محمود الريماوي
Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on email
Email
Share on telegram
Telegram

رابط مختصر للمادة:

الأردن يُلوّح لتل أبيب بـ”سيوف الكرامة”

محمود الريماوي
Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

يقترب عام 2019 من الانصراف، فيما تمضي العلاقات الأردنية الإسرائيلية نحو وجهتها شبه الحتمية في الانسداد والتأزم. وبينما صادف هذا العام انقضاء ربع قرن على توقيع المعاهدة بين الجانبين، فإن الجانب الأردني لم ير في هذه الذكرى مناسبة للاحتفال، لأسباب سياسية مانعة. فيما اضطر الجانب الآخر إلى اللجوء، على غير عادته، إلى “الرصانة”، فأقيم احتفال خطابي صغير بالمناسبة في الكنيست، غير أن الأمر لا يقتصر على غياب الإشارات اللطيفة والمجاملات الدبلوماسية من الطرف الأردني، بل تعدّاه إلى إجراء مناورة عسكرية، قبل أيام، حملت اسم “سيوف الكرامة”، وحاكت المناورة غزوا مفترضا من الحدود الغربية للمملكة، وهي المنطقة التي شهدت وقوع معركة الكرامة في مطلع ربيع عام 1968، وأدت إلى وقوع خسائر جسيمة في الأرواح والمعدّات في صفوف القوات الإسرائيلية الغازية. وقد لفت استحضار اسم الكرامة معلقين إسرائيليين استوقفهم ما يعتبرونه نمو مشاعر معادية من الجانب الأردني. وكانت المنطقة نفسها، غور الأردن، والتي تمتد على جانبي نهر الأردن، هدفا معلنا لأطماع حكومة اليمين والمستوطنين برئاسة بنيامين نتنياهو، إذ دعا الأخير، رئيس حكومة تصريف الأعمال، إلى تشكيل “حكومة وحدة وطنية” تكفل اعترافا من الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بسيادة الاحتلال على الجانب الغربي من غور الأردن. وقد أراد نتنياهو بذلك اقتناص أكثر من عصفور بحجر واحد، بدعوة منافسه حزب أزرق أبيض إلى الانضمام إلى حكومة يترأسها نتنياهو، وتعلن هذه الحكومة المأمول بها ضمّاً غير شرعي لغور الأردن، يوافق عليه ترامب المهدّد بالعزل والطامح لولاية ثانية، بدعم من اللوبي الصهيوني الأميركي. غير أن لعمّان حسابات أخرى، وهي أن من شأن خطوة من هذا القبيل الإعلان عن تكريس الاحتلال، وعلى جعل حدود الضفة الغربية المحتلة حدوداً للدولة العبرية، مع ما ينطوي عليه ذلك من تهديد للأردن، ومن مضاعفة التضييق على أبناء الضفة الغربية لدفعهم دفعاً إلى الرحيل نحو شرقي النهر. وبما يشكل ارتساماً على أرض الواقع لإسرائيل الكبرى على كامل أرض فلسطين التاريخية، والتلويح مُجدداً بوطن بديل للفلسطينيين في الأردن.. محطة تتبعها خطواتٌ صهيونيةٌ لاحقةٌ تغدو فيها “الضفة الغربية ( للنهر) لنا، والضفة الشرقية لنا”، حسب ترنيمةٍ صهيونيةٍ شائعة.

وإذ يوشك العام على الانقضاء حاملاً ذكرى تراجع العلاقات الأردنية الإسرائيلية إلى أضيق  نطاق، فإن العام المقبل يقترب، وتسبقه ترجيحاتٌ بأن يشهد مزيدا من تدهور العلاقات بين الجانبين، في حال استمر اليمين العنصري التوسعي مُمسكاً بزمام الأمور في تل أبيب. وتتراصف قضايا الخلاف، وتتفاعل في ما بينها، لتشكل منظومةً من الأزمات الحادّة التي تنذر ببقاء المعاهدة هيكلا بلا روح. ومن هذه القضايا الحساسة بقاء قضية أراضي الباقورة والغمر مجالاً حسّاساً للشد والجذب بين الجانبين، على الرغم من خضوع الجانب الإسرائيلي لفحوى ملحق معاهدة السلام بهذا الشأن، وإن يتذرع بوجود ملكياتٍ خاصةٍ لإسرائيليين تعود إلى ثلاثينيات القرن الماضي. علما أن إسرائيل احتلت جزءا من أراضي الباقورة في عام 1950، وقد ادعت منذ ذاك أن 820 دونما من أصل 1390 دونما احتلتها تعود لإسرائيليين (مجمل مساحة الباقورة ستة آلاف دونم جرى تأجيرها وفق المعاهدة 25 سنة، وقد عادت إلى الأردن). وكانت سلطات الانتداب البريطاني (على الأردن وفلسطين) قد باعت المنطقة عام 1921 للمستثمر الصهيوني، بنحاس روتنبرغ، بهدف توليد الطاقة الكهربائية، في إطار مشروعٍ لشركة كهرباء فلسطين، عُرف باسم “مشروع روتنبرغ”. ولمّا تبين المستثمر أنه ليس بحاجة إلى كل تلك المساحة باع جزءا منها للوكالة اليهودية التي نقلت ملكيتها لمزارعين يهود، وأصبحت، بموجب ذلك، أملاكا فردية. وترتفع الآن أصوات لبرلمانيين وسياسيين تشكك، من جهةٍ، في قانونية هذا الاستملاك التي تم في ظروفٍ كانت فيها السيادة الوطنية مقيدة. فيما تنادي أصواتٌ أخرى باستملاك تلك الأراضي، على غرار ما تقوم فيه البلديات باستملاك أراضٍ لمواطنين لغايات تطوير المرافق والبنى التحتية. إذ يخشى الأردنيون أن تتحول هذه “المُلكيات” إلى ما يشبه حجر سنمار.. وإلى موطئ قدم للقفز، ذات ليلة، نحو مزيد من الأراضي. ويعزّز من ذلك انعدام الثقة بصورة مطلقة بالجانب الآخر، والإدراك التام للنهج التوسعي الذي يقيم عليه.

