احفَظِ الله يَحْفَظْكَ

احفَظِ الله يَحْفَظْكَ

من كتاب محطات وعبر للدكتور عبدالحميد القضاة رحمه الله

لقراءة الكتاب: https://bit.ly/3lZJql9

للاستماع للكتاب:   https://bit.ly/2Ze5TlK

كان البروفيسور(بـاترك كـولارد) يحـب النقـاش والحـوار، وقـد تعلمت منه الكثير خاصة في فن الإنصات للمخـالف في الـرأي، وكـان من ضمن برنامجه التعليمي المعتمد في الكلية، أن ُتخصص جلسة طويلـة كل يوم إثنين (أي بداية الأسبوع) لتجتمع فيها الهيئـة التدريـسية كاملـة مع جميـع الطـلاب في الـدبلوم، والمطلـوب هـو أن تـسأل الأسـاتذة او يسألوك عن كل ما تم تدريسه وعمله في الأسبوع المنصرم، وقـد كانـت هذه الجلسة على صعوبتها من أهـم مـا تعلمنـاه، لأننـا كنـّا نحـّضر لهـا لنتجنب الإحراج أمام كامل الهيئة التدريسية.

وأذكر نقاشًا دار بيننا في نهاية محاضرة له بخصوص تعليل وتفسير تخلي جهاز المناعة عن صاحبه إذا زنى وأصيب بمرض جنسي ثم تعـالج منه، ثم زنى مرة أخرى، فألأصل أن يحميه جهازالمناعة كالعـادة مـن أن يصاب مرة ثانية بالمرض نفسه، إلا أنه لا يفعل، بل يـتخلى عـن صـاحبه ولا يحميه، فقال البروفسور: لا يوجد تفسير علمي لذلك، فقلت له أنـا لـدي تفـسير فرحـب جـدًا، فقلـت : إن الـذي خلـق جـسم الإنـسان وأجهزته هو الذي يوجهها، فما دام أن االله قد ّحرم الزنا والشذوذ فمـن الطبيعي أن يوجه جهاز المناعة هكذا، خاصًة أن مثل هذه الأمراض هي اختيارية لاُتصيب إلا الذين يختارون الزنا بمحض إرادتهم رغم علمهم بأنه محرّم في كل الأديان السماوية. فقال أتفهم وجـه نظـرك وأحترمهـا، وهي تدخل عندي في باب الفلـسفة الدينيـة، ولكـن أعـذرني، أريـد أن أستمتع بما تبقى من عمري. وكان معروفًا بشرب الخمر. وكان مما حـز في نفسي بصمت أن يتبنى الطلاب العرب المسلمين الـذين كـانوا معـي نفس رأيه.

ومضت الأيام وانتهت هذه السنة الـصعبة الطويلـة والتـي كنـت أشعر فيها أن كل حركاتي مراقبة ومحسوبة، وكانت توجه لي أسـئلة دون غيري من الطلاب. مما كان يثير في نفـسي هـواجس سـلبية. علماً أننـي كنت أواصل الليل بالنهار دراسة وتركيزًا.

وعندما أنهينا الامتحانات الكتابية، كان هناك امتحان شفوي وهو الأصعب، حيث يجلس الطالب أمام خمـسة ممتحنـين أحـدهم خـارجي ليسألوا ما يحلو لهم، وقد تعجبت عندما كـان دوري لمـاذا ّركـزوا عـلي ّ ، وربما جلست معهم ضعف المدة المعتادة مع الآخرين. ورغم تأكدي من إجاباتي إلا أن الهواجس الـسلبية قـد زادت عنـدي خاصـة أننـي كنـت أراهم ينظرون بوجوه بعضهم بعد كل جواب. لـذلك كنـت أردد بينـي وبين نفسي “اللهم اكفنيهم بما شئت”. حتى أنني ُسئلت مـن الطـلاب لماذا تأخرت عندهم كل هذا الوقت؟

وبعدما انتهوا من امتحـان جميـع الطـلاب, أخبرونـا بـأن النتـائج ستظهر أمام مكتب مسجل الجامعـة في الإدارة الرئيـسية، عـلى اللوحـة الساعة ١٢ ظهرًا، فذهبنا جميعا طلاباً وطالبات للانتظـارأمـام المكتـب المذكور، وكانت ساعات صعبة وطويلة جدًا في حياتي، لأن هذه النتيجة يترتب عليها فصل من الجامعة أو الدخول مباشرة في برنامج الدكتوراه. وفي الوقت المحدد خرج من يعلق ورقة النتـائج عـلى اللوحـة الخاصـة، وعندها تدافعنا ليعرف كلٌ نتيجته، ولمـا لم أجـد اسـمي بـين النـاجحين دارت بي الأرض.

وكانت لحظات عصيبة جدا، ولم أنتبه إلا على كلـمات التهنئـة مـن الطلاب والطالبـات مـن حـولي، فقلـت: عـلى مـاذا؟! فقـالوا: “عـلى الامتياز” إذ كانوا قد وضعوا اسمي فوق في خانة خاصـة لم أنتبـه لــها. وعندما رأيت اسمي وتأكدت من ذلك، استدرت مسرعا لأجـد مكاناً نظيفا أسجد فيه شكراً لله على ذلك. فلم أجد أمامي إلاّ كوخ الحـارس، وهو تقليد عند الإنجليز كوخ وحـارس في الأمـاكن المهمـة، فاسـتأذنته لأدخل الكوخ، فقال: لماذا؟ فأخبرته أنني أريد أن أصلي فيه، وأشكراالله على هذه النعمة -نعمة الامتياز- فعنـدما عـرف الأمـرقـال: أوه…أوه معنى هذا أنك ستشرب خمراً كثيرًا هذه الليلة احتفالا بالتفوق.

فانظر بربك كيف يفكر المسلم وبماذا يفكر الآخـرون. فالحمـد الله على نعمة الإسلام، الذي أكرمنا بتصور كامل سـليم للحيـاة، وأرشـدنا الى أحسن الطرق وأسلمها في كل شيء، وعلمنـا كيـف نتمتـع ونعـيش الدنيا بطعـم الآخـرة لنفـوز بالـدارين معـًا، أمـا حيـاة اللعـب واللهـو والطعام والشراب والجنس فلن تتعدى متعتهـا سـاعتها. وستفـضي إلى شقاء لا نعيم بعده.

كنت والله الحمد والمنة أحظى بـاحترام وتقـديركبـيرين مـن هـذا َ البروفيسور، حتى أنه كان يذكرني كثيراً بالخير، في غيابي،كما أنه زارني في الأردن في منتصف الثمانينيات، وبقي يسأل عنـي كلـما قابـل طالبـا مـن الأردن، وصدق المثل الانجليـزي الـذي معنـاه “إذا أردت أن يحترمـك الناس فلا بد أن تلتزم مبدأ وتثبت عليه”. فكيف إذاكان المبدأ هو شرع االله. فمن يلتزم بـه لـن يـضل أبـدا وصـدق رسـول االله ” احفـظ االله يحفظك

وللحقيقة والتأريخ فإن شكوكي وهواجسي السلبية التـي ذكرتهـا سابقًا، والتي عانيت منها بصمت بسبب تركيزهم عليّ، قد ثبت بطلانها وأن لا أساس لها وإنما هي وساوس من الشيطان، وثبت لي فيما بعد أنهـا مزيدًامن التقييم الإضافي قبل منح الامتياز.

(البوصلة)

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: