الدكتور عبدالحميد القضاة (رحمه الله)
نشرة فاعتبروا (239)
- قال رسول الله صلّ الله عليه وسلم: “إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ”، إذا ابتليت فبمن تستعين؟! هل لك غير الله؟ “أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ“.
الابتلاء في الحياة ليس اختبارًا لقوتك الشخصية، بل لقوة استعانتك بالله وصدق توكلك عليه. - إن حُسن الظن بالله عبادة لا يعرفها إلّا عباده الصادقين المخلصين المؤمنين بالقضاء والقدر، فحسن الظن بالله يجب أن يكون في كل موطن وحال، فإنما نحن بالله، ولا حول ولا قوة لنا إلاّ به، ويتأكد حُسن الظن بالله في مواطن عديدة منها، عند الشدائد والكرب، “وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ”.
- v وكذلك عند ضيق العيش، وعند غلبة الدَّين، وعند الدعاء، قال رسول الله صلّ الله عليه وسلم: “ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة”، فأَحْسِنْ الظن بربك، فكم من فشل كان سببا فى نجاح وتمّيز، وكم من محنة كانت سببا فى منحة، وكم من مرض كان سببا فى دخول الجنة.
- أَحْسِنْ فى الله ظنك، فكم من ضيق تبعه سعة، وكم من فقير صار ميسورا وذا مال، وكم من شاب طال شوقه للزواج لضيق اليد ثم تزوج وفرح،. وكم من الفتيات طال انتظارهن للستر والعفاف ثم تزوجن وسعدن، وكم من عقيم شفاه الله ورُزق البنين والبنات بعدما ذهب حلمه. نعم أَحْسِنْ فى الله ظنك و”إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ”.
الموضوع فيه إنَّ!
- كثيراً ما نقول الموضوع فيه إنّ، أو القصة فيها إنّ، أو الحكاية فيها إنّ، خاصة عندما يكون الأمر فيه شك أو ريبة مكر، فما هو أصل هذه العبارة؟ وما علاقتها بالشك والمكر؟!
- أصل هذه العبارة يرجع إلى رواية مصدرها مدينة حلب، فلقد هرب رجل اسمه علي بن منقذ من المدينة خشية أن يبطش به حاكمها، محمود بن مرداس لخلاف بينهما، فأوعز الحاكم إلى كاتبه أن يكتب إلى ابن منقذ رسالة يطمئنه فيها، ويستدعيه للرجوع إلى حلب.
- ولكن الكاتب شعر بأنّ حاكم حلب ينوي الشر بعلي بن منقذ، فكتب له رسالة عادية جدا
ولكنه أورد في نهايتها “إنّ شاء الله تعالى” بتشديد النون، فأدرك ابن منقذ أن الكاتب يحذره حينما شدد حرف النون، ويذكره بقول الله تعالى: “إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ”.
فرد على رسالة الحاكم برسالة عادية يشكر أفضاله، ويطمئنه على ثقته الشديدة به، وختمها بعبارة “إِنَّا الخادم المقر بالأنعام“، ففطن الكاتب إلى أن ابن منقذ يطلب منه التنبه إلى قوله تعالى: “إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُواْ فِيهَا“، فعلم أن ابن منقذ لن يعود إلى حلب في ظل وجود حاكمها محمود بن مرداس، فانظر قدر التمكن من اللغة العربية مع الذكاء والفطنة.