيادة وعمال الطرق السريعة الوطنية والممرضين، الذين يحتجون جميعهم على انخفاض الأجور وارتفاع تكاليف المعيشة وصعود فواتير كل شيء، مطالبين بزيادة تتماشى مع الغلاء ومعدلات التضخم القياسية.

كما يهدّد العديد من النقابات بمزيد من الإضرابات في يناير/ كانون الثاني المقبل، في حال لم يتم حل هذه النزاعات. في المقابل، ورغم معاناة الناس من هذه الأزمة المعيشية التي تمرّ بها البلاد، وافق مجلس العموم في أكتوبر/تشرين الأول الماضي على مشروع قانون يهدف إلى تجريم المتظاهرين ويفرض قيوداً غير مسبوقة على الحق في الاحتجاج في إنكلترا وويلز.

وفي حال أعطى مجلس اللوردات (الغرفة الاستشارية العليا في البرلمان البريطاني)، الضوء الأخضر لمشروع قانون النظام العام في شكله الحالي، فستكون هناك نصوص قانونية تجرم بعضاً من أشكال الاحتجاجات الشعبية.

ويعزز مشروع القانون أيضا، سلطات الشرطة لإيقاف المتظاهرين المشتبه بهم وتفتيشهم، كما يسمح بمنع أفراد معينين من المشاركة في الاحتجاجات على أنواعها.

وتجري حاليا مناقشة الصياغة النهائية للتشريع من قبل مجلسي البرلمان ومن المتوقع إقراره العام المقبل. وتستعدّ الحكومة لمواجهة إضراب عشرات الآلاف من العمال في إنكلترا وويلز، من خلال استبدالهم بالقوات العسكرية لدعم الخدمات.

لكن هذه الإجراءات لم تثن نقابات العمال عن مطالبها، بل اتسع نطاق الإضرابات ومواعيدها حتى أن عمال موقع شركة أمازون في مستودع كوفنتري شمال غربي لندن، سيكونون من ضمن أول العاملين في هذه الشركة الذين يتخذون إضراباً رسمياً في المملكة المتحدة.

فقد صوّت المئات من العمال لصالح الإضراب، بعدما رفضوا عرض زيادة أجر الشركة البالغ 50 بنساً للساعة. ومن المحتمل أن يبدأ إضرابهم في العام الجديد.

وفي هذا الشأن، قالت أماندا جيرنج، كبيرة منظمي نقابة العمال “GMB”: “لقد صنع عمال أمازون في كوفنتري التاريخ، فهم أول من سيشارك في إضراب رسمي في المملكة المتحدة”.

وباتت أخبار الإضرابات حديث الإعلام البريطاني اليومي منذ بداية ديسمبر/كانون الأول الجاري، كونها تأتي في فترة من أكثر فترات العام ازدحاماً وتؤثر بشكل أكبر على أبسط احتياجات الناس خلال الأعياد.

أبرز هذه الإضرابات تخطيط نقابات مختلفة لإضراب السكك الحديدية هذا الشتاء، حيث يتوقف حوالي 40 ألف عامل عن العمل خلال فترة أعياد الميلاد، في محاولة لفرض شروط أفضل.

ومن المقرر أن ينطلق إضرابهم من الساعة 6 مساءً عشية عيد الميلاد وحتى الساعة 6 صباحًا في 27 ديسمبر/كانون الأول، يليه إضراب من 3 إلى 7 يناير/كانون الثاني.

كما يخطط موظّفو الأمن في يوروستار، الذين يكسب بعضهم 10.66 جنيهات إسترلينية في الساعة للإضراب اليوم وغداً بعد رفض عرض أجر، أقل من التضخم.

ولا تقتصر إضرابات المواصلات على السكك الحديدية فقط، بل تطاول أيضاً سائقي الحافلات في جنوب وغرب لندن لمدّة 11 يوماً في 24 و27 و31 من الشهر الجاري وفي 4 و5 و10 و12 و16 و19 و25 و26 يناير/كانون الثاني المقبل.

وقالت نقابة عمال “يونايت” إنه سيتم تحديد موعد لمزيد من الإضرابات إذا لم يتم حلّ الخلاف. كذلك أعلنت “يوروستار” عن إلغاء 43 رحلة من لندن، بسبب إضراب عمّال السكك الحديدية الذي تسبب في “اضطراب شديد” لخدماتها.

وسيؤثر هذا القرار على جميع الطرق المؤدية إلى أمستردام وبروكسل وباريس ولندن.

تعاني أيضاً مطارات لندن (هيثرو وغاتويك) وبرمنغهام ومانشستر وكارديف من طوابير انتظار طويلة، لإتمام إجراءات مراقبة وثائق السفر، حيث يخطط ما يقرب من 1000 من أفراد قوة الحدود للإضراب، اعتباراً من اليوم الجمعة وحتى الإثنين المقبل وكذلك من 28 إلى 31 من هذا الشهر، حيث من المقرر أن تهبط أكثر من 10 آلاف رحلة في البلاد خلال فترة عيد الميلاد، مما يعني أن مئات الآلاف سيصلون في الأيام القليلة الأخيرة من العام.

وفي ظلّ مخاوف من حدوث اضطرابات كبيرة، أعلنت حكومة المملكة المتحدة عن خطط لاستقدام موظفين عسكريين وموظفين مدنيين ومتطوّعين لتولي عمليات قوات الحدود أثناء الإضراب.

وفي وقت سابق من هذا الشهر، بدأ عسكريون بالفعل التدرّب على فحص جوازات السفر في مطاري هيثرو وغاتويك استعداداً للإضراب.

