جميل أبو بكر
Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on email
Email
Share on telegram
Telegram

رابط مختصر للمادة:

الأزمة الدستورية في الحضارة الإسلامية: الحكمة السياسية (17)

جميل أبو بكر
Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

إعداد وعرض: جميل أبوبكر

قيم الأداء السياسي              

8 – المواءمة أو الحكمة السياسية:

والمقصود بالمواءمة مناسبة الشخص للمنصب في سياق زمان ومكان بعينه، بسبب ظروف خاصة، أو سعيا إلى رضا الرعية المتأثرين بما يصدر عن ذلك المنصب من سياسات وقرارات. فرغم ان الأصل في معيار الكفاءة السياسية هو الأمانة والقوة – على ما اسلفنا – فان مجرد توفر هذين الشرطين لا يجعل الشخص ملائما للمنصب في كل الظروف. فقد يكون صاحب الأمانة والقوة غير مرغوب فيه من جهة الرعية الداخلين ضمن ولايته، أو يكون غيره انسب للمنصب منه لظروف خارجية لا علاقة لها بالكفاءة الشخصية في ذاتها. ومن أمثلة الموائمة إقرار النبي صلى الله عليه وسلم عددا من قادة القبائل الذين اسلموا على قيادتهم لقبائلهم، رغم انهم قريبو عهد بالإسلام، ويوجد من هم احسن كفاءة منهم. فمن بين أربعين أميرا عملوا للنبي صلى الله عليه وسلم، كان سبعة من شيوخ القبائل أبقاهم النبي صلى الله عليه وسلم قادة لقبائلهم كما كانوا قبل الإسلام.

ورغم ان القائد الشرعي للامة من حقه اختيار ولاته وموظفيه، فليس من الحكمة السياسية- طبقا لمبدا الموائمة – ان ينصب على أهل ناحية من لا يرضونه، حتى وان كان من أهل الأمانة والقوة. وهذا ما نجد له أصلا في فعل النبي صلى الله عليه وسلم، فعندما اشتكى قادة المجتمع في البحرين العلاء بن الحضرمي الذي عينه النبي صلى الله عليه وسلم واليا عليهم “فعزله صلى الله عليه وسلم، وولى أبان بن سعيد بن العاص وقال له: استوص بعبد القيس خيرا واكرم سراتهم”. ويظهر من سياق القصة هنا ان العلاء بن الحضرمي لم يحسن التعامل مع قادة المجتمع في البحرين، ولم ينزل الناس منازلهم كما تقتضيه الحكمة السياسية، رغم انه من أهل الأمانة والقوة.

واستلهاما لهذا الهدي النبوي عزل عمر بن الخطاب أميره على الكوفة سعد بن أبي وقاص، بعد تواتر الشكوى منه، رغم انه من أكابر الصحابة، ومن العشرة المبشرين بالجنة، ومن القادة العظام في فتح العراق وفارس. وقد شهد عمر لسعد بانه من أهل الأمانة والقوة، وكان يراه أهلا لخلافة المسلمين أجمعين وليس لولاية الكوفة فحسب.

ان منطق الموائمة هو الذي دفع أبابكر الصديق إلى التشبث بخالد في وقت ارتداد العرب ورميهم الإسلام عن قوس واحدة، رغم انه كانت لدى الصديق مأخذ على خالد. لكن بسالة الرجل وتجربته الحربية لم تكن لتسمح للصديق بعزله وهو يواجه مازق الردة. وعندما أشار عمر عليه لعزله قال ابوبكر: “فمن يجزئ عني جزاء خالد”؟.

ومن الموائمة ان يكون الحاكم صادقا مع الله ومع الأمة، مدركا جوانب القوة والضعف في نفسه، فيبحث في رعيته عمن يستكمل به نقصه، ويتدارك به قصوره، حتى ولو كان هو نفسه من أهل الأمانة والقوة، لان التوازن المطلق بين الأمانة والقوة، كمال مطلق غير متاح لاحد من البشر. يشرح ابن تيمية ذلك في تحليله لتولية الصديق خالدا وتولية الفاروق اباعبيدة، فيقول: “ان عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان شديدا في الله فولى أبا عبيدة لأنه كان لينا، وكان ابوبكر لينا وخالد شديدا على الكفار، فولى اللين الشديد، وولى الشديد اللين، ليعتدل الأمر، وكلاهما فعل ما هو احب إلى الله تعالى في حقه”.

فمبدأ الموائمة السياسية مبدأ مهم، يكمل شرطي الأمانة والقوة لتحقيق الكفاءة السياسية، ويعكس الحكمة السياسية العملية في الإسلام.