من القضايا الأخرى مثار الخلاف، والتي تلهب الشارع الأردني، اتفاقية الغاز الموقعة بين شركة الكهرباء الأردنية وشركة نوبل إنيرجي التي تمثل المالكين لامتياز حقل ليفاثيان في شرق البحر المتوسط، بتنازلٍ من الحكومة الإسرائيلية لمجموعة نوبل الأميركية وديليك الإسرائيلية. ويضع قانيون بدائل لهذه الاتفاقية التي تبيع الغاز الفلسطيني المسروق، حيث سيدفع الأردن ما لا يقل عن عشرة مليارات دولار على مدى 15 عاما مقابل ما مجموعه 45 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي، من دون الأخذ في الاعتبار الأسعار المتقلبة لهذه السلعة، وفق الخبير النفطي عامر الشوبكي. وحسب الاتفاقية، من المقرّر أن يتم التزويد، مع مطلع عام 2020. وقد وقّع أربعون نائبا من جملة 130 عضوا في مجلس النواب عريضة تطالب بإلغاء الاتفاقية، استنادا إلى قرار سابق للمجلس بإلغائها (جلسة 26 مارس/ آذار 2019).

تُضاف إلى ما تقدم القضايا المتعلقة بالأسرى الأردنيين في سجون الاحتلال، إعاقة التبادل  التجاري بين الأردن والسلطة الفلسطينية، استباحة المسجد الأقصى بصورة منهجية، والقفز عن الوصاية الأردنية على الأماكن المقدسة في القدس، السلوك المريب والمتكرّر لسياح إسرائيليين بإقامة شعائر دينية في أماكن تاريخية، مثل مقام النبي هارون في جنوب البلاد، وقدوم عشرات الآلاف منهم حاملين معهم أطعمتهم الخفيفة، وعبوات المياه خاصتهم، مخلّفين وراءهم قمامتهم من دون أن ينفقوا شيئا في زيارات نهار واحد بغير مبيت، وترويج معالم سياحية مهمة، مثل موقع البتراء وجبل نبّو (جنوب غرب العاصمة) ضمن مطبوعات الجذب السياحي لإسرائيل.

وشهدت محكمة أمن الدولة الأردنية، قبل أيام، جلسةً لمحاكمة متسلل إسرائيلي بتهمة دخول البلاد بطريقة غير مشروعة وحيازة مخدرات. وقامت وسائل الإعلام بتغطية واسعة للمحاكمة، في إشارة إلى أن كل إسرائيلي يرتكب جرماً على الأراضي الأردنية سوف يُحاكم في الأردن، ووفق القوانين الأردنية. خلافاً لحالاتٍ سابقة، اتسمت بتفاهماتٍ قانونيةٍ ذات طابع سياسي لإجراء المحاكمة في إسرائيل.

وتبقى الأطماع الصهيونية بالاستيلاء على كامل الضفة الغربية (الفلسطينية) وإنكار حقوق الفلسطينيين في أرضهم، هي محور التهديد الجوهري لمعاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية، وذلك بالنظر إلى الترابط الوثيق بين الأردن والفلسطينيين على مختلف المستويات، في وقتٍ يسعى فيه الاحتلال إلى القفز عن البوابة الأردنية نحو العالم العربي، بالعمل على إقامة معاهدات عدم اعتداء مع دول خليجية، وذلك مع تعذّر عقد اتفاقية سلام لأسباب مختلفة. وهنا يتضح التلاعب السقيم من الطرف الإسرائيلي، فعوضا عن إحلال سلامٍ يتمكّن فيه الفلسطينيون من إقامة كيانهم المستقل على أرضهم المحتلة في 1967، وضمان الأمن للجميع، بما في ذلك توقيع اتفاقية عدم اعتداء بين الجانبين، الفلسطيني والإسرائيلي، عِوضاً عن ذلك، تتطلع تل أبيب نحو دول غير محاذية لها، بغرض تطويق الجانب الفلسطيني بعلاقاتٍ إسرائيلية “طبيعية” مع ما يتيسر من دول عربية.

(العربي الجديد)

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

Related Posts