وفي الوقت الذي يتسوّق فيه الكثير من الناس لشراء هدايا عيد الميلاد عبر الإنترنت، ويعتمدون بالتالي على موظفي البريد لتسليمها أكثر من أي وقت مضى.

أعلنت نقابة عمال الاتصالات التي تمثل عمال البريد عن إضرابها يومي الجمعة والسبت أيضا، بعد خلاف بشأن الرواتب مع البريد الملكي. ويُعتقد أن أكثر من 100 ألف موظف سيشاركون في الإضرابات.

ولن تُسلّم أي رسائل أو طرود في هذه الأيام، باستثناء تلك المُرسلة عن طريق التسليم الخاص مع إعطاء الأولوية لتسليم الوصفات الطبية حيثما كان ذلك ممكنا.

ورغم تحذير رؤساء المستشفيات من أنّهم لا يضمنون سلامة المرضى خلال إضراب سيارات الإسعاف وتعبيرهم عن قلق عميق، وفق ما أورده الاتحاد الوطني للخدمات الصحية، انتهت المحادثات الأخيرة بين الحكومة والنقابات بإعراب الجانبين عن خيبة أمل.

وقال ستيف باركلي وزير الصحة، إنّه لا يمكن تحمّل مطالب النقابات. بينما وجه الممرضون في اليوم الثاني لإضرابهم في 20 ديسمبر/كانون الأول، انتقادات ساخرة لوزير الصحة، الذي كان من المقرر أن يلتقي بنقابات الإسعاف، في محاولة أخيرة لتجنّب المزيد من الفوضى.

ويواجه الوزير دعوات بالاستقالة في حال فشله في معالجة هذه الأزمة التي قد تستمر لمدة ستة أشهر أخرى. وتصرّ الكليّة الملكية للتمريض، على زيادة رواتب أعضائها بنسبة 19%، وتدعو رئيس الوزراء إلى التفاوض مع النقابة مع التلويح بمزيد من الإضرابات في يناير/كانون الثاني، في حال عدم الاستجابة لمطالبها. وتشهد المملكة المتحدة ارتفاع أعداد المصابين المدرجة أسماؤهم في قوائم الانتظار في المستشفيات، كما تعاني معظم الصيدليات في البلاد نقصاً في الأدوية.

تُعتبر هيئة الخدمات الصحية الوطنية أكبر قوة مشغلة بريطانيا، حيث تبلغ القوة العاملة فيها 1.4 مليون وتبلغ ميزانيتها السنوية 180 مليار جنيه إسترليني.

وغالباً ما تُعتبر نموذجاً، حيث تقدم هذه الهيئة رعاية شاملة مع ضمان نتائج جيدة بتكلفة أقل مقارنةً بالأنظمة الصحية الأخرى في جميع أنحاء العالم.

ويعتقد عدد من الممرضين والممرضات أنه لم يكن أمامهم خيار سوى الإضراب في ظل ارتفاع أعباء المعيشة في ظل التضخم المتزايد هذا العام.

وتوصلت دراسة استقصائية أجرتها “لندن إيكونوميكس” لقادة الهيئة للكلية الملكية للتمريض، إلى أن 99% من العاملين في التمريض عبروا عن قلقهم بشأن تأثير تكلفة المعيشة على الصحة العقلية للموظفين، حيث أبلغ أكثر من 40% منهم عن تأثير كبير أو شديد على الموظفين الذين كانوا يناضلون من أجل تحمل تكاليف تناول وجبات الطعام أثناء المناوبة.

وقالت ماري سميث، وهي ممرضة في مستشفى سانت توماس في لندن لوكالة بلومبيرغ أخيراً: “لم أفكر يوماً أنني سأكون غنية، لكنني لم أعتقد أبداً أنني سأضطر إلى الإضراب عن العمل لمجرد الحصول على أجر عادل يكفيني”.

في المقابل، يشدد رئيس الحكومة على أنّه لن يتراجع ويحذر العمال المضربين، من أنه سيصمد لأشهر إذا لزم الأمر في وجه مطالبهم للأجور التي وصفها بـ “غير المعقولة”.

من جهته يقول المتحدّث باسم “مؤتمر اتحاد العمال”، (TUC)، في تصريحات لـ”العربي الجديد” في ما يتعلّق بإجراءات الإضراب واحتمال فرض مزيد من القيود، إنّ “الحق في الإضراب هو حرية بريطانية أساسية.

ومع ارتفاع معدل التضخم إلى 11%، يريد ريشي سوناك أن يصعب مسألة الحصول على أجور وظروف أفضل للعاملين.

وبدلاً من محاولة الحصول على رواتب سياسية رخيصة، ينبغي على الحكومة الجلوس حول الطاولة والتفاوض مع النقابات حول الأجور. حتى الآن، يبدو أن الوزراء مهتمون بتعطيل المحادثات أكثر من محاولة حل النزاعات”.

أمّا بشأن ما ستفعله النقابة في العام المقبل في حال أصدرت الحكومة تشريعًا لمكافحة الإضراب، فأضاف المتحدّث لـ “العربي الجديد” أنّهم سيكافحون بكل قوتهم للدفاع عن الحق الأساسي في الإضراب في المحاكم وأماكن العمل وفي البرلمان”.

في هذا السياق، يقول ناشط نقابي عرف نفسه باسم آندي في حديث لـ”العربي الجديد”، إنه رغم التشدد من جانب الحكومة في تلبية مطالب المضربين وكذلك تمسك النقابات بمطالبها إلا أنه “كما هو الحال مع جميع الإضرابات من الممكن أن تحلّ الأزمة مع عرض أقل بقليل، حيث يلتقي الطرفان في منتصف الطريق، ذلك في حال أرادت الحكومة بالفعل التفاوض وحلّ هذه الأزمة”.

(العربي الجديد)

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: