جميل أبو بكر
Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on email
Email
Share on telegram
Telegram

رابط مختصر للمادة:

الأزمة الدستورية في الحضارة الإسلامية: المال العام (15)

جميل أبو بكر
Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

إعداد وعرض: جميل أبوبكر

قيم الأداء السياسي          

4- المال العام مال الله:

ان المال مصدر من مصادر الطغيان السياسي، وباعث من اعظم بواعثه، وما اكثر ما يستبد المستبد بدافع من الجشع والطمع في ثروات الأمة، والحرص على الاستيلاء عليها بمنطق  الجمع والمنع، أو لإرواء غروره في التصرف في أموال الناس على هواه. وقد شخص الكواكبي داء الاستبداد في العالم الإسلامي، ووجد ان الحرص على المال هو اعظم دوافعه وأسبابه فقال: “الاستبداد لو كان رجلا وأراد أن يحتسب وينتسب لقال: أنا الشر، وأبي الظلم، وأمي الإساءة، واخي الغدر، وأختي المسكنة، وعمي الضر، وخالي الذل، وابني الفقر، وبنتي البطالة، وعشيرتي الجهالة، ووطني الخراب، أما ديني وشرفي فالمال المال المال”.

وقد استخدمت النصوص الإسلامية مصطلح “مال الله “توصيفا للمال العام. وهو مصطلح يحمل مدلولا أخلاقيا عظيما، من حيث الفصل بين المجال العام والمجال الخاص في شؤون المال، والتأكيد على ان المال العام – شانه شان المنصب العام – ملك للامة، وهو أمانة بيد الحاكم وليس ملكية شخصية له أو لذويه. والذي سمى المال العام “مال الله” هو النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الذي اعلن ان الاعتداء على المال العام من عظائم الجرائم وكبائر الآثام، وذلك في قوله صلى الله عليه وسلم: “إن رجالا يتخوضون في مال الله بغير حق، فلهم النار يوم القيامة”. وفي تعبير “مال الله” إضفاء قدسية خاصة على ثروة الأمة المشتركة، وتنبيه على الموقف الشرعي الصارم ممن ينتهك حرمتها.

وهذه التسمية تنسجم مع منطق إسلامي عام يجعل حقوق الأمة من حقوق الله، تعظيما لحرمتها من تطاول أيدي الطغاة. وقد سن النبي صلى الله عليه وسلم سنة الفصل الصارم بين المال العام والمال الخاص، وبين ان تصرفه في المال العام ليس تصرف المالك في ملكه، أو تصرف المستبد في ثروة امته، بل هو تصرف المستأمن النزيه في أمانته، وضمن الحدود الشرعية التي امر الله بها، فقال صلى الله عليه وسلم: “إنما أنا قاسم وخازن والله يعطي”، وفي رواية: “ما أعطيكم ولا أمنعكم، إنما أنا قاسم أضع حيث امرت”.

وقد سار الخلفاء الراشدون على منهاج النبي صلى الله عليه وسلم في التصرف في المال العام بمنطق المستأمن، فاكتفوا منه بنفقة عيالهم، ثم وضعوا الآخر حيث يجب ان يوضع من مصالح الأمة.

ومن منظور العدالة التوزيعية بالمعنى المعاصر يظهر من النصوص الإسلامية حرص على وضع المال العام في خدمة الفقراء، والحيلولة دون احتكاره بأيدي الأغنياء، كما يدل عليه قول الله عز وجل عن الفيء: “ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم”.

كما سن النبي صلى الله عليه وسلم لامته التعامل مع الأمراء بمنطق الأجراء، فجعل لأمرائه من المال العام أجرة معلومة، تكفيهم للعيش دون إسراف، فقد قال صلى الله عليه وسلم: “من ولي لنا عملا وليس له منزل فليتخذ منزلا، أو ليست له زوجة فليتزوج، أو ليس له خادم فليتخذ خادما، أو ليست له دابة فليتخذ دابة، ومن أصاب شيئا سوى ذلك فهو غال”.

ففي هذه الاحاديث حصر لأساسيات الحياة الكريمة في العصر النبوي، وهي المسكن والزوجة، والخادم، والدابة. وتتغير هذه الأمور من زمان لآخر ومن مكان لآخر، حسب ثروة الأمة وحاجة قادتها، وحسب القوانين والأنظمة التي تضعها الأمة في علاقاتها بأجرائها من أمرائها.

والمؤسف حقا ان جل التاريخ السياسي الإسلامي لم يلتزم بهذا الفصل الواضح في الإسلام بين المال الخاص والمال العام، ولم يقدر حكام المسلمين وفقهاؤهم مفهوم “مال الله”.

5 – منع الغلول والرشوة :

وتحقيقا لمفهوم “مال الله” حرم النص الإسلامي الاعتداء على المال العام، سواء في صيغة غل، أو رشوة، أو تمول سياسي غير شرعي ناتج عن سوء استغلال المنصب العام. فقد ورد في الغل قوله تعالى: “وما كان لنبي ان يغل ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة”. والغل هو اختلاس قسط من المال العام بعيدا عن أوجه الصرف الشرعية المنصوصة، أو المتفق عليها في الجماعة، وهو يشمل الحاكم والمحكوم. وتكرر التحذير في السنة النبوية من تجاوز الحد المالي الذي تمنحه الأمة بالأخذ من المال العام، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “من استعملناه منكم على عمل، فكتمنا مخيط فما فوقه، كان غلولا يأتي به يوم القيامة”.

وأما الرشوة فقد ورد تحريمها في قوله تعالى: “ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وانتم تعلمون”. وقال الرسول صلى الله وسلم:” لعنة الله على الراشي والمرتشي”.

وبالغ النبي صلى الله عليه وسلم في التشديد في هذا المقام حتى حرم على الأمراء قبول الهدايا من رعاياهم، تجنبا لشبهة الرشوة، واستغلال هيبة السلطة العامة استغلالا سيئا. وفي قصة ابن اللتبية مثال.

وبلغ تشديد النبي صلى الله وسلم في شان الغلول والرشوة ان اصبح بعض الصحابة يتورعون من تقلد أي منصب عام خوفا من تحمل تبعاته، حتى ولو كان النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي يوليهم ذلك المنصب.

كما وصل الحد ببعض الصحابة أن تعففوا عن أخذ أجرتهم الشرعية التي استحقوها من خدمتهم للامة في المناصب العامة.

وهكذا وضع الوحي سياجا منيعا أمام الاعتداء على المال العام، من خلال توصيفه بصفة” مال الله ” بما تحمله من هيبة وتوقير في الضمير المؤمن، والفصل بينه وبين المال الخاص فصلا واضحا، وتحديد أوجه إنفاقه طبقا  لمصلحة الجماعة لا طبقا لهوى الحاكم، ومنع الغلول والرشوة والتمول السياسي الناتج عن سوء استغلال المنصب العام.

(البوصلة)

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

Related Posts