9 – المشاورة في صناعة القرار :

لا يكفي ان يكون الحاكم شرعيا ابتداء ليكون طليق اليدين فيما بعد. فاختيار الناس حاكمهم – طبقا لأعمال مبدأ الشورى – يشرع تقلد الحاكم المنصب ابتداء، لكنه لا يشرع طريقته في الحكم فيما بعد. ولكي تكون طريقة الحكم شرعية نحتاج مبدأ اخر مكملا للشورى، وهو مبدأ المشاورة. ومقتضى الأمر بالمشاورة انه لا يجوز للحاكم – حتى ولو كان تام الشرعية – ان يستفرد بالقرار أو يستبد به. فالمشاورة إكمال للشورى، حيث بالشورى تختار الأمة اصلح الناس لحكمها، ولا يفرض عليها خيار مسبق بالوراثة أو الغلبة. وبالمشاورة تستحث الأمة الحاكم الضعيف، وتلجم الحاكم القوي، وتحقق المشاركة واليقظة الدائمة في شانها العام.

وردت الشورى في القران الكريم – كما تبين سابقا – في سياق الحديث عن المؤمنين:”وأمرهم شورى بينهم”، أما المشاورة فقد وردت في القران الكريم في سياق الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم:” وشاورهم في الأمر”. فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يؤمر بالشورى، وإنما امر بالمشاورة، أما المؤمنون فهم مأمورون بالشورى نصا، ومأمورون بالمشاورة ضمنا، اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم.

وأهمية التمييز القرآني بين الشورى والمشاورة هي ان الأنبياء لا يستمدون قيادتهم من الأمة، فهم ليسوا بحاجة إلى الشورى ذات الصلة ببناء السلطة وشرعيتها، لان شرعية الأنبياء السياسية مسالة اعتقادية، فطاعتهم طاعة لله متعينة في ذاتها:” ان الذين يبايعونك إنما يبايعون الله”، “من يطع الرسول فقد أطاع الله”. فليس للمؤمن خيار ان لا يبايع نبيا أو يطيعه، بينما هو بالخيار في مبايعة الأخرين وطاعتهم. وما ورد في السنة النبوية من مبايعة الناس النبي صلى الله عليه وسلم تأكيد من المسلمين لالتزامهم بما الزمهم به الخالق من طاعته صلى الله عليه وسلم، وسن لسنة البيعة لمن يأتي من قادة المسلمين من بعده.

وبذلك يتضح ان نظرية ” التفويض الإلهي” أو ” الحق الإلهي” – القائلة بان الحاكم يستمد شرعيته من الخالق لا من الخلق، وانه مسؤول أمام الخالق فقط لا أمام الخلق – لا مكان لها في الإسلام. فالأنبياء وحدهم في الإسلام هم الذين يستمدون شرعيتهم السياسية من الخالق، أما غير الأنبياء فهم يستمدون شرعيتهم المباشرة من الناس بتشريع من الخالق، وكل ادعاء منهم باستمداد الشرعية السياسية من الخالق مباشرة فهو تضليل للخلق، وافتراء على الخالق سبحانه.

وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم اكثر الناس مشاورة لأصحابه، ولم يكن يجد غضاضة في تغيير رايه حين يتبين الصواب السياسي أو العسكري عند غيره. ومن ذلك مشاورة الصحابة في غزوات بدر واحد والخندق وغيرها.

وكثيرا ما دار الجدل حول إلزامية الشورى واعلاميتها، ويمكن بيان ذلك كما يلي: فالشورى ذات الصلة ببناء السلطة لابد ان تكون ملزمة، والا فقدت مدلولها الشرعي وثمرتها المصلحية. وكل نصوص السنة في الموضوع تدل على وجوبها ابتداء وإلزاميتها انتهاء.

أما المشاورة ذات الصلة بأداء السلطة وتسييرها، فهي واجبة ابتداء، لكن نتيجتها قد تكون ملزمة للقائد المستشير، أو مجرد استمداد للخبرة وتمحيص للراي، قبل اتخاذ قراره بنفسه حسبما تخوله الأمة من صلاحيات، وما تقيده من قيود. وتدل السنة السياسية ان النبي صلى الله عليه وسلم التزم بنتيجة المشاورة في الأمور العامة إلا في حالتين، كان عنده امر أو توجيه من الوحي، وكان ذلك في صلح الحديبية، وفي احد بعد ان أراد ان يتراجع المسلمون عن رايهم الأول.

ومهما يكن، فقد كان الصحابة رضي الله عنهم يحرصون على التمييز بين الوحي الإلهي والسنة النبوية اللذين لا سبيل في التعاطي معهما غير القبول والإذعان، تعبدا لله تعالى وخضوعا، وبين اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم المنبثق من خبرته البشرية وتجربته في الحياة دون اصل من الوحي، وهو امر يخضع للنقاش والتداول، ومن حقهم مناقشته فيه، وإبداء آرائهم التي قد تكون اقرب إلى الصواب السياسي أو العسكري.

أما في الأمور الشخصية التي يتحمل الفرد مسؤوليتها ونتيجتها حصرا، فالمشاورة غير واجبة، ونتيجتها غير ملزمة، ولكنها مستحبة للمسلم تأسيا برسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي استشار في أمور عائلية خاصة بعض أقاربه وأحبته.

(البوصلة)

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

Related Posts